خسائر بتريليونات الدولارات تجتاح الأسواق العالمية

حصة المطيري -

«الاثنين الاسود» يعود للاسواق العالمية مجددا بعد 37 عاما من انهيار 1987، اذ محت الاسواق أكثر من 3 تريليونات دولار من قيمتها بسبب الخسائر الضخمة التي منيت بها مع بداية تعاملات الأسبوع، وسط تراجع وخسائر كبيرة في اسواق الاسهم الامريكية والاوروبية والاسيوية والعربية، على خلفية مخاوف الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وتصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

وأثارت الموجة البيعية العنيفة واسعة النطاق تراجعاً حاداً بالأسواق العالمية في ظل هروع المستثمرين لتحويل استثمارات من الأصول الخطرة إلى الملاذات الآمنة مثل السندات والذهب.

ولم تسلم البورصات العربية من نزيف الأسواق العالمية، حيث تراجعت معظم أسواق الأسهم في منطقة الخليج في مستهل تعاملات امس الاثنين، اذ هبط المؤشر الأول لبورصة الكويت بأكثر من %2، وتراجع المؤشر السعودي «تاسي» بنسبة %3.5، وانخفض مؤشر أبوظبي %2.7، بعد تسجيل مكاسب في خمس جلسات متتالية، وهبط مؤشر دبي المالي بنسبة %4.25. كما هبط مؤشر بورصة قطر بنسبة %2.8، ونزل مؤشر سوق مسقط المالي بنسبة %0.8، وتراجع مؤشر بورصة البحرين %1.26.

الأسهم الأمريكية

انخفضت مؤشرات الأسهم الأمريكية في مستهل تعاملات امس الإثنين، مواصلة الموجة البيعية التي اندلعت الأسبوع الماضي، والتي انتقلت تداعياتها إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية وسط مخاوف من الركود في الولايات المتحدة وتأخر «الفدرالي» في تخفيف السياسة النقدية.

وفي بداية التداولات، انخفض مؤشر «داو جونز» الصناعي بنسبة %3.05 أو 1215 نقطة إلى 38521 نقطة، فيما انخفض مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة %3.70 أو 198 نقطة إلى 5148 نقطة، وهبط مؤشر «ناسداك» المركب بنسبة %4.85 أو 813 نقطة إلى 15951 نقطة.

الآسيوية والأوروبية

في آسيا، اتبعت الأسهم اليابانية الاتجاه الهابط للأسواق العالمية، امس الاثنين، مع مواصلة الموجة البيعية بالأسواق الآسيوية التي بدأت الأسبوع الماضي، مع تراجع مؤشري «نيكي 225» و«توبكس» بأكثر من %12.

وهبطت المؤشرات اليابانية بأكثر من %20 من أعلى مستويات سجلتها يوم الحادي عشر من يوليو.

ويعد تراجع المؤشر البالغ %12.4، إذ أغلق عند 31.458.42 نقطة، أسوأ أداء يومي للمؤشر منذ «الاثنين الأسود» عام 1987. بينما تعد خسائر المؤشر من حيث النقاط، والتي بلغت 4.451.28، نقطة هي الأكبر في تاريخه.

كما تراجع مؤشر «كوسبي» الكوري الجنوبي بنسبة %8.1 قبل إيقاف التداولات لمدة 20 دقيقة. كما هبط مؤشر الأسهم الصغيرة «كوسداك» بنسبة %11.71.

وفي أوروبا، هبطت الأسهم الأوروبية بشكل حاد في بداية جلسة امس الاثنين، مع استمرار التقلبات العالمية وسط مخاوف من ركود اقتصادي وشيك في الولايات المتحدة.

انخفض مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة %2.51 في التعاملات المبكرة، مع تراجع جميع القطاعات والبورصات الإقليمية الرئيسية، وفق «سي إن بي سي».

وكان القطاع المالي الأكثر تراجعا في تعاملات اليوم، وخسرت أسهم البنوك %4.2، وهبط قطاع الخدمات المالية %3.6، وانخفض قطاع التكنولوجيا بنسبة %5.

أزمات مماثلة

وتعقيبا على الاحداث، قال رئيس مجلس إدارة شركة كفيك للاستثمار طارق البحر، انها ليست المرة الأولى التي نواجه فيها أزمات في الأسواق العالمية، لقد مررنا بأزمات مماثلة في السابق، وما نشهده اليوم قد يكون مجرد تصحيح طبيعي للسوق، بعد الصعود الكبير الذي شهدته الأسواق المالية في الأشهر الماضية.

