اخبار الكويت
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٨ حزيران ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
شعوب دول الخليج اعتادت، مع حلول عيد الأضحى المبارك، أن تشهد مظاهر الفرح والبهجة، حيث تتجلى العادات والتقاليد المتوارثة التي تعكس تماسك النسيج الاجتماعي وعمق الروابط الأسرية.
مع حلول عيد الأضحى تشهد دول الخليج تحولاً ملحوظاً في تقاليد الاحتفال، حيث يفضل العديد من المواطنين قضاء الإجازة خارج البلاد، مما يؤثر على الطقوس التقليدية للعيد.
التحول الكبير في أسلوب الحياة، والتطور التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم، كل ذلك كان له أثر على طباع سكان الخليج، التي باتت تُغيّب في أحيان كثيرة العادات الموروثة في المناسبات المهمة، لا سيما أيام العيد.
عبر الهواتف الجوالة تُرسل الشركات السياحية وشركات الطيران برامجها الجاذبة لقضاء إجازة العيد في بلدان بمختلف القارات، مع عروض مصورة مغرية.
تلك العروض لها أثر كبير في التأثير على مزاج الآخرين ودفعهم إلى السفر ومغادرة بلدهم لأيام، وإن كانت أيام العيد، مفضلين الاستمتاع بأجواء وطقوس في بلدان أخرى.
هذا التوجه نحو السفر يؤثر على الطقوس التقليدية للعيد، مثل صلاة العيد، وزيارات الأقارب، وتبادل التهاني، وتقديم الأضاحي.
وساهم ارتفاع دخل المواطن الخليجي بشكل ملحوظ في زيادة الإنفاق على السفر والسياحة؛ حيث أصبح السفر خلال العطلات والمناسبات خياراً مفضلاً للكثيرين.
هذا الاتجاه دفع قطاع السياحة الخليجية إلى النمو السريع، مع تنوع الوجهات التي يقصدها المسافرون الخليجيون؛ وهو ما جعل المواطن الخليجي يعيش نمط حياة معاصرة يتجاوز فيها أحياناً الطقوس التقليدية.
تغيّر في نمط الاحتفال
تشير تقارير صحفية إلى أن العوائل الخليجية تُفضل قضاء العيد في وجهات سياحية مثل تركيا وجورجيا وجزر المالديف، حيث توفر هذه الأماكن أجواءً مختلفة عن الاحتفالات التقليدية.
ويذكر تقرير لـ'الخليج تايمز' أن المزيد من المسافرين يبحثون عن تجارب ثقافية وتراثية ضمن برامج رحلاتهم، مبيناً أن منطقة القوقاز تعدّ من المناطق ذات الميزانية المحدودة للسياحة التجريبية، ما يجعلها جاذبة للسياح الخليجيين في العيد.
وما تزال منطقة البلقان وأوروبا وجهة رائجة للسفر، حيث تُعدّ إسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان من بين الخيارات الأولى.
وتُعدّ دول مثل أذربيجان وجورجيا وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا من بين الخيارات المفضلة نظراً إلى خيارات التأشيرة عند الوصول والتأشيرة الإلكترونية.
ودول جنوب شرق آسيا والوجهات الأفريقية؛ مثل جنوب أفريقيا وكينيا وزنجبار، بإقبال كبير لما تقدمه من تجارب ثقافية فريدة وتجارب طهي مميزة.
تراث وعادات
في صباح العيد، يتوجهون إلى المساجد والساحات المفتوحة لأداء صلاة العيد، متزينين بأبهى الحلل، ومتعطرين بأطيب الروائح، في مشهد يجسد وحدة الصف والإيمان.
تُعد الأضحية من أبرز شعائر عيد الأضحى، حيث يقوم المسلمون بذبح الأضاحي وتوزيع لحومها على الأقارب والمحتاجين، تعبيراً عن الامتثال لأوامر الله وتعزيزاً لقيم التكافل الاجتماعي.
تُعتبر زيارة الأقارب والأصدقاء وتبادل التهاني من العادات الراسخة في دول الخليج خلال العيد، حيث تُقام الولائم وتُقدم الأطعمة التقليدية، وهو ما يعزز الروابط الأسرية ويقوي العلاقات الاجتماعية.
تُمنح العيدية، وهي مبالغ نقدية رمزية، للأطفال والنساء؛ وتُعدّ من العادات المحببة في جميع دول الخليج.
كما أن فرح الأطفال وألعابهم الشعبية وتجمعاتهم في داخل الأحياء وهم يرتدون الملابس الجديدة في العيد، من تراث العيد في الخليج.
وتمثل الأطعمة المختلفة والحلويات والمشروبات الشعبية والقهوة التي تشتهر في أيام العيد، أحد أبرز المورثات التي تسيطر على طاولات وموائد العيد.
كل هذه المظاهر تتجدد في العيد، ويبقى من أبرزها وأهمها اجتماع العوائل، وزيارات الأقارب والجيران والأصدقاء، لما له من أثر في الإبقاء على تماسك المجتمع.
الأثر الروحي والاجتماعي
ترى الباحثة الاجتماعية عائشة البلوشي أن العيد لم يعد كما كان سابقاً، حين كانت العائلات الخليجية تتجمّع في جو من المودة وصلة الرحم.
وبحسب صحيفة 'الخليج' الإماراتية تشير البلوشي إلى أن السفر بات مشهداً متكرّراً خلال أيام العيد، حتى في البيوت المعروفة بتقاليدها المتوارثة، ما أدى إلى انحسار الجلسات العائلية وتحول التهاني إلى رسائل إلكترونية مقتضبة.
تعزو البلوشي هذا التغير إلى ضغوط الحياة النفسية، والرغبة في الهروب من المجاملات الاجتماعية، إضافة إلى التأثير المتصاعد للعولمة ومواقع التواصل، التي بدّلت مفاهيم التواصل والاحتفال.
ولفتت إلى أن الخلافات العائلية، وتغير أولويات الجيل الجديد الذي يغلب عليه الطابع الفردي، ساهمت في هذا التحول، إلى جانب تحسّن الوضع الاقتصادي الذي جعل السفر أكثر سهولة.
وبرغم إقرارها بأن الترفيه ليس سلبياً بحد ذاته، تحذّر البلوشي من فقدان البُعد الروحي والاجتماعي للعيد، داعيةً إلى التوازن بين الراحة الشخصية والحفاظ على قيم الترابط الأسري.
من جانبها، تؤكد د. نورة الكربي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة الشارقة الإماراتية، أن هذا التغير جزء من تحولات أوسع فرضتها التكنولوجيا والعولمة، حيث أصبح التواصل الرقمي بديلاً عن اللقاءات الفعلية، وساهمت أنماط الحياة الحديثة في تراجع العادات الاجتماعية التقليدية.
كما ترى الكربي أن مواجهة هذا التغيير لا تكون بالإنكار، بل بتبنّي حلول واقعية تراعي تطورات العصر، مثل تنظيم لقاءات عائلية مخططة، وتشجيع الشباب على الانخراط في فعاليات العيد، وتعزيز دور كبار الأسرة في الحفاظ على الطقوس المجتمعية.
وتشدّد على أهمية إيجاد بدائل محلية تغني عن السفر وتُعيد للأعياد معناها، مؤكدة أن الحفاظ على الروابط العائلية بات يتطلب وعياً جماعياً وإرادة لإحياء ما يُهدده التآكل التدريجي.