اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
وليد منصور -
يرى محللون وخبراء في الطاقة أن امتناع إيران وكيان الاحتلال عن استهداف إمدادات النفط، خلال النزاع الأخير الذي دام 12 يومًا، وما تبعه من تراجع سريع في الأسعار، بعد الرد المحدود لطهران على قصف منشآتها النووية، قد يشير إلى بداية عصر جديد تتقلص فيه المخاطر الجيوسياسية، التي تهدد سوق الطاقة العالمية، وذلك بحسب ما ذكره تقرير صادر عن وكالة ستاندرد آند بورز غلوبل.
وقال دانيال ستيرنوف، رئيس خدمة الإحاطة التنفيذية في «إنرجي أسبكتس»، خلال ندوة نظمها معهد السياسة العالمية ومركز سياسة الطاقة العالمي بجامعة كولومبيا: «يخلص العديد من المتعاملين إلى أن طريقة تسعير المخاطر الجيوسياسية في السوق ستتغير مستقبلاً».
وأوضح أن المخاوف التقليدية لطالما تمثلت في توجيه ضربات أحادية إلى البرنامج النووي الإيراني، أو إغلاق مضيق هرمز، لكنه أضاف: «لو قضيت الأسبوعين الماضيين داخل ملجأ محصّن، لظننت أن شيئًا لم يحدث. لقد خرجنا من أزمة بهذا الحجم من دون أي تعطيل فعلي للإمدادات، مما يكشف عن وجود محرمات جديدة حول التأثير على تدفق النفط العالمي».
اختفاء علاوة المخاطر
وفق بيانات «ستاندرد آند بورز غلوبل»، سجّل خام «برنت» المؤرخ في مطلع يونيو سعر 63.83 دولارًا للبرميل، ثم قفز إلى 80.43 دولارًا في 19 يونيو، بعد شنّ كيان الاحتلال هجمات على منشآت نووية وعسكرية إيرانية. ومع تزايد مخاوف ردّ إيراني، ارتفعت التوقعات بتهديد مرور نحو 20 مليون برميل يوميًا عبر مضيق هرمز، مما عزز توجهات السوق الصعودية.
لكن ردّ إيران اقتصر على هجوم صاروخي رمزي، استهدف قواعد أمريكية في 23 يونيو، مما أدى إلى تراجع الأسعار بشكل حاد. فقد انخفض خام غرب تكساس لعقود أغسطس بـ5.33 دولارات ليستقر عند 68.51 دولارًا، وتراجع خام «برنت» بـ5.53 دولارات إلى 71.48 دولارًا للبرميل.
وقال جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة بجامعة كولومبيا: «لقد شهدنا ما يُعتبر أكبر خطر جيوسياسي محتمل لسوق النفط. نعم، ارتفعت الأسعار، لكن لم نرها تصل إلى 120 أو 150 دولارًا للبرميل».
وبحسب تقرير صادر عن «غولدمان ساكس»، انخفضت علاوة المخاطر الجيوسياسية في أسعار خام برنت من 15 دولارًا إلى دولار واحد فقط.
العرض والطلب
وأكد تقرير «ستاندرد آند بورز غلوبل»، حول آفاق سوق النفط الخام على المدى القصير، الصادر في 26 يونيو، أن إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار في 23 يونيو، ساهم في عودة السوق نحو أساسيات العرض والطلب، لا سيما في ظل نمو الطلب المتواضع، وارتفاع المخزونات، وزيادة إمدادات «أوبك+».
وجاء في التقرير: «رغم أن الحرب ووقف إطلاق النار الهش أدخلا بعض الغموض إلى السوق، فإن رؤيتنا الجوهرية لا تزال قائمة: نتوقع أن يتجاوز العرض العالمي من الخام الطلب خلال النصف الثاني من عام 2025 بواقع 1.2 مليون برميل يوميًا».
وأشارت «ستاندرد آند بورز غلوبل» إلى أن ترابط سوق النفط العالمية كان أحد الأسباب، التي دفعت إيران – التي تصدر نحو 1.5 مليون برميل يوميًا – إلى تجنب التصعيد، إذ إن أي إغلاق للمضيق كان سيؤدي إلى أضرار اقتصادية كبيرة لطهران.
ووفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، التي أوردتها S&P Global، فإن %89 من صادرات إيران النفطية ذهبت إلى الصين في عام 2023، كما أن نحو نصف واردات الصين البحرية من الخام مرت عبر مضيق هرمز في 2024، بحسب بيانات شحن «ستاندرد آند بورز غلوبل».
وأضاف بوردوف: «في السبعينيات، كان بالإمكان فرض حظر نفطي لأن التجارة كانت تتم بعقود طويلة الأجل. أما اليوم، فالسوق مترابطة بشدة، وأي محاولة لاستخدام النفط كسلاح سترتد على مستخدمها، وحلفائه، وموظفيه، وربما خصومه أيضًا».
وأكد ستيرنوف أن المنطق ذاته منع كيان الاحتلال من استهداف منشآت تصدير النفط الإيرانية، قائلاً: «رغم أن لذلك فوائد إستراتيجية كبيرة لتل أبيب، فإنه كان سيجعل العالم بأسره يحمّلها مسؤولية ارتفاع الأسعار إلى أرقام ثلاثية».
العواقب لم تنتهِ
رغم صمود وقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة، حذّر تقرير ستاندرد آند بورز غلوبل من أن أي انتهاك قد يشعل جولة جديدة من النزاع. وقال جون فاينر، الزميل في مركز سياسة الطاقة بجامعة كولومبيا والمستشار السابق لمجلس الأمن القومي الأمريكي، إن إيران قد تواصل أو تسرّع برنامجها النووي سرًا، مما قد يدفع قوى إقليمية إلى السعي لتطوير برامج نووية بدورها.
كما أشار إلى أن التغييرات غير المتوقعة في النظام السياسي داخل إيران قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في سياستها الخارجية، ما يفتح الباب أمام تدخل أمريكي محتمل.
واختتم ستيرنوف تصريحه بالقول: «لقد أصبح من الواضح أن التأثير على تدفقات النفط بات أمرًا سامًّا تتفاداه الأسواق، وربما يؤدي ذلك إلى تقليل تقديرات المخاطر الجيوسياسية مستقبلاً. لكن، ولحدوث تغير فعلي في الأسعار، لا بد من حدوث تعطيل فعلي للإمدادات».