ولفت الى ان البيانات الاقتصادية السلبية المتعلقة بالتوظيف في الولايات المتحدة، وقرارات البنوك المركزية وغيرها، ساهمت بشكل كبير في جعل هذا الانهيار أكثر حدة مما كان متوقعًا.

وأشار البحر إلى أن الحكمة تقتضي أن يكون المستثمر صبورًا ويتابع بدقة البيانات الاقتصادية المهمة مثل معدلات البطالة والتوظيف وأسعار الفائدة، لافتا الى ضرورة متابعة البيانات المالية للشركات الكبرى التي تؤثر بشكل كبير على الأوضاع العامة للسوق.

واضاف: على الرغم من أن هذه الأزمة قد تبدو صعبة في الوقت الراهن، إلا أن التاريخ يؤكد أن لكل أزمة حلولا مختلفة، لذا فإن أهم ما يحتاجه المستثمر اليوم هو الصبر والمتابعة الدقيقة للبيانات، حتى يتمكن من اتخاذ قرارات مستقبلية رشيدة تعود عليه بالفائدة.

الأحداث الجيوسياسية

من جانبه، قال العضو المنتدب السابق للهيئة العامة للاستثمار فاروق بستكي، ان الفترة الماضية شهدت مبالغة واضحة في تقييم العديد من أسهم الشركات، وتقريبا في جميع القطاعات وخاصة قطاع التكنولوجيا حيث شهد صعودا كبيراً منذ بداية العام دون توقف ومن الطبيعي ان تشهد اسعار تلك الاسهم عمليات تصحيحية.

وبين بستكي سيطرة سلوك «القطيع» على أغلب مستثمري اسواق الأسهم، وهو ما يظهر في مسارعتهم بالتخارج عن طريق البيع بسبب الخوف واتباع مجاميع استثمارية دون التفريق بين الاسهم الجيدة او السيئة.

ولفت الى أن الانخفاض الكبير في اسواق الاسهم العالمية امر طبيعي ومتوقع بسبب الارتفاعات الكبيرة والمتتالية لأسعار أغلبها، اضافة الى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وكذلك بسبب الاحداث الجيوسياسية السائدة والتي لها تأثير على مستثمري الأسواق ودفعهم نحو التحوط والتوجه نحو اجراء عمليات تخارج كبيرة تنعكس بدورها على أسعار الاسهم العالمية.

واضاف ان المخاوف من اندلاع حرب جديدة في المنطقة وما له من تأثير مباشر على أسعار النفط والاقتصاد العالمي كان له دور في تراجع الاسواق، لذلك هناك حاجة لعملية تصحيح تعيد أسعار العديد من الأسهم الى قيمتها الحقيقية.

عوامل رئيسية

بدوره، قال رئيس مجلس إدارة بيان للاستثمار فيصل المطوع ان هناك عدة عوامل رئيسية ساهمت في التراجع، أهمها انخفاض عدد الوظائف الجديده باقل من المتوقع في الولايات المتحدة، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة، وتأخر البنك المركزي في تخفيض أسعار الفائدة.

وتابع: ما يحصل في الشرق الأوسط من خوف باندلاع حرب شاملة وعدم الاستقرار الإقليمي والخوف من تداعياته أثر على الأسواق المالية، علاوة على ذلك، أن العامل النفسي للمستثمرين والارتفاعات القياسية في الأسواق العالمية ساهمت في هذه الحركة التصحيحية وتراجع الأسواق.

واضاف: أن «الفدرالي» لن يترك الأمور كما هي، وسيتم التدخل قبل نهاية شهر سبتمبر ليخفض الفائدة بنسبة نقطة أو نصف نقطة مرتين على التوالي لتعديل الأسواق، وهذا يساعد على استعادة الثقة وتحفيز الاقتصاد.

عملية تصحيح

من جانبه، قال وزير التجارة السابق فهد الشريعان إن أسواق الأسهم كانت تنتظر مثل هذا الانخفاض الكبير من أجل إتمام عملية التصحيح اللازمة، خاصة وأن الفترة الماضية شهدت ارتفاعاً كبيراً ومتواصلا للأسواق المالية.

