اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
فيصل مطر
أجمع عدد من الأكاديميين والمؤرخين والخبراء القانونيين على أن السيادة الكويتية على خور عبدالله ثابتة بالوثائق التاريخية والخرائط الدولية والقرارات الأممية الملزمة، مؤكدين أن الادعاءات العراقية الأخيرة بشأن الخور تمثل محاولة لتزييف الحقائق، ولا تعبر إلا عن أزمات داخلية تُسقط على قضايا سيادية محكومة منذ عقود بتوافقات دولية. وقال المتحدثون خلال محاضرة جماهيرية نظمها مركز طروس بعنوان «خور عبدالله في ميزان الحقائق التاريخية والقانونية والسياسية» إن الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العراقية العليا بإلغاء التصديق على اتفاقية خور عبدالله لا يمسّ الكويت بقدر ما يسيء إلى سمعة العراق والتزامه بتعهداته الدولية، مشددين على أن هذا الحكم جاء نتيجة ضغوط فصائل سياسية مسلّحة تسعى إلى تصعيد مفتعل قبيل الانتخابات المرتقبة في العراق.
أكد رئيس مركز سدرة للدراسات د.منذر الحبيب أن حكم المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء التصديق على اتفاقية خور عبدالله يشكل انتكاسة قانونية وسياسية لا تضر بالكويت بقدر ما تسيء إلى سمعة العراق والتزامه الدولي، محذراً من تداعياته على ثقة المستثمرين والعالم الخارجي بالدولة العراقية ومؤسساتها.
وأوضح الحبيب أن العراق بعد خروجه من الفصل السابع قبل 3 سنوات، بدأ يتحرك بفعالية على المستويين الإقليمي والدولي، مستفيداً من الثقة الدولية التي منحته أدواراً دبلوماسية متقدمة، مثل احتضان اجتماعات جامعة الدول العربية، وإطلاق مشاريع كبرى كـ «طريق التنمية» الذي استثمرت فيه تركيا، والإمارات، وقطر، ودول أخرى، إلا أن هذه الصورة الإيجابية تتناقض مع واقع داخلي مأزوم.
المحكمة مسيّسة
وقال الحبيب: «في داخل العراق، تتغلغل جماعات مسلحة وأحزاب سياسية نافذة داخل مؤسسات الدولة، ومن بينها المحكمة الاتحادية، التي أصبحت مسيسة وأداةً بيد أطراف تحكمها أجندات ضيقة، وهو ما أضعف ثقة المجتمع الدولي بقدرة العراق على الالتزام بتعهداته».
وأضاف أن المحكمة وقعت في أكثر من مأزق قانوني سابقاً، أبرزها ما جرى عام 2010 حين فسّرت مفهوم «الكتلة الأكبر» بطريقة منحت نوري المالكي رئاسة الوزراء، وكذا في 2022 حين أقصت التيار الصدري بتفسير سياسي واضح.
وأشار الحبيب إلى أن قرار المحكمة بشأن اتفاقية خور عبدالله، اعتمد بشكل أساسي على ادعاءات نشرتها تيارات يمينية متطرفة، خاصة ما يُعرف بـ «حركة حقوق» التي تمثل الجناح السياسي لكتائب حزب الله في العراق، مؤكداً أن هذه الجهات بدأت منذ عام 2012 بنشر روايات مضللة عن الكويت والاتفاقية.
معلومات خاطئة
وأكد الحبيب أن المحكمة الاتحادية بنت جزءاً كبيراً من حكمها على تقارير ومقاطع فيديو أنتجها عامر عبدالجبار، الذي يعرّف نفسه بخبير ملاحي، رغم أن تصريحاته تزخر بمعلومات خاطئة تتعارض مع نصوص الاتفاقية وقوانين الأمم المتحدة، كقوله إن الكويت تسيطر على الإرشاد البحري، بينما تنص الاتفاقية بوضوح على أن كل طرف يدير الممر الملاحي إلى موانئه.
وأشار إلى أن قرار المحكمة جاء ضمن تصعيد مقصود حكما لنفس المحكمة بعد ايام ويسبق الانتخابات العراقية المقررة في نوفمبر المقبل، ويتزامن مع حملة منظمة تقودها حركة «حقوق»، التي رفعت دعوى ضد الكويت وشاركت في خروقات حدودية علنية، مستغلة مشروعاً إنسانياً كويتياً لإعادة إسكان أهالي مجمع أم قصر السكني على الحدود، وقدمت ذلك للرأي العام العراقي على أنه «احتلال كويتي».
سيادة موثقة
من جهته، شدد أستاذ التاريخ في جامعة الكويت د.حمد القحطاني على أن الحدود بين الكويت والعراق محسومة تاريخياً وقانونياً منذ أوائل القرن العشرين، ولا مجال للطعن فيها، موضحا أن أول توثيق لتسمية «الكويت» إلى جانب «القرين» جاء على يد المستكشف الألماني كارستن نيبور في القرن الثامن عشر، وكان أول من وثّق وجود «الكويت» بشكل رسمي في الخرائط الأوروبية.
