اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تلبية لدعوة تلقتها «الجريدة» من وزارة الخارجية الروسية لتبادل وجهات النظر مع الإعلاميين العرب ومتابعة القمة العربية– الروسية الأولى، التي كانت مقررة في موسكو، كانت المشاركة في زيارة روسيا مناسبة لجولات غاصت في ماضي تلك البلاد وحاضرها.
رغم أن القمة لم تُعقد، فإن الفعاليات التي ظلَّت قائمة– من لقاءات، وجولات تعريفية، وزيارات مؤسساتية– كشفت عن أبعاد ربما لم ترها العين الخارجية من قبل.
فعندما تطأ قدم الزائر أرض موسكو، يُدرك فوراً أن الدولة أرادت أن تُبيِّن للعالم أنها أكثر من سياسة وجغرافيا، بل هي تجربة حضارية متكاملة، تجمع بين التاريخ العريق والنمو الحديث.
أمن وأمان
منذ لحظة وصولنا بالقطار الى محطة قازانسكي، التي وصلناها من قازان، عاصمة تتارستان، أبرز ما جال بخاطري هو شعور الأمان.
تتمتع العاصمة الروسية ببنية تحتية متطورة، وشبكة مواصلات تُعد من الأفضل في العالم، وكذلك تعتبر من أبرز مدن العالم من حيث النظافة والتنظيم، كما تُعد آمنة بشكلٍ عام للزوار الأجانب، فمعدَّل الجريمة منخفض.
موسكو، المدينة التي لا تتوقف، في ساعات الصباح والمساء، يختلط فيها الزائر والمُقيم المحلي، المرأة والطفل، العائلة والشاب، من دون خشية، وبكل أمن وأمان.
وجود الشرطة أو أطقم الأمن ظاهرياً هادئ، لكن النظام ظاهر: إشارات المرور، وجودة الإنارة، والمراقبة في المرافق العامة والمواصلات، كُلها عوامل تُسهم في شعور بالثقة.
في موسكو، يمكنك السفر عبر العصور بمجرَّد المشي في الشوارع، حيث تنتظرك أنماط معمارية متنوعة عند كل منعطف.جمال تحت الأرض
لابد من الحديث عن مترو موسكو، ليس فقط كوسيلة نقل، بل كمتحفٍ فني تحت الأرض.
الرحلة في مترو موسكو تُعطيك انطباعاً لا يُنسى عن المدينة، فهو ليس فقط للتنقل السريع والبسيط التكلفة (سعر التذكرة أقل من 300 فلس) داخل المدينة المترامية الأرجاء، بل شبكة أنفاق بسحرٍ خاص.
يكشف مترو أنفاق موسكو المراهنة على سيرورة التاريخ، فهو متحف الفن والبراعة التكنولوجية للقرنين العشرين والواحد والعشرين.
هنا تزاوج العصر الحديث والتاريخ بشكلٍ رائع. فتفاصيل المحطة تضج بالهندسة المعمارية التي تعكس ترف المخيلة.
فأعمدة محطة الانتظار الرخامية وقُبتها الصفراء، وجدارياتها الفسيفسائية، وثرياتها اللوحات التي تجتاح جدرانها، تمنح الناس المنتظرين في حضنها الإحساس بأنهم يجولون في أحد القصور الباروكية لعهد القياصرة... كل محطة تحكي قصة، وتجمع بين الفن والوظيفة.
بنى تحتية وخدمات
خلال إقامتي، التي دامت أربعة أيام في موسكو، لاحظت أن الخدمة الفندقية لا تقل روعة عن نظيراتها في عواصم أوروبية أو آسيوية.
فالنظافة متوافرة في الغُرف، والممرات، والمصاعد، وفي المطاعم الداخلية، وحتى في النادي الرياضي والمسبح الدافئ.
التدفئة والكهرباء والمياه الساخنة متوافرة باستمرارـ فلا انقطاع، ولا عُطل طارئ يُذكَر.
أما فيما يتعلَّق باللغات، فتواجد معنا موظفون شباب يجيدون العربية، خصوصاً في الفنادق الكبيرة، أو التي تستقبل زواراً أجانب.
ورغم العقوبات التي تتعرَّض لها عموم البلاد، فإن الإنترنت وخدمات الهواتف والاتصال كانت دائماً مُتاحة بسرعةٍ جيدة، ما يسهِّل التغطية الصحافية والتواصل الفوري. ثقافة وفنون
تحتضن مدينة موسكو الثقافة في كل زاوية، حيث قُمنا بزيارة بعض المتاحف الكبيرة، مثل: متحف الفن الروسي، ومعارض الفنون المعاصرة. ولفت انتباهي كيف تجمع المتاحف بين عرض الإرث التاريخي والرؤية المُعاصرة، وتُتيح للزائر رؤية تطوُّر الفن الروسي من الأيقونات التقليدية إلى التجريب المعاصر.
