كيف تنظر مصر لتهديدات نتنياهو بعدم الانسحاب من محور فيلادلفي؟

الشريط الحدودي الملاصق لسيناء ارتبط برفض القاهرة وجود إسرائيل فيه

بين تعهدات أمام الوسطاء ونفي بوسائل الإعلام، يظل موقف إسرائيل من الانسحاب من محور فيلادلفي 'صلاح الدين' محل ترقب، فلم يكد اتفاق الهدنة في غزة يدخل حيز التنفيذ متضمناً النص على انسحاب القوات الإسرائيلية من المحور، حتى خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نافياً اعتزامه سحب قواته من تلك المنطقة، بل وتعهد زيادة القوات هناك، لكن مراقبين تحدثوا إلى 'اندبندنت عربية' استبعدوا أن ينفذ نتنياهو تهديداته، وعدوها تصريحات تستهدف مغازلة اليمين الإسرائيلي.

مصر التي توسطت في مفاوضات الهدنة منذ بداية الحرب على غزة، كان موقفها في ملف محور فيلادلفي والجانب الفلسطيني من معبر رفح يتخطى كونها مجرد وسيط، فعلى الجانب الآخر من المحور الحدودي تقع الأراضي المصرية. ومنذ احتلال إسرائيل تلك المنطقة في مايو (أيار) 2024، تمسكت القاهرة بمطلب الانسحاب الإسرائيلي الكامل من محور فيلادلفي، كما رفضت تغيير قواعد التعامل في معبر رفح التي كان معمولاً بها قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ومحور صلاح الدين أو محور فيلادلفي شريط ضيق داخل غزة يمتد بطول 14 كيلومتراً على امتداد الحدود بين القطاع ومصر، وتوجد فيه قوات حرس الحدود المصرية وفق اتفاق بين القاهرة وتل أبيب وقع عام 2005 بعد انسحاب إسرائيل من غزة وعُد ملحقاً أمنياً لمعاهدة السلام. ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة تقدر بنحو 750 جندياً من حرس الحدود المصري، مهمتهم مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق.

اتهامات إسرائيل ورد مصر

ووجه نتنياهو مراراً اتهامات بتهريب السلاح إلى حركة 'حماس' عبر الحدود المصرية مع غزة، من خلال أنفاق تمر تحت محور فيلادلفي، وفي سبتمبر (أيلول) 2024 أكد أن 'تحقيق أهداف الحرب يمر عبر محور فيلادلفي' وأنه لن يرضخ لضغوط تطالبه بالانسحاب منه، إلا أن الاتفاق الذي وافقت عليه حكومة نتنياهو في وقت سابق من الشهر الجاري نص على تخفيض القوات الإسرائيلية تدريجاً خلال المرحلة الأولى للاتفاق التي تستمر 42 يوماً، وذلك 'وفقاً للخرائط المتفق عليها'، على أن تبدأ القوات الانسحاب بعد إطلاق سراح آخر رهينة من المرحلة الأولى في اليوم الـ42 من الاتفاق، على أن تستكمل انسحابها بما لا يجاوز اليوم الـ50، بحسب نص الاتفاق الذي نشر في وسائل الإعلام، وإن لم يعلن رسمياً من طرفي الهدنة.

وبعد يوم من الإعلان عن الاتفاق، خرج نتنياهو بتصريحات تخالف بنوده، إذ أكد أن قواته ستستمر في السيطرة على محور فيلادلفي وستزيد قواتها هناك، بينما ذكرت صحيفة 'هآرتس' الإسرائيلية أنه رغم تصريحات نتنياهو فإن الجيش لم يتلق أي تعليمات تخالف بنود اتفاق الهدنة، كما أفادت صحيفة 'معاريف' بأن رئيسي جهازي 'الموساد' و'الشاباك' زارا القاهرة سراً، الإثنين الماضي، لبحث ترتيبات المرحلة الثانية من الهدنة، وكان التحدي الرئيس أمام المحادثات هو انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفي.

تصريحات للاستهلاك المحلي

يستبعد سفير مصر السابق لدى إسرائيل السفير عاطف سالم، تراجع نتنياهو عن اتفاق غزة في ما يخص الانسحاب من محور فيلادلفي، معتبراً تصريحاته لـ'الاستهلاك المحلي' تشبه تعهده لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش العودة للحرب ضمن مساعيه للحفاظ على حكومته من الانهيار.

