مع دخوله التعليم.. كيف نحمي الأجيال من مفاهيم الذكاء الاصطناعي؟

محمود جبار - الخليج أونلاين

الاستعاضة عن المعلمين ببرامج الذكاء الاصطناعي.

اليونسكو: ذلك يؤثر على الصحة العاطفية للأطفال ويجعلهم عرضة للتلاعب.

تشير التطورات الكبيرة والمتسارعة في عالم التكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُعتمد لتعليم الأطفال، ما تسبب في ظهور مخاوف من تأثير التقنيات الحديثة على توجهات الأجيال القادمة.

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، حذرت بدورها من الاستعاضة عن المعلمين ببرامج الذكاء الاصطناعي؛ فهي ترى أن ذلك يؤثر على الصحة العاطفية للأطفال ويجعلهم عرضة للتلاعب.

في سلسلة توجيهات أصدرتها 'اليونسكو' يوم (7 سبتمبر 2023)، دعت الحكومات إلى العمل 'سريعاً' على تنظيم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية، ومن ضمن ذلك حصر استخدامها بالأولاد الأكبر سناً.

واعتبرت المنظمة الأممية أن السلطات العامة غير جاهزة لإدارة مسائل الأخلاقيات المرتبطة باعتماد برامج الذكاء الاصطناعي في البيئة المدرسية.

ونقل بيان عن المديرة العامة لـ'اليونسكو'، أودري أزولاي، قولها: إن 'الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يكون فرصة كبيرة للتطور البشري، لكنه يمكن أن يكون أيضاً مصدر ضرر وأذى'.

وأضافت أزولاي أنه 'من غير الجائز إدخاله في التعليم من دون مشاركة العامة وضمانات وتشريعات حكومية متينة'.

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي، ومن بين تعريفاته، هو مجموعة من التقنيات والأنظمة التي تهدف إلى إعطاء الأنظمة الحاسوبية القدرة على أداء مهام تعتبر ذكية؛ عندما يقوم بها البشر.

يتمثل هدف الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة قادرة على التعلم من البيانات، واتخاذ قرارات استناداً إلى هذا التعلم، وذلك دون الحاجة إلى برمجة محددة لمهمة معينة.

يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مجموعة متنوعة من الصناعات والتطبيقات وضمن ذلك الطب، والتصنيع، والسيارات، والتمويل، والألعاب، والتعليم، والرعاية الصحية، وغيرها.

ويمثل ازدياد استخدام الذكاء الاصطناعي تحولاً مهماً في كيفية التفاعل البشري مع التكنولوجيا، وكيفية أداء الأنظمة الحاسوبية المهام المنوطة بها.

ومنذ نهاية عام 2022، كثرت برامج الذكاء الاصطناعي المتاحة لعامة الناس، عندما أطلقت شركة 'أوبن إيه آي' الأمريكية الناشئة برنامج 'تشات جي بي تي' القادر على كتابة مقالات وقصائد وإجراء محادثات متماسكة بناءً على أسئلة مختصرة.

لكنّ ازدهار هذه البرامج أثار في الوقت عينه مخاوف من أشكال جديدة من السرقة الفكرية أو الغش في المدارس والجامعات.

انجذاب الأطفال

اهتمام الأطفال بالذكاء الاصطناعي يأتي في سلسلة اهتمامهم الكبير بعالم التقنية الحديثة التي أصبح ارتباطهم بها كبيراً ومؤثراً عبر أجهزة الموبايل والكمبيوتر.

وبحسب ما استخلصه 'الخليج أونلاين'، من خلال متابعته هذا الموضوع، يمكن أن يكون اهتمام الأطفال بالذكاء الاصطناعي مفيداً وله تأثير إيجابي على تطويرهم الشخصي والمهني، وفي الوقت ذاته يحمل خطورة صحية وأخلاقية لهم أيضاً.

ومن أبرز الأسباب التي تشجع الأطفال على الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، استخدام البرمجة والتصميم لإيجاد حلول لمشكلات مختلفة.

كما تقدم الألعاب والتطبيقات التفاعلية التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي تجارب ممتعة ومثيرة للأطفال؛ على سبيل المثال، الألعاب التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم تحديات ذكية ومستويات مختلفة تجذب الأطفال.

