اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
تحوّل مقطع فيديو نُشر حديثًا من حفل زفاف ابنة علي شمخاني، ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في مجلس الدفاع وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، إلى قضية رأي عام تهز النخبة السياسية الإيرانية، بعدما أظهر الحفل مظاهر بذخ غير مألوفة في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة تحت وطأة العقوبات الأمريكية.
وذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن الفيديو الذي سُجّل في أحد أفخم فنادق طهران، وتحديدًا في فندق إسبيناس بارسيان، يعود إلى مايو 2024 لكنه أعيد تداوله مؤخرًا، لتشتعل مواقع التواصل بانتقادات لاذعة.
وكانت الصحيفة الإصلاحية آرمان ملي قد قدّرت تكلفة الحفل بنحو مليار و400 مليون تومان (نحو 21 ألف دولار أمريكي)، متسائلة في عنوان لافت: 'كيف يمكن مطالبة الشعب بالصبر على العقوبات وما خلفته من صعوبات اقتصادية بينما يُقام زفاف ابنة أمين سابق لمجلس الأمن القومي في أفخم قاعات البلاد؟'
جدل حول التناقض بين الخطاب الثوري والممارسات الفعلية
ظهور شمخاني في الفيديو وهو يرافق ابنته إلى القاعة أثار تساؤلات إضافية، خصوصًا أن الحفل بدا في 'القسم النسائي' حيث لم تلتزم بعض الحاضرات بالزي المحتشم الذي تفضله السلطات.
وقد اعتبر ناشطون أن هذا المشهد يجسد انفصام الخطاب الديني الرسمي الذي يفرض قيودًا صارمة على النساء في الفضاء العام، بينما تتجاهله النخبة في مناسباتها الخاصة.
وأشارت الخدمة الفارسية لـ'بي بي سي' إلى أن طريقة إدخال العروس لم تكن مألوفة في العائلات المتدينة، إذ تمّ على النمط الغربي، ما جعل الحادثة أكثر استفزازًا لدوائر المحافظين.
وزادت السخرية بعد أن ذكّرت وسائل إعلام إيرانية بتشكيل 'غرفة متابعة العفاف والحجاب' مؤخرًا، وإيفاد ٨٠ ألف عنصر للأمر بالمعروف، معتبرين أن الفارق بين 'المنع للشعب' و'الحرية للنخبة' لم يعد يُحتمل.
أبعاد سياسية خلف إعادة النشر
رغم أن الحفل مضى عليه أكثر من عام، يرى محللون أن إعادة نشر الفيديو في أكتوبر 2025 لم تكن مصادفة. فشمخاني، الذي كان قد تراجع نفوذه السياسي بعد إقالته من أمانة مجلس الأمن القومي، عاد مؤخرًا إلى الواجهة بتعيينه ممثلًا للمرشد في مجلس الدفاع. هذا التوقيت جعل كثيرين يرجحون أن تسريب الفيديو محاولة لتقويض عودته السياسية أو جزء من صراع بين أجنحة النظام.
شمخاني نفسه وصف التقارير بأنها 'مدفوعة سياسيًا'، بينما ذهبت شخصيات مقربة منه إلى أبعد من ذلك.
فقد صرّحت مهدية شادماني، ابنة قائد مقر 'خاتم الأنبياء' الذي قُتل في غارات إسرائيلية، بأن نشر الفيديو 'مشروع من الموساد'، معتبرة أن 'الاغتيال الجسدي فشل، والآن الهدف اغتيال الشخصية'.
ومن جانبها، وصفت وكالة دانشجو التابعة للبسيج نشر الفيديو بأنه 'انتهاك للخصوصية'، لكنها طالبت شمخاني بتقديم توضيحات علنية، في حين كتب الناشط السياسي سعيد شريعتي على منصة 'إكس': 'في بلد تستخدم أجهزته الأمنية المقاطع الخاصة ضد المعارضين، لا يمكن لأمين مجلس الأمن القومي السابق أن يشتكي من تسريب فيديو، فالمسؤولية تقع عليه قبل غيره'.
ثروة العائلة في دائرة الضوء
القضية لم تبق عند حدود الزفاف. إذ أعادت وسائل إعلام غربية، بينها الإندبندنت البريطانية، التذكير باتهامات سابقة حول 'الثروة الأسطورية لعائلة شمخاني'. وتداول الإيرانيون صورًا لمنازل فخمة وممتلكات منسوبة إليه أو لأبنائه، رغم نفي العائلة المتكرر.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن أبناء شمخاني ناشطون في المجال التجاري والنفطي، وأبرزهم محمد حسين شمخاني، الابن الأكبر، الذي يملك مع أشقائه شركة 'أدميرال' للشحن البحري، المتهمة من وزارة الخزانة الأمريكية بالالتفاف على العقوبات وبيع النفط الإيراني عبر شبكة من السفن والشركات الوهمية.
وفي أغسطس 2025، فرضت واشنطن حزمة عقوبات وصفت بأنها الأشد منذ عام 2018، شملت أكثر من 115 شخصًا وكيانًا، بينهم محمد حسين شمخاني وشركاته.
وجاء في بيان الخزانة أن نجل شمخاني 'يشرف على عمليات نقل النفط الإيراني والروسي'، فيما سبق أن فُرضت عقوبات على والده عام 2020.
كما كشفت وكالة 'إيلنا' الإيرانية أن السلطات الهندية صادرت سفينة تابعة لـ'أدميرال' في ميناء كاندلا، كانت تحمل شحنة نفط إيرانية، ما أكد حجم التشابك التجاري للعائلة مع شبكات الطاقة المحظورة دوليًا.
شمخاني بين الرفاهية والرمزية الثورية
اللافت أن الجدل حول الزفاف تزامن مع عودة شمخاني إلى الواجهة السياسية بعد إصابته في القصف الإسرائيلي الذي استهدف طهران مطلع العام، إذ أعلن أنه نجا من الهجوم بعد أن بقي ساعات تحت الأنقاض في برج فاخر شمال العاصمة طهران، ما أثار مزيدًا من الانتقادات حول نمط حياته الباذخ.
ويُذكر أن شمخاني، الذي قاد سابقًا القوات البحرية للحرس الثوري والجيش، شغل منصب أمين مجلس الأمن القومي الأعلى بين عامي 2013 و2023، وكان أحد أبرز مهندسي السياسة الإقليمية الإيرانية في العراق واليمن ولبنان. وبعد خلافه مع حكومة روحاني، عُيّن عضوًا في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو الموقع الذي يُمنح عادة للمسؤولين الكبار بعد انتهاء مهامهم الأمنية الحساسة.
تآكل الصورة العامة للنظام
ما يجعل هذه القضية خطيرة في نظر المراقبين هو انعكاسها المباشر على صورة النظام الإيراني في الداخل. فبينما يروّج المسؤولون لشعارات العدالة والمقاومة ضد 'الفساد الغربي'، يرى المواطن الإيراني اليوم أن الطبقة الحاكمة تمارس ما تنكره على الآخرين.
وأضافت الإندبندنت أن حدث الزفاف 'ألحق بالنظام الايراني ضررًا رمزيًا أعمق من أي عقوبة اقتصادية'، إذ كشف عن فجوة أخلاقية واجتماعية بين الحاكم والمحكوم. وفي مجتمع يعيش تضخمًا يتجاوز 40%، وبطالة مرتفعة، وتراجعًا حادًا في الريال، وأصبح مقطع مصوّر كفيلًا بإعادة فتح ملف الشرعية الثورية من أساسه.