وقال سالم إلى 'اندبندنت عربية'، إن نتنياهو يتعرض لضغوط بعد استقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وتهديد كتلة سموتريتش بالانسحاب إذا انسحبت إسرائيل من محوري نتساريم وفيلادلفي، من ثم فكل خطاباته موجهة للداخل.

وضاعف وزير الشتات أميخاي شيكلي من مخاوف نتنياهو في شأن استقرار حكومته، بعدما هدد الوزير المنتمي لحزب الليكود (الذي يتزعمه نتنياهو) بالاستقالة إذا انسحبت بلاده من محور فيلادلفي تنفيذاً للاتفاق مع 'حماس'.

نقاط مراقبة

ويرى الدبلوماسي المصري السابق أن هدف تصريحات نتنياهو هو الضغط للحصول على ضمانات أوروبية وأميركية بمنع منابع تسليح 'حماس' خصوصاً من الأنفاق مع مصر، وفق ادعائه، سواء بإنشاء نقاط مراقبة وتركيب كاميرات على محور فيلادلفي بطول الحدود مع مصر.

وأكد سالم أن اليمين الإسرائيلي المتطرف له أجندة تتعلق باستفزاز مصر باستمرار، سواء عبر اتهامها بدعم 'حماس' وتسليحها عبر الأنفاق وغيره، وهو ما نفته القاهرة مرات عدة.

وفي الأسابيع الأولى للحرب على غزة، تصاعدت الاتهامات بتهريب سلاح إلى القطاع من مصر عبر الأنفاق، فيما ردت القاهرة ببيان لرئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان، في يناير (كانون الثاني) 2024 وصف فيه التصريحات الإسرائيلية بـ'المزاعم والادعاءات الباطلة'، موضحاً أن مصر قضت نهائياً على الأنفاق بين القطاع وسيناء، ودمرت أكثر من 1500 منها، مؤكداً أن مصر لديها السيادة الكاملة على أرضها، وتحكم السيطرة بصورة تامة على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواء مع قطاع غزة أو مع إسرائيل.

ويعتقد سفير مصر السابق لدى إسرائيل أن الرغبة في عدم معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ستدفع نتنياهو لتنفيذ اتفاق الهدنة، لافتاً إلى أن زيارة مبعوث ترمب للمنطقة ستيف ويتكوف إلى إسرائيل وكذلك محور فيلادلفي يشكل ضغطاً إضافياً على نتنياهو، إذ لا يريد الأخير خسارة دعم ساكن البيت الأبيض الجديد.

وظل الخلاف حول محور فيلادلفي سبباً في فشل جولات متعددة للتفاوض في الأشهر الماضية، حيث كانت كل من مصر وإسرائيل تتمسك بمواقفهما، لذلك عد مراقبون موافقة إسرائيل على اتفاق يقضي بانسحابها انتصاراً للموقف المصري.

ضمانات لتنفيذ الاتفاق

مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية اللواء عادل العمدة، أكد لـ'اندبندنت عربية' أن القاهرة تدرك أهمية محور فيلادلفي الاستراتيجية، ولديها القدرة على إجبار تل أبيب على تنفيذ اتفاق عام 2005، فضلاً عن بنود اتفاق غزة.

وقلل العمدة من أهمية تصريحات نتنياهو، مشيراً إلى أن مصر والولايات المتحدة حصلتا على ضمانات تمنع تراجع تل أبيب وحتى انتهاء الحرب بصورة كاملة. وأضاف، أن مصر لن تتهاون في تنفيذ بنود الصفقة، خصوصاً المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي من محور فيلادلفي.

وأرجع التصريحات الإسرائيلية المتعلقة بالتمسك في محور فيلادلفي إلى رغبة اليمين المتطرف في إثارة عدم الاستقرار في شأن اتفاق غزة والمنطقة ككل.

السيادة المصرية لم تمس

كذلك، عدّ رئيس جهاز الاستطلاع السابق اللواء نصر سالم التصريحات الإسرائيلية الأخيرة في شأن البقاء بمحور فيلادلفي مجرد 'مماطلة' فحسب، لأن عدم التزامها اتفاق غزة يعني فشلها في استرداد باقي الرهائن لدى 'حماس'.

