اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٣٠ أب ٢٠٢٥
في ظل تصاعد التوترات الأمنية جنوب لبنان، وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية بشأن مسألة حصر السلاح بيد الدولة، انتشرت تقارير إعلامية تشير إلى احتمال رفض الجيش اللبناني تنفيذ هذه المهمة بالقوة.
وجاء رد المؤسسة العسكرية سريعا وحاسما، مؤكدا التزامها الكامل بتنفيذ المهام الموكلة إليها وفقا للقرار السياسي، ورفضها القاطع لأي تكهنات تمس بوحدتها أو دورها الوطني، لا سيما في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية وتنامي المخاطر على الحدود الجنوبية.
في هذا الصدد، يقول الدكتور عبداللة نعمة، المحلل السياسي اللبناني، إن تسليم سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان إلى الجيش اللبناني يأتي كجزء محوري من الورقة السياسية الأمنية التي حملها المبعوث الأمريكي توم باراك إلى بيروت.
وأضاف نعمة- خلال تصريحات لـ 'صدى البلد'، أن تتضمن هذه الخطة البنود التي تنص على حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، بما يشمل كافة الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات وخارجها، بالإضافة إلى سلاح 'حزب الله'، وذلك قبل نهاية العام الحالي.
وتابع: 'قد تم فعليا الشروع في تنفيذ هذه الخطة من خلال تسليم بعض الأسلحة التابعة لحركة 'فتح'، حيث وصل نجل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة اللبنانية قبل حوالي عشرة أيام، تمهيدا لإطلاق المرحلة الأولى من عملية التسليم، وتشير المعطيات الميدانية إلى أن هذه الخطوة بدأت تنفذ على الأرض، وسط مراقبة إقليمية ودولية دقيقة'.
وأوضح: 'أما فيما يتعلق بسلاح حركة 'حماس'، فقد تم تأجيل معالجته إلى المرحلة الأخيرة من العملية، نظرا لارتباطه الوثيق والمعقد بسلاح 'حزب الله'، ويفهم من هذا الترتيب أن معالجة هذا الملف لا يمكن أن تتم إلا ضمن تسوية شاملة تتضمن جميع الأطراف المسلحة في لبنان، وتحديدا الحزب الذي يتمتع بنفوذ عسكري وسياسي واسع'.
وأكمل: 'المفاوضات الجارية بين لبنان وإسرائيل لا تزال في مراحلها التمهيدية، وهناك العديد من المحطات المقبلة اللازمة للوصول إلى اتفاق نهائي، الأمر الذي يجعل المرحلة الحالية شديدة الحساسية من حيث التوقيت والمضمون'.
واختتم: 'الهدف الأساسي من هذه التحركات يتمثل في فرض سيادة الدولة اللبنانية بشكل كامل على أراضيها، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية فقط، واعتقد أن انطلاق عملية تسليم سلاح الفصائل الفلسطينية، خاصة حركة فتح، يضع 'حزب الله' في موقف حرج أمام الداخل اللبناني والمجتمع الدولي، إذ ينظر إليه الآن كالعقبة الأساسية أمام قيام دولة لبنانية تمتلك القرار الأمني والعسكري الكامل'.
ونفت قيادة الجيش اللبناني بشكل رسمي صحة التقارير الإعلامية التي زعمت أن المؤسسة العسكرية قد ترفض استخدام القوة لتنفيذ قرار حصر السلاح في البلاد.
وأكدت في بيان صادر عنها عبر وكالة الأنباء اللبنانية أن 'القيادة ستنفذ مهامها المطلوبة وفق ما يصدر عن السلطة السياسية، بكل مهنية ومسؤولية، حرصا على أمن الوطن واستقراره الداخلي'.
وأوضح البيان أن قيادة الجيش تؤدي واجباتها في هذه المرحلة الدقيقة بأعلى درجات الجدية والانضباط، استنادا إلى التوجيهات الرسمية، وضمن التزام صارم بالدور الوطني للمؤسسة العسكرية، وشددت على أن الجيش لن يتوانى عن القيام بمهامه، مهما بلغت التحديات والصعوبات.