وأكد الشريعان أن الأسواق المالية كانت فقط تحتاج إلى سبب لتبدأ مرحلة التصحيح، حيث وجدت في الأحداث الجيوسياسية الحالية وتصاعد التراشق الإعلامي والتهديد بالحرب فرصة في البدء بعملية التصحيح وتعديل أسعار العديد من الأسهم المتضخمة.

وعن الوقت المتوقع لوقف نزف الاسواق، كشف الشريعان أن نزيف الأسهم سيتوقف ما إن تبدأ الأسهم الجيدة بأخذ دورها القيادي والإعلان عن توزيعات الأرباح ما سيعيد الثقة إلى مستثمري الأسهم.

تراجع الأسواق

من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة منازل القابضة عيسى الشملان: «شهدت الولايات المتحدة ارتفاعاً في معدل البطالة لأكثر من ثلاث سنوات، وهذا ما أصدرته يوم الجمعة، مما أدى لتراجع الأسواق وأثر ذلك حتى على بورصة اليابان، وكنتيجة لذلك، قام البنك المركزي الياباني برفع سعر الفائدة».

وأردف قائلاً: «بالإضافة إلى تراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة، ساهمت الأحداث الجيوسياسية بشكل سلبي كبير على الأسواق المالية، سواء كانت هذه الأحداث في الشرق الأوسط أو التوترات الحاصلة بين روسيا والاتحاد الأوروبي والصين، فقد ساهمت بشكل كبير في التأثير السلبي على الأسواق العالمية».

وأضاف الشملان: «من المتوقع أن يستمر التراجع في المستقبل المنظور، حيث ان الخوف من دخول العالم في حالة ركود اقتصادي ينتاب الجميع، وبحسب التحليلات لا يبدو أن التعافي سيكون قريباً، نظراً لعدم وجود مؤشرات إيجابية تبشِّر بانتعاش الوضع الاقتصادي في المدى القصير».

وأكمل: «ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن الركود الاقتصادي قد يكون بمتزلة دفعة لتصحيح السوق واحتوائه، ولكن في الوقت الحالي، لا تتوافر مؤشرات تشير إلى تحسن الوضع في المستقبل القريب».

وفي ما يتعلق بالحلول، أشار الشملان إلى أن من الصعب على أي حكومة فردية أن تتخذ قرارات لانعاش الاقتصاد بمفردها في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية الكبرى.

واضاف: «في هذه الحالات، يتطلب الأمر تنسيقا وتعاونا بين الدول الرئيسية في الاقتصاد العالمي، مثل الصين والولايات المتحدة واليابان وألمانيا، لوضع إستراتيجية شاملة ومنسقة لإنقاذ الاقتصاد العالمي والخروج من حالة الركود».

واختتم: «هذا التعاون الدولي الوثيق والتنسيق في السياسات الاقتصادية والمالية أمر بالغ الأهمية لإنعاش الاقتصاد العالمي وتجاوز الأزمات الاقتصادية الكبرى، فلا يمكن لأي دولة أن تتحمل وحدها عبء إنقاذ الاقتصاد العالمي في ظل هذه التحديات».

نتائج سيئة

من ناحيته، اوضح المحلل والخبير في أسواق المال علي العنزي، أن الشركات تبدو قلقة من احتمال حدوث ركود اقتصادي قادم، ولذلك تلجأ إلى تسريح أعداد كبيرة من الموظفين كتدبير احترازي، وانتشار عمليات التسريح هذه من المرجح أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل ملموس، مما يعني أن الاقتصاد قد يدخل في فترة ركود قاسية وسريعة.

وأشار العنزي إلى تراجعات في مؤشرات أسواق المال بشكل كبير جداً في الجلسة الماضية، كذلك انخفضت أسعار النفط والذهب خلال تداولات يوم الجمعة الماضي، هذا التراجع الحاد في أسواق المال دفع كبار المستثمرين إلى التغطية عن طريق بيع أصول مربحة لديهم.

وأردف قائلاً: «نتيجة لذلك، عاد سعر الذهب وارتفع مرة أخرى، قبل أن يتراجع قليلاً (أمس الاثنين)، بعد سقوط الأسواق الآسيوية، مثل تايوان الذي سجل أكبر خسارة منذ 57 عاماً، وخسر نيكي الياباني %14 في منتصف التداولات، كما أن المؤشر الكوري (كوسبي) أيضًا خسر حوالي %8».

وبين العنزي أن هناك حالة من الهلع والقلق تسيطر على أسواق المال العالمية حالياً، هناك ضغط كبير من المؤشرات والبيانات الاقتصادية السلبية التي تأتي من مختلف أنحاء العالم.