وأوضح لـ'اندبندنت عربية' أن محور فيلادلفي يقع ضمن المنطقة (د) الموضحة باتفاقية السلام، وهي نحو 220 كيلومتراً من طابا إلى رفح، ونصت على خلو الشريط الحدودي من أي قوة مدرعة مع بقاء قوات حرس الحدود فحسب، كما أن محور فيلادلفي أو صلاح الدين ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، من ثم وجود القوات الإسرائيلية فيه لا يمس بالسيادة المصرية.

بحسب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979، قسمت أراضي شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق مع وضع ضوابط على الوجود العسكري فيها، فيما حددت على الجانب الإسرائيلي المنطقة 'د'، وهي شريط بعمق محدود يمتد بطول الحدود من خليج العقبة جنوباً حتى قطاع غزة شمالاً، وفيها تتمركز قوة إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة وأجهزتها العسكرية، والتحصينات وقوات المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة.

مراقبة المحور

وحول تركيب إسرائيل كاميرات مراقبة بطول المحور بحسب ما ذكر الإعلام العبري في وقت سابق، قال رئيس جهاز الاستطلاع السابق، إن ذلك لن يغير شيئاً، موضحاً أن تل أبيب لديها وسائل عدة لمراقبة المنطقة على رأسها المسيرات والبالون الطائر والرادارات والمستشعرات، وهي آليات تسمى 'إجراءات الطمأنة' لمنع أي مخالفة للاتفاقية، مؤكداً أن مصر أغلقت الأنفاق المؤدية لقطاع غزة منذ أعوام عدة.

وفي يوليو الماضي، نفى مصدر مصري رفيع المستوى وجود ترتيبات أمنية بين مصر وإسرائيل في شأن الحدود مع قطاع غزة، بعدما تحدثت تقارير إعلامية غربية عن ترتيبات لاستخدام 'نظام مراقبة عالي التقنية' لمراقبة الحدود بين الطرفين.

ووفق أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس محمد عبود، فإن تصريحات نتنياهو حول التمسك بالبقاء بمحور فيلادلفي تعد ضمن مساعيه لإفشال اتفاق غزة، فضلاً عن كونها رسالة تهدف للحفاظ على تماسك حكومته اليمينية المتطرفة، لكن 'فيلادلفي' يعد من الحدود المصرية الفلسطينية الخالصة وفق اتفاقية المعابر عام 2005، من ثم فأي وجود إسرائيلي هو مخالفة جسيمة للاتفاقات.

وقال عبود إلى 'اندبندنت عربية'، إن معظم قيادات الجيش الإسرائيلي على رأسهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، أكدوا أنه لا فائدة من 'فيلادلفي' من الناحية العسكرية، لكن نتنياهو يستخدمه كـ'مسمار جحا' لإفساد اتفاق غزة.

تحرك مصر لمصلحة الفلسطينيين

ورفض عبود الربط بين مصر وانسحاب إسرائيل من محور فيلادلفي. وعد أن أي انسحاب إسرائيلي يعد انتصاراً للجانب الفلسطيني، مشيراً إلى أن مصر ضغطت مع آخرين للتوصل إلى الاتفاق، وذلك لمصلحة القضية الفلسطينية، لكن السيادة المصرية لم تمس من الجانب الإسرائيلي بالسيطرة على الممر أو الجانب الفلسطيني من معبر رفح.

وعد عبود أن تمسك نتنياهو بالبقاء في محور فيلادلفي سيكلفه خسائر إقليمية بتوتر العلاقة مع دول الإقليم ومنها القاهرة، وكذلك دولياً مع إدارة ترمب الضامنة للاتفاق. وأوضح أنه في حال استمرار تفخيخ نتنياهو للاتفاق، من الوارد أن تعلق القاهرة والدوحة دور الوساطة كما حدث من قبل، إضافة إلى أنه من المتوقع أن يتعامل ترمب مع نتنياهو بسياسة 'العصا والجزرة' بتهديده بالتخلي عن دعم تل أبيب في ما يخص ملف المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك إمداده بالأسلحة والتضييق على الحكومة الإسرائيلية سياسياً ومادياً ودعم المعارضة في تل أبيب.

وأكد أن الخيار حالياً أمام نتنياهو إما رفض الصفقة بما يتسبب في انهيار حكومته، أو إتمامها والحصول امتيازات تثبت حكومته وينتج منها مكاسب للمنطقة بأكملها.