مؤشرات تفتح الطريق أمام الدولة الفلسطينية

في المقال السابق، شدّدنا على أهمية استثمار الزخم الدولي غير المسبوق، وعدم إضاعة فرصة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. واليوم، يبرز حدثان متوازيان يزيدان من قيمة هذه اللحظة التاريخية: البيان العربي – الإسلامي المشترك من جهة، وموافقة حركة حماس على خطة الرئيس الأمريكي لوقف الحرب في غزة من جهة أخرى.

هذا التطور اللافت لا يقتصر على كونه مدخلاً لإنهاء الحرب الدامية في القطاع، بل يفتح الباب أمام إعادة إطلاق مسار سياسي جاد، تكون أولويته إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حلّ الدولتين.

البيان الذي صدر عن وزراء خارجية ثماني دول عربية وإسلامية (تركيا، باكستان، السعودية، قطر، الإمارات، مصر، إندونيسيا، والأردن)، لم يكتفِ بإعادة التأكيد على الحقوق الفلسطينية، بل رحّب أيضاً بالجهود الأمريكية لإنهاء الحرب، مما يعكس رغبة صريحة في تحويل المعاناة إلى فرصة سياسية.

أهمية هذا البيان أنه صادر عن دول مركزية وفاعلة، لكل منها ثقلها الاستراتيجي: السعودية بما تمثله من ثقل ديني واقتصادي، مصر بدورها التاريخي، تركيا وباكستان كقوتين إقليميتين، الإمارات وقطر بنشاطهما الدبلوماسي، إندونيسيا كأكبر دولة إسلامية، والأردن بدوره التاريخي في رعاية المقدسات.

الأهم أنّ هذا البيان يتقاطع مع الموقف الأوروبي، وخصوصاً مع تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية، التي أكدت أنّ الحل الواقعي الوحيد هو حلّ الدولتين.

هذا التلاقي بين الإرادة العربية – الإسلامية والموقف الأوروبي، ومعه المبادرة الأمريكية، يضع القضية الفلسطينية في صلب الاهتمام الدولي كما لم يحصل منذ عقود.

إلى جانب ذلك، فإنّ موافقة حركة حماس على خطة ترامب لوقف الحرب، تشكّل تطوراً نوعياً غير مسبوق. فهذه الموافقة تسحب الذرائع، التي طالما استُخدمت لتعطيل أي مسار سياسي، وتفتح الطريق أمام توافق فلسطيني – عربي – إسلامي يمكن البناء عليه.

هنا، تبرز مسؤولية مضاعفة على عاتق العرب والمسلمين، وعلى الفصائل الفلسطينية تحديداً، في استثمار هذه اللحظة التاريخية وتكثيف الجهود الدبلوماسية والسياسية للضغط باتجاه ترجمة هذا التوافق إلى واقع ملموس.

التاريخ يعلّمنا أنّ الفرص الضائعة لا تعود، وأن التشتت والتردد كانا السبب وراء خسارة محطات مفصلية سابقة. اليوم، ومع وضوح البيان العربي – الإسلامي، وتلاقيه مع الموقف الأوروبي، ومبادرة واشنطن، وموافقة «حماس» على وقف الحرب، يمكن القول إنّ الظروف الإقليمية والدولية أصبحت ناضجة أكثر من أي وقت مضى لتجسيد الحلم الفلسطيني.

إمّا أن يُحسن العرب والمسلمون استثمار هذه اللحظة بحكمة وجرأة، أو سنجد أنفسنا أمام فرصة تاريخية جديدة تضاف إلى سجلّ الفرص الضائعة، وهو ما لن يغفره التاريخ للأمة ولا الأجيال المقبلة.

وليد الخبيزي