وأشار القحطاني إلى أن اتفاقية 1913 بين الدولة العثمانية وبريطانيا نصّت بوضوح على أن حدود الكويت تبدأ من التقاء خور الزبير بخور عبدالله، وتمت ترجمة الاتفاقية إلى ثلاث لغات، ووقعها وزيرا خارجية البلدين.
وبيّن أن اتفاقية 1932 بين نوري السعيد والشيخ أحمد الجابر مثّلت وثيقة تأسيسية لترسيم الحدود، تلتها اتفاقية حسن الجوار في 1963، التي كرّست الاعتراف العراقي الرسمي بحدود الكويت.
الخرائط تتحدث
أما رئيس الجمعية الكويتية للتراث فهد العبدالجليل، فقد شدد على أن السيادة الكويتية على خور عبدالله موثقة منذ القرن السابع عشر، حيث ورد أول ذكر لـ «الكويت» في مذكرات الرحالة الدمشقي مرتضى بن علوان عام 1709، والمحفوظة في مكتبة برلين.
وأشار إلى أن نيبور، الموفد من ملك الدنمارك عام 1761، رسم خريطة أدرج فيها خور عبدالله ضمن الأراضي الكويتية، كما أكد أن خرائط بريطانية وأخرى رسمية من دار الاعتماد البريطاني في بوشهر عام 1906 اعتبرت الخور جزءاً من الكويت.
مراحل الترسيم
من ناحيته، أكد المحامي عبدالعزيز السيف أن الحقائق التاريخية والقانونية بشأن سيادة الكويت على خور عبدالله راسخة وثابتة، ولا يمكن إنكارها أو القفز عليها بشعارات أو اجتهادات سياسية.
وأشار السيف إلى أن قضية الحدود بين الكويت والعراق حُسمت بشكل نهائي بعد تحرير الكويت، من خلال قرار مجلس الأمن رقم 833، الذي رسم الحدود بشكل دقيق ووافق عليه العراق رسمياً عبر توقيع صدام حسين. ولفت إلى أن ما تم توقيعه لاحقاً عام 2012 هو اتفاقية ملاحية بحرية بشأن خور عبدالله، وجرى اعتمادها من قبل برلماني وحكومتي البلدين، وأودعت رسمياً في الأمم المتحدة.
تغييب الحقائق
وكشف السيف أن الاتفاقية واجهت طعناً في المحكمة الاتحادية العليا العراقية عام 2014، لكن المحكمة رفضته وأكدت صحة الاتفاقية، مستغرباً أن تعود المحكمة نفسها بعد عشر سنوات لتلغي الاتفاقية بذريعة لا تستند إلى أساس قانوني، بل بدت وكأنها «نص تاريخي كتبه أكاديميون لا قضاة».
وأشار السيف إلى أن قانون البحار لعام 1982 ينص على أن لكل دولة سيادة على مسافة 12 ميلاً بحرياً من سواحلها، إلا إذا كانت المسافة بين دولتين أقل من 24 ميلاً، كما هو الحال في خور عبدالله، فإن الحل يكون عبر ترسيم خط الوسط، وهو ما تم فعلياً.
وانتقد السيف محاولات البعض تضليل الشعوب وتغييب الحقائق، مشيراً إلى أن بعض السياسيين يقتطعون نصوص الاتفاقيات ويستشهدون بجزء منها لخدمة أغراضهم.
مثالب في حكم «الاتحادية» العراقية
1 ـ مسيّس لخدمة أجندات تيارات بعينها
2 ـ بني على معلومات وتقارير خاطئة
3 ـ جاء ضمن حملة تصعيد مقصودة
4 ـ يخالف المقررات الدولية المصدقة
محاولة شيطنة للكويت
وصف د.منذر الحبيب ما يحدث في الساحة العراقية بأنه محاولة شيطنة للكويت عبر تسويق معلومات تاريخية وقانونية مفبركة، بدءاً من الطعن في اتفاقية خور عبدالله، مروراً بمزاعم عن ميناء مبارك، ثم الزعم بعراقية بوبيان والمطلاع والجهراء وحتى جزيرة قاروه، في حملات إعلامية منظمة.
الدبلوماسية الشعبية.. قوة ناعمة
قال رئيس مركز طروس محمد الثنيان إن الدبلوماسية الشعبية تمثل بعداً موازياً لا يقل أهمية عن الدبلوماسية الرسمية، إذ تقوم على مخاطبة الشعوب والجماهير بلغة تفاهم مختلفة، وتعتمد على مؤسسات المجتمع المدني كأدوات فاعلة للقوة الناعمة. وشدد الثنيان على أن الحديث عن قضية خور عبدالله لا يكتمل دون استحضار دور هذه المؤسسات الشعبية، التي تمثل الامتداد الطبيعي للدفاع عن السيادة والتاريخ، مؤكداً أن تحركات الدولة الرسمية يجب أن تتكامل مع الجهود الشعبية في هذا السياق.