ويمكن أن يعتبر الأطفال الذكاء الاصطناعي شريكاً في التعلم؛ يمكنهم الاستفادة منه في مختلف مواضيع الدراسة، وهو ما يزيد من انجذابه له.

يضاف إلى ذلك فإن الروبوتات والأجهزة الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، توفر فرصاً للأطفال للتفاعل مع أنظمة تستجيب لأوامرهم وتنفذ مهام مختلفة.

ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي الأطفال على استكشاف مفاهيم جديدة؛ باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لحل الألغاز والمشكلات الصعبة.

ومع وجود غريزة استكشاف الأشياء لديهم؛ يندفع الأطفال إلى فهم أفضل للذكاء الاصطناعي وكيفية عمله، والتطلع إلى الاستفادة منه واستكشاف إمكاناته.

وتقدم بعض التطبيقات والألعاب التفاعلية فرصاً للأطفال للتفاعل مع أصدقائهم عبر الإنترنت باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها تجربة اجتماعية أيضاً.

وتوفر بعض الألعاب والتطبيقات تحديات مستمرة، ومكافآت تشجع الأطفال على الاستمرار في التفاعل معها وتحقيق التقدم.

كل الأسباب التي ذُكرت في أعلاه؛ تجعل الأطفال يقبلون بشغف لقضاء وقت أكبر في استخدام الذكاء الاصطناعي، ما يجعلهم يثقون بما يقدمه من معلومات وينجزه من مهام.

تجنب المخاطر

المهندس سامر المبيض، مؤسس شركة 'فرهات روبوتكس' للروبوتات والذكاء الاصطناعي، يقول لـ'الخليج أونلاين' إنه رغم الفوائد البارزة التي يمكن أن يجلبها التقدم في مجال التكنولوجيا الذكية والذكاء الاصطناعي، فإنه يترافق أيضاً مع مخاطر متعلقة بالتنمية والسلوك والصحة تستدعي الانتباه والتفكير.

في ما يتعلق بالمخاطر السلوكية، يقول المبيض: إن التكنولوجيا الذكية 'تسهم في تعزيز التواصل الاجتماعي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الواقع الافتراضي، مما يقدم فرصاً للتواصل والتفاعل بشكل جديد'.

ويستدرك قائلاً: 'مع ذلك، يجب مراعاة أن زيادة استخدام هذه التقنيات يمكن أن تؤدي إلى العزلة الاجتماعية وتقليل التفاعل الواقعي مع الآخرين'.

ويرى أن التقدم الذي تشهده التكنولوجيا 'يجلب معه عديداً من التحديات والمخاطر التي تؤثر على الأطفال في العالم العربي بشكل خاص، لا سيما أن الأطفال يمثلون فئة عمرية حساسة ومهمة، ولهم احتياجات ومخاطر خاصة تتعلق بالتكنولوجيا الذكية'، وفق المبيض.

ويواصل: 'يثير جمع البيانات الشخصية للأطفال مخاوف بشأن الخصوصية الرقمية، وضمن ذلك نشاطاتهم على الإنترنت، تُجمع وتُستخدم بواسطة التطبيقات والمنصات التي تعتمد على التكنولوجيا الذكية'.

وتابع: 'هذا يطرح تساؤلات حول كيفية استخدام هذه البيانات وما إذا كان سيتم إساءة استخدامها'.

خطر كبير يمكن أن يواجه الأطفال، في ما يتعلق بالتلاعب الرقمي والمعلومات الزائفة، ووفق المبيض 'يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج محتوى مضللاً ومعلومات زائفة؛ وهذا يجعل من الصعب على الأطفال التمييز بين الحقيقة والخدعة'.

ينصح المبيض العائلات والمدرسين والجهات الرقابية بـ'الاهتمام بتلك المخاطر والعمل على تعزيز الوعي الرقمي، وتشجيع سلوكيات صحيحة على الإنترنت. كما يجب أن نعمل معاً لضمان أن تقدم التكنولوجيا الذكية بيئة آمنة ومحمية للأطفال في عالمهم الرقمي'.

ويؤكد ضرورة 'تبنّي التكنولوجيا الذكية بحذر ووعي بالمخاطر المحتملة والفوائد الجوهرية'، مشيراً إلى أنه 'يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير استراتيجيات تقنية وسياسات فعّالة تسهم في الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الذكية في العالم العربي مع مراعاة التوازن بين المخاطر والفوائد'.