وأضاف البيان أن العسكريين من مختلف الرتب قدموا تضحيات جسيمة في سبيل الدفاع عن سيادة الوطن، خصوصًا في ظل الاعتداءات المتواصلة التي ينفذها العدو الإسرائيلي ضد الأراضي اللبنانية.
وفي السياق نفسه، دعت قيادة الجيش كافة وسائل الإعلام إلى التوقف عن نشر معلومات غير دقيقة أو اجتهادات بشأن مواقف المؤسسة العسكرية، مؤكدة أن المرجع الوحيد لأي تفاصيل تخص الجيش هو بياناته الرسمية.
في خلفية هذا التصعيد، لا تزال التهديدات الإسرائيلية تلقي بظلالها على الوضع الأمني جنوب لبنان، وقد شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على لبنان في 8 أكتوبر 2023، تطور لاحقا إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر 2024، وأدى إلى سقوط أكثر من 4.000 شهيد، وقرابة 17.000 جريح، في حصيلة دامية تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعرض لها لبنان خلال هذا العدوان.
ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين 'حزب الله' وإسرائيل في 27 نوفمبر 2024، إلا أن تل أبيب استمرت في خرق هذا الاتفاق، حيث تجاوز عدد الانتهاكات الـ 3.000، وأسفرت تلك الخروقات عن استشهاد ما لا يقل عن 239 شخصا وإصابة 551 آخرين، وفق ما تؤكده البيانات اللبنانية الرسمية.
وفي تحد سافر للقرارات الدولية، لا تزال القوات الإسرائيلية تحتل خمس تلال لبنانية في الجنوب، كانت قد سيطرت عليها خلال الحرب الأخيرة، إلى جانب مناطق أخرى محتلة منذ عقود، ما يفاقم حالة التوتر الإقليمي ويثير قلقا متزايدا من احتمال اندلاع مواجهة جديدة.
في ظل هذا الوضع المتفجر، جددت قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، أمس، دعوتها إلى جميع الأطراف لاحترام الخط الأزرق الحدودي، ووقف الأعمال العدائية بشكل كامل.
وجاء بيان 'اليونيفيل' عقب حادث مأساوي وقع في بلدة الناقورة، جنوب البلاد، حيث استشهد ضابط وجندي من الجيش اللبناني وأصيب اثنان آخران بجروح، إثر انفجار طائرة مسيرة إسرائيلية أثناء قيام عناصر الجيش بمعاينتها بعد سقوطها.
وأعربت بعثة اليونيفيل عن تعازيها الحارة للقوات المسلحة اللبنانية ولعائلات الضحايا، متمنية الشفاء العاجل للمصابين، ومؤكدة أن هذه الحادثة 'تسلط الضوء على حجم التحديات والمخاطر التي تواجهها المؤسسة العسكرية اللبنانية أثناء تأدية مهامها في الجنوب'.
من جهتها، أكدت وكالة الأنباء اللبنانية في تغطيتها للحدث أن 'الطائرة المسيرة التابعة للعدو الإسرائيلي انفجرت أثناء قيام عناصر الجيش بفحصها، ما أدى إلى وقوع ضحايا في صفوفهم'.
وفي أول تعليق رسمي إسرائيلي، أقر جيش الاحتلال الجمعة بوقوع إصابات في صفوف الجيش اللبناني نتيجة انفجار المسيرة، زاعما فتح تحقيق في الحادث، بحسب ما ورد في بيان للناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر منصة 'إكس'.
تؤكد التطورات الأخيرة أن الجيش اللبناني يواجه تحديات معقدة، تتراوح بين الالتزام بالقرار السياسي الداخلي، ومواجهة الاعتداءات الخارجية المتكررة من قبل إسرائيل.
بينما تطرح مبادرات داخلية ودولية لحصر السلاح في يد الدولة، يبقى الجيش هو الضامن الأول لأمن البلاد واستقرارها، في ظل محاولات التشكيك بدوره أو زجه في معارك إعلامية لا تخدم المصلحة الوطنية.