ولا يمكن زيارة موسكو من دون الوقوف أمام «الكرملين»، والساحة الحمراء، وكنيسة سانت باسيل، وكنيسة المسيح المخلّص. كل منها ليس مجرَّد مبنى، بل رمز، كل منها يحكي قصة: من الإمبراطورية القيصرية، إلى الحقبة السوفياتية، وحتى موسكو اليوم.
العروض المسرحية والباليه لا تتوقف في مسارح العاصمة الروسية الكبرى، حيث الموسيقى والأداء والبذخ في التصميم والديكور.
جولتنا تضمَّنت زيارة في المعرض التفاعلي «رحلة عبر روسيا»، وهي عبارة عن جولة افتراضية من فلاديفوستوك إلى كالينينغراد، حيث استعرضنا خصائص كل منطقة من خلال تجربة تفاعلية.
وكُنا محظوظين بالمشاركة في عرضٍ فني للخيل بمركز التقاليد الوطنية للفروسية في مركز المعارض الروسي، حيث استمتعنا بعرضٍ لا يمكن وصفه من شدّة روعته، وتعرَّفنا على عدد كبير من سلالات الخيول.
الطبيعة والحدائق
من المفاجآت السارَّة أن موسكو ليست فقط حديداً وزجاجاً وأبراجاً. هناك الطبيعة– الغابات، والحدائق، والمياه، والضوء– تسرق الأنفاس.
فحديقة زاريا دي قُرب الساحة الحمراء، مثال حي على كيفية المزج بين التصميم الحضري الحديث والعناصر الطبيعية. تضم الحديقة مناطق من الغابة، التندرا، الأراضي العشبية، وغالباً ما تُستخدم لإقامة فعاليات موسيقية وثقافية.
وحديقة غوركي، متنزه مركزي يطل على نهر موسكفا، يُتيح للناس الخروج للمشي، والتجديف في الصيف، التزلج في الشتاء، الجلوس على المقاعد، قراءة كتاب أو مجرَّد مشاهدة الحياة اليومية تمرُّ من أمامك.
غابات ومتنزهات، مثل «اليزمايلوفو»، حيث الطبيعة تمتد ومناطق الترفيه العائلي، مع ملاعب، ومسارات للمشي، واسترخاء، ويوماً يمكن أن يمرَّ دون أن تشعر أنك في عاصمة مزدهرة، بل كأنك في منتجع قريب من الطبيعة.
ولا يمكن أن تزور موسكو من دون القيام بجولة مسائية نهرية على متن يخت من أسطول «راديسون رويال» مع عشاء، وتمتيع نظرك بكل المعالم التاريخية والحديثة الواقعة على ضفتَي نهر موسكفا.
سياحة وتسوق
إلى جانب المعالم، فموسكو سوق نابضة بالحياة، حيث تجد مجمَّعات تسوُّق عملاقة، تعرض الماركات العالمية والمحلية، والمأكولات المتعددة، والمقاهي التي تعبق بأجواء دولية.
فشارع أربات هو أحد الشوارع التي تجمع بين المتاجر الصغيرة، والمقاهي، والفنون الشعبية، والموسيقيين الجائلين– تجربة المشي فيه تُضفي على الرحلة روحاً إنسانية وثقافية.
والأسواق التي تبيع الحِرف الروسية، والهدايا التذكارية، والماتريوشكا، والإكسسوارات التي تحمل طابعاً روسياً، حيث يجد الزائر محطات فريدة يلتقط فيها صورة، يشتري ذكرى، ويلمس الثقافة.
وجه الحداثة
موسكو ليست فقط تاريخاً وفناً وحدائق، بل هي أيضاً مركز صناعي وتكنولوجي، وعلى مستويات متقدمة.
فقد لاحظتُ اهتماماً كبيراً من الحكومة والمؤسسات البحثية بالتطوير، سواء في الصناعة التقليدية، أو ما يُعرف بالتكنولوجيا العالية.
ففي مجال الصحة، ضمن جولتنا، تم استعراض كيف أن المستشفيات والمراكز الطبية مجهزة تجهيزاً جيداً، مع عناية متجددة بالتقنيات الحديثة. ورغم التحديات العالمية التي تواجهها روسيا (عقوبات، ضغوط اقتصادية)، فإنها حافظت على مستويات مرتفعة من الخدمة.
الناس والتفاعل المحلي
من أكثر ما أسعدني، هو رؤية شابات وشباب روس في العشرينيات من عُمرهم يجيدون اللغة العربية بطلاقة، مشاركين في استضافة الزائر العربي، يتحدثون بثقة، ويسعون لتبادل المعرفة، والتعرُّف على الثقافات.
وكذلك، الاتجاه الواضح لدى كثير من الناس للمساعدة، سواء للإجابة عن سؤال، أو توجيه الطريق، أو الابتسامة عند لقاء مصادفة.
وفي الفنادق والمطاعم والمولات، تجد موظفين مدرَّبين للتعامل مع ثقافات مختلفة، مع احترام للمعتقدات، وهذا يظهر أيضاً في توافر خيارات طعام متنوعة، بعضها يلبِّي المتطلبات الإسلامية، إن رغب الزائر في ذلك.
