اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
في تطور لافت داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية، كشف تقرير لشبكة إن بي سي نيوز عن مذكرة جديدة موقعة من وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجست ونائبه ستيف فاينبرج، تتضمن تعليمات صارمة تقيد تواصل موظفي البنتاجون مع أعضاء الكونجرس والجهات التشريعية الأخرى.
المذكرة، التي حصلت عليها الشبكة الإخبارية الأمريكية وأكدت وزارة الدفاع صحتها، تشترط على جميع العاملين الحصول على إذن مسبق من مكتب الشؤون التشريعية قبل أي تواصل مع المشرعين. وهي خطوة تمثل قطيعة مع النظام التقليدي الذي كان يسمح بمساحة واسعة من التواصل المباشر بين الإدارات المختلفة في البنتاجون والهيئات الرقابية في الكونجرس.
تصعيد داخل البنتاجون.. هل تنغلق واشنطن على نفسها في لحظة دولية حرجة؟
ووفقًا لـ إن بي سي نيوز، فإن هذا التوجيه يأتي في سياق سياسة أشمل يتبناها هيجست للسيطرة على الخطاب الصادر عن وزارة الدفاع، بعد أن رفضت خمس من كبريات الشبكات الأمريكية التوقيع على القيود الإعلامية الجديدة التي فرضها الوزير، واعتبرتها سابقة غير مسبوقة تهدد حرية الصحافة داخل المؤسسة العسكرية.
وتؤكد هذه الخطوة أن الإدارة الأمريكية الحالية تميل إلى إحكام قبضتها على المعلومات والتصريحات الصادرة عن الأجهزة الحساسة، في وقت تتزايد فيه التوترات مع الصين وروسيا وتتعاظم الأسئلة حول شفافية القرار العسكري في واشنطن.
أوروبا تراقب بقلق
في أوروبا، استقبلت العواصم الحليفة للولايات المتحدة هذا التحول بقدر كبير من الحذر. فمع تصاعد الحرب في أوكرانيا وازدياد اعتماد حلف الناتو على الدعم الأمريكي اللوجستي والاستخباراتي، ترى بعض الدول الأوروبية أن أي تضييق في تدفق المعلومات داخل المؤسسة الدفاعية الأمريكية قد ينعكس سلبًا على التنسيق العملياتي المشترك.
وأشار تقرير نشرته مجلة مودرن دبلوماسي إلى أن هذا النهج الجديد في واشنطن يُقرأ في بروكسل وباريس وبرلين بوصفه اتجاهًا نحو الانعزال الاستراتيجي. إذ يخشى الأوروبيون من أن يؤدي تشديد الرقابة داخل البنتاجون إلى إبطاء القرارات الحاسمة في إدارة الأزمات الدولية، وخصوصًا في ظل رغبة بعض دول أوروبا في الحفاظ على جسر تواصل مفتوح وسريع مع القيادة العسكرية الأمريكية.
ويرى محللون أن هذا التحول قد يضعف روح التحالف داخل الناتو، ويخلق نوعًا من الضبابية في تحديد المواقف المشتركة، خصوصًا مع تباين أولويات واشنطن التي أصبحت تركز أكثر على آسيا والمحيط الهادئ على حساب القارة الأوروبية.
ومع أن واشنطن تصف هذه الإجراءات بأنها 'تنظيم إداري ضروري'، إلا أن بعض الأصوات في أوروبا تعتبرها إشارة إلى انكماش الدور الأمريكي، في لحظة تحتاج فيها القارة إلى وضوح وتماسك أكبر في الموقف الغربي أمام روسيا.
تداعيات على الشرق الأوسط
أما في الشرق الأوسط، فانعكاسات هذه السياسة الجديدة تبدو أكثر حساسية. إذ تعتمد دول المنطقة على الشراكة الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة، سواء في مكافحة الإرهاب أو في تأمين الممرات الملاحية أو موازنة النفوذ الإيراني.
لكن عندما تصبح دوائر القرار في واشنطن أكثر انغلاقًا وأقل ميلًا للتواصل، فإن ذلك قد يُضعف ثقة الحلفاء التقليديين في وضوح الموقف الأمريكي.
ويرى خبراء في مراكز أبحاث بالدوحة وأبوظبي أن سياسة البنتاجون الجديدة قد تخلق فجوة في التنسيق الأمني، خصوصًا في الملفات المعقدة التي تتطلب تبادل معلومات دقيقًا ومتسقًا. كما يخشى البعض من أن تتحول هذه الفجوة إلى مساحة تتسلل منها قوى منافسة كروسيا والصين لتعزيز نفوذها في المنطقة عبر بناء شراكات دفاعية بديلة.
وفي المقابل، يرى مؤيدو هيجست أن الهدف من هذه الترتيبات تحقيق انضباط مؤسسي يحمي وحدة الخطاب العسكري الأمريكي، ويمنع تسرب الرسائل المتضاربة إلى الخارج. غير أن هذا الانضباط، كما يقول منتقدوه، قد يتحول إلى عزلة استراتيجية تُفقد واشنطن قدرتها على التحرك بمرونة في بيئة إقليمية متقلبة مثل الشرق الأوسط.
بين الأمن والشفافية
وكشف هذا التطور داخل البنتاجون عن اتجاه أوسع في السياسة الأمريكية، وهي تراجع تدريجي لمفهوم الانفتاح الاستراتيجي الذي ميز واشنطن لعقود.
فبينما تسعى الإدارة إلى ضبط المعلومات تحت ذريعة الأمن القومي، تتصاعد المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الثقة بين الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا والشرق الأوسط على حد سواء.
ويرجح المراقبون أن التوازن بين الأمن والشفافية لم يعد مجرد خيار إداري، بل أصبح اختبارًا جوهريًا لقدرة واشنطن على الاحتفاظ بدورها القيادي في عالم تتسارع فيه التحولات، وتتداخل فيه القوة بالمعلومة. فإذا اختارت أمريكا طريق الانغلاق، فإنها تخاطر بأن تفقد ما هو أثمن من القوة العسكرية ذاتها: الثقة في قيادتها للعالم الحر كما ترغب في التسويق بصورتها.


































