اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تقوم أسواق الأموال على ركيزتين أساسيتين ألا وهما الكفاءة والشفافية، إذ ترتبط كفاءة السوق بقدرته على عكس المعلومات المتاحة (المالية والجوهرية) على أسعار الأسهم بصورة فورية ودقيقة، الأمر الذي يضمن عدالة التسعير ويحد من فرص الاستغلال أو تحقيق أرباح غير مبررة، أما الشفافية فتتمثل في التزام الشركات المدرجة في البورصة والجهات ذات الصلة الإفصاح الواضح والمستمر عن المعلومات والبيانات المؤثرة في قيمة الأسهم، بما يعزز قدرة المستثمرين على اتخاذ قرارات واعية صحيحة، وعليه فان غياب الشفافية يؤدي بطبيعته إلى تراجع كفاءة السوق، ويفتح المجال أمام الممارسات المضرة مثل الاشاعات والتضليل والتلاعب بالأسعار، بينما يسهم تعزيز الشفافية في رفع مستوى الثقة، وجذب الاستثمار المؤسسي، وترسيخ بيئة تداول عادلة مستقرة.
وعليه نجد أن المشرع الكويتي أكد على أهمية الكفاءة والشفافية في المقام الأول في القانون رقم 7 لسنة 2010 الخاص بإنشاء هيئة أسواق المال، وجرّم صراحةً عمليات «التلاعب بالأسهم» في المادة رقم 122 من القانون السابق، حيث قد تصل العقوبة بشأنها إلى الحبس مدة خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز 100 ألف دينار، هذا وقد أفردت الهيئة في ذلك كتابا خاصا وأطلقت عليه اسم «سلوكيات السوق»، حيث فصلت بكل دقة الممارسات التي من شأنها أن تشكل جريمة التلاعب.
وبناءً على إيضاح مفهومي الكفاءة والشفافية، يمكن تبيان ماهية عمليات التلاعب، حيث إنها الممارسات التي تهدف إلى خلق سعر وهمي أو غير حقيقي لسهم ما، أي سعر غير مرتبط أو لا يعكس المعلومات الخاصة بالسهم، وذلك من خلال القيام ببعض الممارسات المضللة التي تؤثر في قرار المتداولين في السوق، حيث يلجأ المتلاعبون لبعض الأفعال التي من شأنها خلق مظهر زائف لسهم ما، وذلك لتحقيق فائدة او منفعة لهم في نهاية المطاف، فقد يلجأ بعض المتداولين او مديري المحافظ لمثل هذه الممارسات سعياً للربح السريع على حساب الغير، ويمكن تبسيط صور التلاعب كالتالي:
-1 التداولات الوهمية: وهي قيام أطراف متفقين مسبقاً بتنفيذ تداولات لا يقصد منها نقل الملكية فعلاً، بل خلق مظهر زائف، أي اظهار نشاط غير حقيقي في السهم لجذب المتداولين الآخرين أو دفع السهم باتجاه معين.
-2 خفض سعر السهم لغرض شرائه بسعر أقل من سعر السوق: ففي هذه الصورة يتم الضغط على سعر السوق وذلك لخلق سعر وهمي، ويكون أقل من الحقيقي، بهدف خلق انطباع بوجود بيع لدفع المستثمرين للبيع مما يؤدي الى هبوط سعر السهم، او بعبارة ادق خلق سعر حقيقي منخفض حتى يتمكن المتلاعب من تجميع كميات كبيرة من السهم، ففي هذه الصورة أيضا يمكن للمتلاعب حث غيره من المتداولين على بيع السهم بناء على إشاعة قد يتم اطلاقها مع هذا النوع من التلاعب بالتزامن مع عملية الضغط على السهم لخفضه.
-3 رفع سعر السهم لغرض بيعه بسعر أعلى من سعر السوق: فهو عكس الصورة السابقة، فهنا يرفع المتلاعب سعر السهم من خلال التداول المتفق المسبق، وذلك بهدف خلق انطباع بوجود طلب قوي على السهم مما يؤدي الى ارتفاع سعره، إلى أن يصل السهم إلى السعر المرجو ومن ثم يبيعه.
-4 تثبيت سعر السهم: في هذه العملية يتم التحكم في سعر السهم من قبل المتلاعبين من خلاله تثبيته، وبعبارة أدق خلق سعر غير حقيقي وهو السعر المثبّت غير المعبر عن العرض والطلب أو غير المرتبط بالمعلومات المتاحة للسهم، وإنما سعر وهمي نتيجة لعمليات السيطرة على السهم.
-5 أوامر وهمية لحث المتداولين على الشراء أو البيع: ففي هذه الصورة يلجأ المتلاعبون إلى خلق إيحاء زائف للمتداولين حول سهم معين من خلال إدخال أوامر بيع أو شراء وهمية، أي ليس بغرض التداول فعلاً وانما لإيهام الغير بكثرة الطلب أو العرض وحثهم على التداول.
-6 الإقفالات الأخيرة: وفي هذه الصورة يحرص المتلاعبون على اقفال السهم يومياً بسعر مرتفع وقد يكون ذلك لاسباب عدة ولعل اهمها التأثير في المؤشر او التأثير في سعر الافتتاح في يوم التداول المقبل.
-7الإشاعات: يمكن القول انه من الصعب تحقق أية صورة من صور التلاعب السابقة إلا إذا كانت مقرونة بإشاعة او أخبار غير دقيقة عن أداء الشركات أو مستقبلها المالي.
تكمن خطورة هذه الممارسات في أنها لا تؤثر في سعر سهم معين فحسب، بل تمتد آثارها إلى خسارة المتداولين مقابل استفادة المضللين، وتشويه عدالة التسعير وبالتالي هدم ثقة المستثمرين بالسوق، وغيرها من الاثار الاقتصادية السلبية، وهذا ما دفع المشرعين الى تجريم تلك العمليات لما تشكل من تهديد لاستقرار الاسواق وتعطيل دورهم الاقتصادي في الدولة، وبالمقارنة مع الاسواق العالمية في هذا التقنين، نجد أنه قد تم حظر عمليات التلاعب في القانون الأمريكي منذ الثلاثينيات من القرن الماضي على إثر الكساد العالمي، ومنذ الثمانينيات في القانون الإنكليزي، وعند بداية الألفينيات في توجيهات الاتحاد الأوروبي، وهذا يعطي بعداً تاريخياً لقدم إدراك الحاجة لمنع مثل هذه العمليات.
ختاماً، فإن الوصول إلى سوق متكافئ وشفاف لا يتحقق بالتشريعات فحسب، بل بترسيخ ثقافة استثمارية واعية لدى المتداولين، وتعزيز الرقابة المؤسسية القادرة على كشف ممارسات التضليل وايقافها في وقت مبكر، فالسوق العادل لا يقوم على القوانين وحدها، بل على ثقة المستثمرين بأن الأسعار تعكس واقع الشركات، وأن التداول يتم في بيئة نظيفة خالية من الاشاعات والتلاعب، ومن هنا تبرز أهمية التوعية المستمرة، ودور الإعلام الاقتصادي، وأهمية التزام الشركات الإفصاح والحوكمة لضمان استدامة الثقة في أسواق المال.
د.فاطمة عبدالله الشريعان


































