اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٣٠ أيار ٢٠٢٥
وليد منصور -
يشهد نمو الطلب العالمي على النفط تباطؤاً ملحوظاً، في ابتعاد واضح عن المتوسط التاريخي، الذي بلغ 1.2 مليون برميل يومياً على مدار العقود الماضية. ويعزو الخبراء هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها تباطؤ النمو الاقتصادي، خاصة في آسيا، والتحول المتزايد في سياسات الطاقة نحو مصادر أكثر استدامة، إلى جانب التوترات التجارية وفرض الرسوم الجمركية.
وقال تقرير حديث على «أويل برايس» إنه على مدى قرن تقريباً، كان نمو الطلب على النفط بمنزلة حقيقة شبه ثابتة، مدفوعاً بالتصنيع في الصين والازدهار السكاني في الأسواق الناشئة. وحتى في فترات الأزمات، مثل الركود العالمي عام 2008 وجائحة كورونا، حافظت أسواق النفط على اتجاهها الصعودي على المدى الطويل.
لكن التوقعات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية EIA تشير إلى دخول العالم مرحلة جديدة من النمو البطيء في استهلاك النفط، مع توقعات بألا يتجاوز النمو مليون برميل يومياً في عامي 2025 و2026، وهو ما يمثل تراجعاً ملحوظاً عن المعدلات السابقة.
النمو الاقتصادي
يتوقع صندوق النقد الدولي IMF أن يبلغ النمو العالمي %2.8 فقط في عامي 2025 و2026، في ظل بيئة اقتصادية تتسم بتشديد السياسات الائتمانية، وتزايد الحمائية التجارية، وتباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى، لا سيما في آسيا التي كانت تاريخياً المحرك الرئيسي لنمو الطلب على النفط.
في الصين، لا تزال أزمة قطاع العقارات تلقي بظلالها على الطلب الصناعي على مشتقات النفط، بينما تشهد الهند تباطؤاً نسبياً في نمو الطلب نتيجة التحول الإستراتيجي نحو الطاقة المتجددة كالشمسية والرياح، مما يقلص تدريجياً من الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للطاقة.
سلاسل الإمداد
وأدت تداعيات جائحة كورونا إلى إعادة هيكلة سلاسل الإمداد، مما قلّل من حجم الشحنات عبر المحيطات، وبالتالي تراجع الطلب على وقود السفن. ومع قلة الحركة التجارية، تراجع أيضاً الطلب على النقل البري والجوي، وهو ما انعكس سلباً على استهلاك المشتقات النفطية
الرسوم الجمركية
جولة جديدة من الرسوم الجمركية، التي فرضتها الولايات المتحدة في أبريل 2025، وردود الفعل المقابلة من شركائها التجاريين، خلقت حالة من عدم اليقين في الأسواق. وتشير البيانات الأولية إلى انخفاض ملموس في حركة الشحن من الموانئ الآسيوية الكبرى، مما يضغط أكثر على نشاط الصناعات المرتبطة بالطاقة.
معادلة صعبة
وبالنسبة لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، يشكل التباطؤ في الطلب تحدياً لإدارة الإنتاج، بما يحافظ على الأسعار. وإذا استمر العرض في الارتفاع دون توافر طلب موازٍ، فإن الأسعار ستتراجع حتماً. وفي هذا السياق، قد تضطر منظمة أوبك+ إلى إعادة النظر في سياسة خفض الإنتاج مجدداً.
أما المصافي، وخاصة تلك التي تعتمد على الأسواق الآسيوية، فقد تواجه ضغوطاً على هوامش الربحية، إذا بقيت معدلات التكرير مرتفعة دون زيادة مقابلة في الطلب على المنتجات النهائية.
التحدي والفرصة
أفاد التقرير بأنه برغم التباطؤ، لا يُنظر إلى الوضع على أنه كارثي. فشركات الطاقة التي نجحت في تنويع استثماراتها نحو الغاز الطبيعي أو الكيماويات أو الطاقة المتجددة، تبدو في موقع أفضل للتكيف.
وبالنسبة للمستثمرين، لم تعد الأرباح والإيرادات وحدها كافية لقياس الأداء، بل أصبح من الضروري تقييم الرؤية الإستراتيجية للشركات وقدرتها على التكيف مع التحولات.
بداية عصر التوازن
رغم أن النفط سيظل مكوناً أساسياً في قطاعات، كالشحن والطيران والبتروكيماويات، فإن العصر الذي كان فيه نمو الطلب شبه مضمون، ربما يكون قد ولى. في المقابل، يدخل السوق مرحلة جديدة تتسم بالتوازن والديناميكية، حيث تحتل الكفاءة والابتكار والمرونة مكانة أكبر من مجرد الحجم. وقد تكون هذه المرحلة بمنزلة بداية لتحول عالمي نحو نظام طاقة أكثر استدامة وتنوعاً وقدرة على الصمود.