اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٩ حزيران ٢٠٢٥
وليد منصور -
أصبح التفكير الريادي ضرورة في زمن تتسارع فيه التطورات الجيوسياسية والتكنولوجية، وهو ما يعيد تشكيل محركات النمو الاقتصادي العالمي. وبفضل موقعها الإستراتيجي، وتركيبتها السكانية الشابة، وسياساتها الداعمة للابتكار، تتمتع دول الخليج بموقع فريد يمكّنها من قيادة هذا العصر الجديد الواعد والمليء بالتحديات.
وقال تقرير على المنتدى الاقتصادي العالمي ان خمسة توجهات مبتكرة تُظهر كيف أن دول الخليج تدفع بصناعاتها القائمة على الابتكار، كما توفر رؤى قيّمة لاتجاه الاقتصاد العالمي في المستقبل.
وذكر التقرير أن دول الخليج تُعدّ في وضع مثالي لخوض العصر الجديد المرتكز على الأهمية المتجددة للتفكير الريادي في مواجهة التغيّرات السريعة التي تعصف بالاقتصاد العالمي. فإلى جانب موقعها الجغرافي الحيوي وسكانها الشباب، فإنها تعتمد سياسات تشجّع على الابتكار، ما يؤسس لاقتصادات الجيل القادم.
وأكد المنتدى الاقتصادي العالمي أن رؤية دول الخليج الاقتصادية الطموحة، التي تركز على التنويع والتحول الرقمي والنمو المستدام، تعكس روح الريادة في المنطقة. وتتوقع مجموعة البنك الدولي أن تحقق دول الخليج معدل نمو بنسبة %4 في عام 2026، وهو ما يفوق متوسط النمو العالمي المتوقع البالغ %3، وفي ما يلي أبرز خمسة ابتكارات تُحدث تحولات جذرية في الصناعات بدول الخليج:
1 - عصر «الصداقة التجارية»
من أبرز التوجهات التحول نحو «الصداقة التجارية» (friendshoring)، أي التركيز على علاقات تجارية مع شركاء موثوقين. وتستفيد دول الخليج، وخصوصاً البحرين، من علاقاتها الإستراتيجية وموقعها الجغرافي وبنيتها التحتية القوية وسمعتها في الاستقرار والحياد.
هذا التوجه يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر، كما يتجلى في اختيار شركة Mondelēz الأمريكية البحرين لإنشاء «مصنع المستقبل» لإنتاج علامات تجارية عالمية مثل بسكويت أوريو وجبن كرافت ومشروبات تانغ.
وفي تطورات موازية، أنشأت شركة Lenovo الصينية مصنعاً في الرياض، بينما استثمرت شركات أمريكية مثل OpenAI وOracle وNvidia في شراكة محلية لتأسيس مركز حوسبة عملاق في أبوظبي.
2 - ريادة الأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي
التوجه الثاني يتمثل في الذكاء الاصطناعي والأتمتة، حيث تتبنى دول الخليج التقنيات الناشئة لتعزيز ريادة الأعمال. وتُعدّ إستراتيجية السعودية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي مثالاً على السياسات التي تهدف إلى إطلاق أكثر من 300 شركة ناشئة قائمة على الذكاء الاصطناعي.
التعليم والتدريب يشكلان محور هذا التحول؛ فقد جعلت الإمارات مادة الذكاء الاصطناعي إلزامية في مدارسها الحكومية، في حين أن البحرين تشهد نتائج استثماراتها المبكرة في التعليم التقني، حيث تشير أرقام مجلس التعليم العالي إلى أن %38 من طلاب الجامعات مسجلون في برامج STEM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات). كما تسعى مبادرة تمكين إلى تدريب 50 ألف بحريني في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.
واستضافت السعودية في 2024 القمة العالمية للذكاء الاصطناعي واجتماع مبادرة مستقبل الاستثمار، في دلالة على مكانة المنطقة المتنامية كمركز للتكنولوجيا المتقدمة.
في البحرين، تعتمد شركات التصنيع على تقنية «التوأمة الرقمية» التي توظف الذكاء الاصطناعي لإنشاء نسخ رقمية من الأصول المادية لتحسين كفاءتها. أما في دبي، فقد دُشّن أول نظام لتوصيل الطرود بالطائرات المسيرة، بينما تقود أبوظبي تطوير سيارات ذاتية القيادة وروبوتات الأجرة.