واضاف: «في الجانب الجيوسياسي، هناك توترات متصاعدة في الشرق الأوسط، مثل الصراع بين إيران وكيان الاحتلال، إضافة إلى الأزمة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، هذه التوترات الجيوسياسية والعسكرية شكلت هاجساً كبيراً للاقتصاد العالمي، اجتماع هذه العوامل الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية السلبية أدى إلى ضغط هائل على الأسواق المالية، مما تسبب في خسائر فادحة، وتأتي هذه الخسائر بعد فترة من الارتفاعات السابقة».

قال البحر ان أسباب الانهيارات التي شهدتها الأسواق العالمية تعود لعدة عوامل:

1 - الخوف من حدوث ركود اقتصادي

البيانات السلبية للتوظيف والبطالة في الولايات المتحدة أثارت مخاوف من دخول الاقتصاد في مرحلة ركود.

2 - قرار «الفدرالي» بتثبيت أسعار الفائدة

القرار خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق، مما أثر سلباً عليها.

3- البيانات المخيبة للآمال للشركات الكبيرة

تراجع أداء الشركات العملاقة في آسيا أثر سلبًا على أسواق المال.

4- التأثيرات الجيوسياسية في المنطقة

التوترات والمخاوف الأمنية في بعض الدول ساهمت في زعزعة ثقة المستثمرين.

5- انهيارات الأسواق الآسيوية

انهيار اسواق اليابان والهند وغيرها، كان لها تأثير سلبي على الأسواق العالمية ككل.

تحذيرات من الاندفاع إلى الشراء

يرى سانتوش مينا، رئيس قسم الأبحاث لدى شركة «ساوستيكا إنفستمنت»، أن الأسواق العالمية تشهد أول حركة تصحيحية بعد جولة طويلة من الارتفاع، محذراً المتداولين والمستثمرين من الاندفاع إلى أسواق الأسهم نظراً لاحتمالية ظهور مستويات أفضل للشراء.

بيتكوين تخسر %14

تأثرت العملات المشفرة بنوبة نفور من المخاطرة في الأسواق العالمية، مما أدى إلى انخفاض «بيتكوين» بأكثر من %14، ومعاناة إيثريوم (ثاني أكبر عملة مشفرة حول العالم) من أشد هبوط منذ 2021.

تراجع سعر بيتكوين إلى 50900 دولار، وذلك بعد انخفاضها بنسبة %13.1 الأسبوع الماضي، ويعد ذلك أسوأ تراجع لها منذ انهيار بورصة «أف تي إكس»، كما خسرت عملة إيثريوم أكثر من خمس قيمتها قبل أن تعوض جزءاً من الانخفاض لتُتداول عند 2286 دولاراً. كما منيت معظم العملات المشفرة الكبرى بخسائر.

برنت يتداول دون 76 دولاراً للبرميل

تراجعت أسعار النفط خلال تعاملات الإثنين، لتعمق خسائرها مع اضطراب الأسواق العالمية نتيجة مخاوف تباطؤ الاقتصاد الأمريكي -أكثر الدول استهلاكاً للبترول على مستوى العالم- مما حدّ من آثار الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وانخفضت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم أكتوبر -الأكثر نشاطاً- بنسبة %1.25 أو ما يعادل 90 سنتاً إلى 75.95 دولارا للبرميل، بعدما لامست مستوى 77.74 دولارا للبرميل خلال الجلسة.

الذهب يمحو مكاسبه

تحولت أسعار الذهب للانخفاض خلال تعاملات امس، بعدما اقتربت العقود الآجلة للمعدن لأصفر من مستوى 2500 دولار للأوقية، وذلك في ظل التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق العالمية.

وتراجع سعر التسليم الفوري للمعدن الأصفر %2.36 أو 57.73 دولارا إلى 2385.51 دولارا للأوقية، وهبطت عقود الفضة تسليم سبتمبر بنسبة %5.38 إلى 26.87 دولارا.

«الفدرالي»: مستعدون للتحرك إذا ضعف الاقتصاد

أكد رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في شيكاغو أوستن جولسبي، استعداد البنك المركزي الأمريكي للتحرك مع ظهور علامات ضعف اقتصادي، قائلًا إن أسعار الفائدة الحالية «ربما أصبحت مقيدة للغاية».