اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
22 شتنبر، 2025
بغداد/المسلة:
ليث شبر
قبل أكثر من عشر سنوات كتب العالم الجيولوجي العراقي – النرويجي فاروق القاسم، الرجل الذي لعب دوراً محورياً في تحويل النرويج إلى قوة نفطية عظمى بعد أن كان عراقياً من البصرة يحمل همّ وطنه، مقالةً صارت بمثابة صرخة في وجه التخلف، عنونها بسؤال موجع وقتها: من أي قبيلة أنت؟
لم يكن القاسم يقصد القبيلة بمعناها الاجتماعي الضيق، بل كان يفضح مأساة الانشغال بالهويات الصغيرة على حساب مشروع بناء وطن كبير. حذّر يومها من أن الدول التي تضع ثقتها في النفط والثروات الطبيعية وحدها، بينما تتجاهل الاستثمار في الإنسان، ستبقى متخلفة مهما امتلكت من حقول وآبار. وضرب أمثلة عن نيجيريا الغنية بالنفط لكنها غارقة في الفقر، ويقابلها سنغافورة التي نهضت بالعلم والتقنية من لا شيء تقريباً.
اليوم وبعد عقد من ذلك التحذير، تقدمت دول وهذه أمامك رواندا، البلد الإفريقي الصغير الذي خرج من أبشع إبادة جماعية في التسعينيات، تحوّل خلال السنوات العشر الأخيرة إلى قصة نجاح تنموية مذهلة: نمو اقتصادي متسارع، بيئة نظيفة، مدن حديثة، وتحوّل إلى مركز إقليمي للتقنية والابتكار. في المقابل، العراق – الذي يمتلك من الثروات ما لا تمتلكه رواندا ولا سنغافورة – ما زال يدور في حلقة مفرغة من الصراعات والفساد والارتهان للخارج.
المشكلة ليست في نقص الموارد، بل في تهميش الإنسان…العراقي المعروف عالمياً بتفوقه في مقاييس الذكاء والإبداع، لكنه ظل ثروة مهدورة في وطنه. وأمامنا اليوم مثال صارخ هو العالم العراقي الفذ عبد السلام المياحي، الذي يقف على أعتاب اكتشافات ستغير وجه العالم في العقد القادم، لكنه لا يجد في بلده سوى الإهمال، لأن السلطة مشغولة بالكراسي والمناصب والصفقات الفاسدة، بكل ما لا علاقة له بالعلم والتكنولوجيا.
أيها العراقيون، إن السؤال الذي طرحه القاسم قبل عشر سنوات لم يعد كافياً اليوم. إذ لم يعد السؤال: من أي قبيلة أنت؟ بل أصبح: من أي مشروع أنت؟ هل أنت من مشروع يعيد إنتاج الخراب والفساد ذاته، أم من مشروع يفتح الطريق نحو دولة مدنية حديثة متقدمة تستثمر الإنسان العراقي قبل النفط وتعلي من شأن العلم والتكنلوجيا قبل الشعارات والروزخونيات؟
ولنكن صريحين: أمامكم اليوم مشروع وطني حضاري هو الدولة الذكية السيادية النابضة، وهو من دون شك أعظم مشروع على هذه الأرض، لكنه ما زال خارج تغطيتكم ومهملاً منكم كما أُهمل علماؤكم ومبدعوكم.وبصدق أقول إن لم يلتفت العراقيون إلى هذا المشروع، فإنهم يضيعون فرصة تاريخية لبناء وطن يستحقهم ويليق بتاريخهم.
About Post Author
moh moh
See author's posts