«صحاك الشوق».. فضل شاكر يتحدّى معايير «الهيت الصيفي» بالطرب الأصيل

أمجد جمال -

عاد فضل شاكر ليواصل الحالة الفريدة، التي بدأها هذا العام، والتي عجزت الأقلام عن تفسيرها، لكن الحقيقة الواضحة أن الفنان اللبناني لا يزال رقماً صعباً في معادلة الطرب العربي، خاصة مع حالة الزخم، التي تفرضها إصداراته الجديدة، وآخرها «صحاك الشوق»، التي اعتلت ترند «يوتيوب» في البلاد العربية، بعد ساعات قليلة من إطلاقها.

النجاح لم يكن نتاج حملة دعائية ضخمة أو صخب تسويقي، بل جاء بقوة الدفع، التي أحدثتها أغنياته السابقة هذا الموسم، والتي زادت من ترقب الجمهور ليسمع المزيد من شاكر.

«صحاك الشوق» تبدو كأنها قادمة من زمن الطرب الجميل، موسيقاها رصينة، ولحنها بسيط في شكله، معقّد في أثره على المستمع، وأداء فضل فيها نموذج لما يسمى «السهل الممتنع»، هنا يقوم فضل بتصعيد النبرة الكلاسيكية للموسيقى دون أن يتخلى عن روح أغنياته السابقة: موضوعات الحب التقليدية، والأنغام السلسة، والغناء الذي يخرج من أعماق القلب، والابتعاد عن التعقيد الموسيقي أو التجديد الأجوف.

ورغم أن الأغنية بعيدة تماماً عن مقاييس «الهيتات» الصيفية، فإنها تثبت أن الفن الجيد قادر أن يعبر إلى القلوب في كل طقس وموسم.

شركة إنتاج جديدة

هذه التجربة تحمل أيضاً دلالات إنتاجية مهمة، إذ تمثل التعاون الأول بين فضل شاكر وشركة «بينش مارك» السعودية، التي وقّع معها عقداً لإنتاج وتوزيع ألبومه المقبل. خطوة استراتيجية تحمل الكثير من الثقل، كون الشركة باتت لاعباً رئيسياً في صناعة الترفيه العربي، من خلال تنظيمها لموسم الرياض، وغيره من الفعاليات الكبرى، مما يفتح أمام فضل شاكر آفاقاً أوسع للانتشار والتأثير.

فضل وجومانة.. ثنائية متوهجة

على صعيد النص واللحن، أعادت الأغنية فضل شاكر إلى الثنائية الإبداعية المتوهجة بينه وبين الشاعرة والملحنة اليمنية جومانة جمال، بعد نجاحات سابقة في «أحلى رسمة»، «وغلبني»، و«الحب وبس». الكيمياء بينهما تتجلى مجدداً.

هذه المرة، اختارت جومانة اللهجة اللبنانية لتسرد كلماتها بمعانٍ تفيض بالشوق واللهفة. البناء الشعري يعتمد على الاختزال والجرس الموسيقي الجذاب، حيث تتكون الأغنية من جمل قصيرة متقطعة، وقد أبدعت جومانة في الصورة الشعرية «وبقلبي تعا كفي نومك»، العبارة التي تعلو بإحساس المستمع لنطاق عاطفي وحميمي.

لحن من زمن «الموجي»

اللحن جاء طربياً خالصاً، حيث تتخلى جومانة عن مقام الكُرد، الذي لازم تجاربها السابقة، وتلجأ هنا إلى مقام البياتي، بطابعه الشرقي الأصيل، فهو يقوم على ربع النغمة التي تميز موسيقانا الشرقية. ويمكن الشعور بأثر لحن الموسيقار «محمد الموجي» في رائعة «عيون القلب» لنجاة، خصوصاً في جملة «انت تقول وتمشي وأنا أسهر مانامشي»، والتي لحّنها الموجي من المقام نفسه، وكأن أغنية فضل شاكر تحاور التراث الموسيقي الطربي من نقطة زمنية معاصرة.

اللحن يتصاعد بشكل محسوب في جملة الكوراس: «على شي سهرة فيها غمرة»، ليصل إلى الجواب ويتجاوزه بدرجة.

التألّق بالتخت الشرقي

التوزيع الموسيقي، الذي تولاه حسام صعبي، غاص في الكلاسيكية دون اعتذار، حيث اعتمد التخت الشرقي التقليدي: قانون، عود، كَوَلة، ووتريات متقطعة. بالكاد نسمع كوردات أو هارمونيات غربية، فقط آلات شرقية تكرر ما يغنيه شاكر في الخلفية، أو ترد عليه.

الإيقاع جاء من المقسوم القاعد (مقسوم سرعته بطيئة)، بتغليف من الرِق، ونقرات خافتة أقرب إلى الهمس، لتترك المساحة للصوت واللحن في المقدمة. الآلات الشرقية تحاورت مع صوت فضل شاكر بسلاسة: القانون يرافقه في الخط الأساسي، والعود والكولة يرددان أصداءه، بينما الوتريات تدخل في اللحظات المناسبة لتزيد التوزيع وقاراً ورونقاً.

صوت يملك شفرة القلوب

اختيار فضل للغناء من درجة «مي بيمول» كان حكيماً، إذ منحه سيطرة محكمة على التصاعد اللحني في الجملة الأصعب «على شي سهرة...»، حيث يقفز من القرار ويتجاوز حدود الجواب من دون أن يخل بتوازن صوته أو يضحّي بجمال نبرته.

في بقية الأغنية، واصل فضل أداءه المميز، الذي يجمع بين العاطفة والطرب، وإمعاناً في الحالة الطربية نسمع آهات وتمتمات فضل في الفواصل، بنبرة فيها خروج على النص، تضفي حالة طبيعية على الأداء، وكأننا نسمع هذه الأغنية بصوت حيّ في حفل جماهيري، وليس تسجيلاً.

قدم فضل شاكر أداء فيه خشوع العاشق وسحر الفنان، الذي يملك الشفرة لهزّ القلوب كلما اهتزت أحباله الصوتية. باختصار، «صحاك الشوق» أغنية استطاعت أن توقظ شوق المستمعين للطرب البحت.