3 - الخليج كمركز عالمي للتكنولوجيا الخضراء
الابتكار الأخضر هو التوجه الثالث. تستثمر دول الخليج 100 مليار دولار في الطاقة المتجددة، مع هدف تقليص الانبعاثات بنسبة %20 بحلول 2030، إدراكاً لأهمية مواجهة تغيّر المناخ والفرص التجارية المرتبطة بالتكنولوجيا النظيفة.
وتعمل دول الخليج على توحيد معاييرها في تقنيات الطاقة المتجددة عبر برامج تدريبية ولجان فنية مشتركة، بما يتماشى مع المعايير الدولية. ففي البحرين، يركز «خطة العمل الوطنية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060» على اقتصاد منخفض الكربون، والتكيف مع تغير المناخ، وخلق فرص استثمار في الاقتصاد الأخضر.
ويُبرز بناء الإمارات لمحطة نووية متقدمة في المنطقة كيف تتطور مصادر الطاقة التقليدية بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبفضل مواردها من الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي، تُعد المنطقة مؤهلة لتكون رائدة عالمياً في مجالي الهيدروجين الأخضر والأزرق. كما تشمل الابتكارات الزراعية لتقليل الضغط على الأراضي والمياه. ويعزز «جائزة الملك حمد للتنمية الزراعية» في البحرين الابتكار في هذا المجال، في حين أن السعودية أنشأت أطول مزرعة عمودية في المنطقة بارتفاع 15 متراً ومساحة إنتاجية قدرها 20 ألف متر مربع.
4 - الريادة في الرعاية الصحية الذكية
الرعاية الصحية الذكية هي التوجه الرابع، حيث يشهد القطاع طفرة في استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص، والأتمتة، والطب عن بُعد، والجينوميات.
وتميزت البحرين باستخدامها للممرضات الروبوتية خلال جائحة كورونا، وتواصل التقدّم من خلال «مستشفى الملك حمد الأمريكي»، المبني على الطب الرقمي والذكاء الاصطناعي، فضلاً عن مشروع الجينوم الوطني الذي يعتمد على أحدث تقنيات التشفير الجيني.
وفي السعودية، يتم تطوير علاجات مبتكرة للسرطان تعتمد على التعديل الجيني لخلايا المرضى، إلى جانب تصميم نظام مبكر لاكتشاف مرض السكري باستخدام الذكاء الاصطناعي.
أما الإمارات، فقد أطلقت مجموعة G42 التقنية وشبكة كليفلاند كلينك فريق عمل مشترك لتسريع استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة.
5 - التكنولوجيا المالية والأصول الرقمية
التوجه الخامس يتمثل في التكنولوجيا المالية والأصول الرقمية، حيث تقود دول الخليج الابتكار المالي بفضل شهية الجمهور الكبيرة للحلول الرقمية، والإطار التنظيمي الداعم.
وأنشأت البحرين بيئة تنظيمية رائدة، كانت الأولى في المنطقة في تطبيق قواعد «المصرفية المفتوحة»، وتنظيم العملات الرقمية، وإطلاق «منصة اختبار تنظيمية» (Sandbox) لتجربة الحلول المبتكرة قبل طرحها للأسواق.
وكانت البحرين أول من منح Binance ترخيصاً للعمل في المنطقة، كما أطلقت crypto.com بالشراكة مع Mastercard بطاقة مسبقة الدفع تتيح الإنفاق العالمي للعملات الرقمية.
ويُعد سوق أبوظبي العالمي مركزاً مالياً مبتكراً آخر يعزز شراكات متعددة، منها التعاون مع FinTech Bay في البحرين. أما مركز قطر المالي، فيحتضن شركات ناشئة محلية في مجال التكنولوجيا المالية، ما يسهم في تسهيل تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي مثال آخر، بدأ مطورو العقارات الفاخرة في دبي بقبول العملات الرقمية كوسيلة للدفع.
وفي عام 2025، أطلقت البحرين والإمارات أول أقمار اصطناعية من تصميم وتطوير محلي، من بينها «المنذر»، أول قمر صناعي في المنطقة يستخدم الذكاء الاصطناعي لمعالجة الصور أثناء التحليق.
بناء مجتمعات ديناميكية ومستدامة
أفاد التقرير بأن هذه الابتكارات تؤكد أن ريادة الأعمال في الخليج لم تعد مجرد وسيلة للنمو الاقتصادي، بل أصبحت ركيزة أساسية لبناء مجتمعات ديناميكية ومستدامة. ويُظهر التعاون القوي بين الحكومات والقطاع الخاص أن دول الخليج تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل يقوده الابتكار.