«فايننشال تايمز»: مخاوف من صدمة مالية عالمية وشيكة

وليد منصور -

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن المستويات القياسية، التي بلغتها الأسهم الأمريكية تخفي وراءها مخاطر حقيقية ناتجة عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محذّرة من أن حالة من «الرضا الزائف» تهيمن على سلوك الأسواق تجاه تهديداته المتكررة.

بحسب الصحيفة، أعرب عدد من كبار المستثمرين والمصرفيين العالميين عن قلقهم المتزايد، من أن الأسواق قد بالغت في افتراض أن ترامب سيتراجع في نهاية المطاف عن الإجراءات الاقتصادية الأشد، التي أعلنها، خاصة في ما يتعلق بالرسوم الجمركية.

وقد نقلت فايننشال تايمز عن فينسنت مورتييه، مدير الاستثمار في شركة Amundi (أكبر مدير أصول في أوروبا)، قوله إن هناك قدراً من التهاون في ما يُعرف بتأثير «تجارة التاكو» ـ وهي النظرية السائدة في وول ستريت، التي تقول إن «ترامب دائمًا يتراجع».

كما نقلت الصحيفة عن جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك JPMorgan Chase، تحذيره من أن الأسواق تتجاهل المخاطر، قائلاً: «للأسف، أعتقد أن هناك رضا زائفًا في السوق».

الرسوم الجمركية

وأوضحت فايننشال تايمز أن الأسواق تجاهلت إلى حد كبير التهديدات الجديدة، التي أطلقها ترامب هذا الأسبوع، بفرض رسوم جمركية واسعة ضد دول كبرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وكندا والبرازيل، رغم إعلانه الصريح أن تطبيق هذه الرسوم سيبدأ في 1 أغسطس، ما لم تُبرم اتفاقيات تجارية جديدة. وحتى الآن، نجحت فقط ثلاث دول في توقيع مثل هذه الاتفاقيات: المملكة المتحدة، الصين، وفيتنام.

وتشير الصحيفة إلى أن الكثير من البنوك الأمريكية طمأنت عملاءها، بأن ترامب سيخفف من حدة هذه الرسوم لتفادي اضطراب الأسواق، وهو ما انعكس في بقاء مؤشرات التقلب منخفضة نسبيًا، وانخفاض تكاليف الاقتراض على الشركات الأمريكية.

قلق متزايد

مع ذلك، نقلت فايننشال تايمز عن بعض المصرفيين تحذيرهم من أن ترامب قد يفاجئ الأسواق هذه المرة، ويصرّ على تنفيذ تهديداته.

وقال روبرت تيب، رئيس قسم السندات العالمية في PGIM، إن «الرسوم الجمركية الحالية مرتفعة نسبيًا، ومع ذلك تواصل الأسواق صعودها، فهل نحن على مشارف يوم للحساب؟».

ضغوط متصاعدة

كما أبرز تقرير فايننشال تايمز ضغوطاً أخرى لا تقل خطورة، مثل تدخل ترامب المتكرر في سياسة مجلس الاحتياطي الفدرالي، وإقراره مشروع ميزانية ضخماً، يُتوقَّع أن يرفع الدين العام بمستويات قياسية، مما ساهم في تراجع الدولار لأدنى أداء نصف سنوي له منذ عام 1973.

وأشارت الصحيفة إلى أن شركة Amundi بدأت في تقليص وزن الدولار في معظم محافظها الاستثمارية، مع توقّعات بتراجع قيمته مقابل عملات رئيسية أخرى.

وفي السياق ذاته، نقلت الصحيفة عن مسؤول بارز في أحد البنوك الأمريكية الكبرى قوله إن سياسات إدارة ترامب أضرّت بصورة الولايات المتحدة كملاذ استثماري آمن. وأوضح أن المستثمرين بدأوا يعيدون تقييم مدى انكشافهم على السوق الأمريكي، حيث تراجعت «علاوة الأمان»، التي كانت تميّز الأصول الأمريكية.

فقدان الثقة

شددت فايننشال تايمز على أن العجز المالي الأمريكي يمثل مصدر القلق الأبرز، حيث وصفه أحد المسؤولين بأنه «أكبر عجز في وقت السلم منذ الحرب العالمية الثانية»، محذراً من أن مواصلة الإنفاق دون زيادة في الضرائب من شأنه أن يضر بسوق السندات ويضغط على الدولار بشكل خطير.

كما أضافت الصحيفة أن التوترات السياسية الداخلية – مثل الهجمات على وسائل الإعلام والجامعات وشركات المحاماة – باتت تثير قلق المستثمرين الدوليين، الذين طالما اعتقدوا أن مثل هذه الممارسات لا تحدث إلا في الأسواق الناشئة، وليس في «أكبر وأثبت اقتصاد في العالم».

%30 رسوم أمريكية على الواردات الأوروبية

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في منشور عبر منصة «تروث سوشيال»، أمس (السبت)، إن السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي والمكسيك ستواجه رسوما جمركية أمريكية بنسبة %30 اعتبارا من أول أغسطس.

وقد أعلن ترامب الخميس أن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً جمركية بنسبة %35 على السلع المستوردة من كندا اعتباراً من الشهر المقبل، كما أنه يخطط لفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة %15 أو %20 على معظم الشركاء التجاريين الآخرين لبلاده.

وفي رسالة، نُشرت على منصته للتواصل الاجتماعي، أبلغ ترامب رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أن المعدل الجديد للرسوم سيدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس، وسيرتفع إذا ردت كندا.

في غضون ذلك، تجد واشنطن نفسها أمام عمليات إفلاس واسعة للشركات الكبرى، بمعدل هو الأعلى منذ 15 عاماً.

وأعلنت 371 شركة أمريكية كبيرة إفلاسها خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025، وهو أعلى رقم منذ 15 عاماً بيانات من «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس».

وقالت ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس: يمثل هذا الرقم ارتفاعاً عن 335 شركة مسجلة العام الماضي، وأكثر من ضعف العدد المسجل خلال الفترة نفسها من عام 2022. وأضافت ستاندرد آند بوزر غلوبال ماركت إنتليجنس أنه في يونيو وحده أعلنت 63 شركة إفلاسها، مواصلةً وتيرة شهرية سريعة بعد 64 شركة في مايو 2025.

وتصدرت شركات الصناعات والسلع الاستهلاكية التقديرية قائمة الشركات الأكثر إفلاساً، إذ سجلت 58 و49 حالة إفلاس على التوالي، تليها شركات الرعاية الصحية بـ27 حالة، وتشهد حالات الإفلاس مستويات حرجة.

وتتعدد الأسباب التي تسببت مجتمعة في إفلاس الشركات من ارتفاع أسعار الفائدة واضطراب سلاسل الإمداد العالمية وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي للمواطن الأمريكي وتداعيات الرسوم الجمركية.

ويمثل ارتفاع أسعار الفائدة في أمريكا ضغطاً ليس فقط على المستهلكين، ولكن كذلك على الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض لشراء المعدات، وتجديد المخزون، ودفع الرواتب أو توسيع عملياتها، على سبيل المثال لا الحصر.