اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
قفزت أسعار الذهب، أمس، إلى مستوى قياسي جديد، متجاوزة الرقم القياسي السابق المسجل في أبريل، وذلك عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوم «يوم التحرير»، لترتفع بذلك مكاسب المعدن النفيس إلى أكثر من 30% منذ بداية العام.
ويواصل الذهب الفوري مساره الصعودي، إذ ارتفع بنسبة 0.9%، ليصل إلى 3508.70 دولارات للأونصة خلال التعاملات المبكرة في آسيا، قبل أن يتراجع قليلا إلى 3497 دولارا، مؤكدا مكانته بوصفه أصلا استثماريا آمنا في ظل تنامي حالة عدم اليقين العالمي. كما أسهم تنوع محركات الطلب مؤخرا في تعزيز استخدام الذهب أداة للتحوط من فقدان القوة الشرائية بفعل التضخم، بالإضافة إلى دوره التقليدي بوصفه منافسا غير مدر للعائد أمام سندات الخزانة الأميركية وصناديق أسواق المال.
العوامل الاقتصادية
يعزو الخبراء هذا الصعود المتسارع في أسعار الذهب إلى حزمة من العوامل الاقتصادية المتشابكة، على رأسها ضعف الدولار الأميركي، الذي يزيد جاذبية الذهب للمستثمرين الدوليين، كونه يصبح أرخص بالعملات الأخرى. كما تلعب توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي دورا محوريا في دعم الأسعار، إذ يقلل خفض الفائدة من تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك الذهب، ويعزز الطلب عليه. ويقدر المتعاملون حاليا احتمالية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ختام اجتماع السياسة النقدية يوم 17 سبتمبر بنسبة تقارب 90%، وفقا لأداة «فيد ووتش». وإلى جانب ذلك، أسهمت التوترات الاقتصادية والتجارية العالمية، بما في ذلك السياسات الأميركية القائمة على الرسوم والتعريفات، في تغذية المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن الملاذات الآمنة مثل الذهب.
البنوك المركزية
وتواصل البنوك المركزية حول العالم تعزيز حيازاتها من الذهب لدعم احتياطياتها في مواجهة تقلبات الأسواق والضغوط الواقعة على الدولار. وتشير التوقعات إلى أن مشتريات البنوك المركزية قد تبلغ نحو 900 طن في 2025، مدفوعة بالظروف الاقتصادية العالمية وتوسع حيازات المستثمرين، ولاسيما عبر صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETFs) ومن الصين. ورغم أن مشتريات البنوك المركزية تجاوزت 1000 طن لـ 3 سنوات متتالية، فإن الاتجاه الهيكلي يؤكد استمرار النمو في 2025 و2026، في إطار مسار تدريجي نحو التنويع بعيدا عن الدولار الأميركي، وإن كان بوتيرة معتدلة.
الضغوط السياسية
تزايدت المخاوف بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ظل ضغوط الرئيس ترامب على رئيسه جيروم باول، ومحاولاته للإطاحة بالحاكمة ليزا كوك، مما أثار قلق المستثمرين من أن أي خفض لأسعار الفائدة تحت وطأة هذه الضغوط قد يقود إلى تسارع معدلات التضخم. وأوضح رئيس استراتيجية السلع في «ماكواري»، ماركوس غارفي، أن «تحدي الرئيس ترامب العلني لاستقلالية (الاحتياطي الفيدرالي)، إلى جانب العجز الكبير في الموازنة الأميركية، يشكلان عوامل رئيسية تدفع الذهب إلى الارتفاع في الوقت الراهن»، كما أضاف مدير استراتيجية السلع في بنك «بي إن بي باريبا»، ديفيد ويلسون، أن «تصاعد مستويات عدم اليقين الاقتصادي يعزز جاذبية الذهب بوصفه أصلا آمنا، وأن جميع العوامل تهيئ بيئة مثالية لصعود الأسعار».
الجيوسياسية العالمية
لم تقتصر العوامل الداعمة لصعود الذهب على الجوانب الاقتصادية والسياسية الداخلية، وإنما امتدت إلى الساحة الجيوسياسية العالمية. فقد لعبت سياسات ترامب والتوترات الدولية دورا محوريا في تعزيز الطلب على المعدن النفيس، إذ أدت انتقاداته المتكررة لـ «الاحتياطي الفيدرالي» إلى تراجع ثقة المستثمرين في الأصول المقومة بالدولار، في حين أسهمت النزاعات الدولية، خصوصا الحرب الروسية - الأوكرانية وتعثر محادثات السلام، في رفع الطلب على الذهب بوصفه ملاذا آمنا. وأكد مدير الأبحاث في «بي بي سي»، أدريان آش، أن «الارتفاع في أسعار الذهب خلال الأشهر الأخيرة مرتبط بشكل مباشر بالسياسات الأميركية وتأثيرها على الساحة الجيوسياسية والتجارة العالمية»، مشيرا إلى أن الانتخابات الأميركية الماضية كانت الشرارة الأولى لتصاعد المخاطر التي دفعت المستثمرين نحو الأصول الآمنة.
المكاسب السنوية والتوقعات المستقبلية
سجل الذهب ارتفاعا بنسبة 27% خلال عام 2024، متجاوزا حاجز 3000 دولار للأونصة لأول مرة في مارس، وسط تصاعد القلق حيال السياسات التجارية الأميركية. ويتوقع كبير محللي السوق في «كيه سي إم ترايد»، تيم ووترر، أن تمتد الأسعار لتصل إلى 3600 دولار، وربما أكثر بحلول نهاية العام، إذا نفذ «الاحتياطي الفيدرالي» سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة. كما أضاف أن استمرار الأزمات الجيوسياسية سيبقي على الضغوط الصعودية تجاه المعدن النفيس.
وتشير أبحاث «جي بي مورغان» إلى أن متوسط سعر الذهب قد يبلغ 3675 دولارا للأونصة بحلول الربع الأخير من عام 2025، مع توقعات بارتفاعه إلى 4000 دولار بحلول الربع الثاني من عام 2026، وهو ما يعكس ثقة متزايدة في استمرار الزخم الصعودي للذهب خلال المدى المتوسط.