تجربة الزائر العربي
الكمُّ الذي رأيته من الزوار الكويتيين والسعوديين والعُمانيين في الأسواق والمجمعات، ومن حول المعالم، يدل على أن موسكو أصبحت وِجهة مثيرة لهم، ليس فقط للتسوُّق أو السياحة، بل لاستكشاف ثقافة جديدة، للتنشئة بالذات.
تفاعلهم بالفرح عندما يكتشفون أن الخدمة محترفة، اللغة تُسهِّل، الطعام متنوُّع، الأمن موجود، وهذا كُله يُرخي من عبء الخوف أو التردُّد الذي قد يأتي مع فكرة السفر إلى بلدٍ بعيد.
موسكو وفصولها
الزيارة الأولى لموسكو تجعلها مدينة تستحق الزيارة مرَّة بعد مرَّة، فموسكو تتغيَّر مع الفصول، حيث في الصيف؛ الأنهار، والقوارب، والهواء المُنعش في الحدائق، والمقاهي بالهواء الطَّلق.
وفي الخريف، بالوقت الذي زُرنا فيه موسكو، سوف تستمتع بالألوان الذهبية للأشجار، بضوء المساء الطويل، والأجواء الأدبية التي تُسرُّ القلب.
وبينما في الشتاء، الثلوج تغطي الشوارع والمباني، والزينة، والأسواق الشتوية، فإنك ستجد في الربيع، الزهور، البدايات، الموسيقيات في الهواء الطَّلق... فموسكو حين تزهر تنبض بالحياة بطريقة مختلفة.
وبعد غروب الشمس، موسكو تلتمع: الأبراج، الإضاءة في المعالم، الفوانيس بالميادين، الإضاءة الخافتة في الملاعب، كل ذلك يُكمل الصورة... أن المدينة لا تنام، بل تستمر في إبراز جمالها حتى في الليل.
التطوير المعماري
موسكو اليوم تقف بين جسرين: التاريخ والحداثة. الأبراج الزجاجية العالية، المجمعات التجارية الحديثة، المولات، المرافق الرياضية والترفيهية التي تُنفَّذ بمعايير عالية التصميم.
أما من الناحية المعمارية، فهناك مبانٍ حديثة تُراعي الاستدامة، والواجهات الزجاجية، والمزيج بين الخرسانة والزجاج والفن.
ولا ننسَ أن الجمهور الزائر يُحب أن يأخذ معه جزءاً من الذكرى: تذكاراً، وفناً محلياً. الأسواق التقليدية متوافرة، وكذلك محلات الأنتيكات، والحِرف اليدوية، والمنتجات الجلدية، والملابس الروسية التقليدية.
في نهاية الزيارة، تأكدتُ من أن موسكو أكثر من مجرَّد عاصمة سياسية. هي مدينة «تعيش في التفاصيل».
الأمن، النظافة، التنظيم، المرافق العامة، الحياة الثقافية، الناس الودودون– كل ذلك يجعل موسكو وجهة تستحق التفكر، لا مجرَّد المرور.
توصيات للزائر
لكي يستفيد الزائر الكويتي من زيارته لموسكو، أود أن أشير إلى بعض النصائح التي قد تجعل الرحلة أكثر راحة واستمتاعاً، ألخصها فيما يلي:
• عدم أخذ أي بطاقة مصرفية (Visa وMasterCard)، فهي غير مقبولة في روسيا. لذلك يُنصَح بحمل مبلغٍ نقدي من الروبل الروسي. ويُفضَّل إحضار اليورو أو الدولار الأميركي لتبديلهما إلى الروبل، إذ يسهل صرفهما بالمصارف، وفي أي مكان، والأفضل تبديلهما لحظة الوصول إلى المطار.
• تحميل التطبيقات الأساسية على الهاتف الذكي:
• Yandex Go (خدمات التاكسي والتوصيل).
• Yandex Maps أو 2GIS (خرائط).
• Yandex Translate (للترجمة).
• تطبيق VPN الخاص بكم.
• بطارية محمولة (Power Bank).
• محولات كهربائية.
• أخذ حالة الطقس بعين الاعتبار عند اختيار الملابس والأحذية، تحديداً في فصل الشتاء.
• حجز فندق مركزي لتقليل وقت التنقل. فالإقامة مثلاً قُرب الساحة الحمراء أو الميادين والشوارع الحيوية تُضفي سهولة على التنقل.
• استخدم المترو، فهو سريع، ونظيف، وجميل، ورخيص مقارنة بالتاكسي.
• تعلم بعض العبارات الروسية الأساسية أو وجود ترجمة، حتى لو كان الكثير يتكلمون الإنكليزية، فعبارات السَّلام والشكر بالروسية تُكسب احتراماً وتفتح أبواباً.
• تحقَّق من خيارات الطَّعام الحلال مسبقاً.
جمال تحت الأرض
ثقافة وفنون


































