اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
دخلت القاهرة في مسارات متوازية مع 'حماس' وإسرائيل وتحضيرات لمؤتمر إعادة الإعمار
منذ قمة شرم الشيخ التي شهدت التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بدا أن مستقبل التهدئة يشوبه الغموض وتكتنف الخطوات المقبلة للاتفاق كثير من الضبابية.
لكن الرهان المصري كان الدفع نحو وقف القتال وتبادل الأسرى والمحتجزين مع العمل على تثبيث التهدئة، وهو ما ظهر في التحركات المتسارعة التي قامت بها القاهرة في الأيام الـ10 الماضية منذ توقيع الاتفاق، في مقابل دعوات إسرائيلية لتعطيل تنفيذه أو حتى العودة إلى القتال.
التحركات المصرية اتخذت مسارات متوازية، بداية من التنسيق مع القوى الدولية الفاعلة للضغط باتجاه تنفيذ إسرائيل التزاماتها بموجب الاتفاق، مروراً بالتواصل مع طرفي الاتفاق إسرائيل و'حماس' للتوجه نحو المرحلة الثانية منه، وإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني لرسم مستقبل إدارة غزة بعد الحرب، وحتى الإعلان عن مؤتمر لإعادة إعمار القطاع، وحشد الدعم الدولي للمشاركة فيه.
بعد ساعات من مؤتمر شرم الشيخ كانت الاستعدادات لفتح معبر رفح قد اكتملت لإدخال المساعدات، لتضع بذلك مصر إسرائيل أمام التزاماتها التي قطعتها في الاتفاق الذي أبرم بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
كما حرص وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي على نزع الذرائع الإسرائيلية لتعطيل الاتفاق بدعوى عدم تسليم جثامين المحتجزين، بحديثه في عدة وسائل إعلام أميركية عن قنوات اتصال مفتوحة مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي عن وجود صعوبات في استخراج تلك الجثامين من تحت الركام، وتأكيد أن تلك الرسالة نقلت للرئيس ترمب خلال وجوده في شرم الشيخ في الـ 13 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
كذلك، دعا الوزير المصري، في اتصالات مع عديد من نظرائه الأوروبيين وعلى رأسهم الفرنسي والبريطاني، إلى الالتزام ببنود اتفاق شرم الشيخ والعمل على الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تشمل ترتيبات إدارة غزة بعد الحرب والانسحاب الإسرائيلي إلى ما يعرف بالخط الأحمر، توازياً مع نزع سلاح 'حماس' وتشكيل قوة دولية لحفظ الأمن.
التحركات المتسارعة من جانب القاهرة جاءت في وقت تعالت فيه الأصوات داخل إسرائيل لاستئناف الحرب على القطاع، أبرزها من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، كما أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه ملتزم بإعادة جثامين المحتجزين كافة. معتبراً أن 'المعركة لم تنته بعد'.
وعلى الأرض، خرقت القوات الإسرائيلية وقف إطلاق النار مراراً، بخاصة في رفح التي شهدت في الـ 18 من أكتوبر الجاري قصفاً عنيفاً بعد توجيه اتهام لـ'حماس' بخرق الاتفاق، وهو ما لم يثبت بحسب تصريحات ترمب. كذلك أغلقت إسرائيل المعابر إلى غزة وفتحتها لاحقاً بضغط أميركي.
التحرك المصري الأبرز جاء بعد يومين من القصف الإسرائيلي على رفح، بزيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إسرائيل لإجراء محادثات مع نتنياهو، بهدف بحث كيفية تعزيز الهدنة. كما اجتمع رشاد مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الموجود في إسرائيل.
يرى المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن سلامة، أن زيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى إسرائيل جاءت لـ'تحصين الاتفاق بوقف الخروق من الجانبين'. مشدداً في تصريحاته لـ'اندبندنت عربية' على أهمية وجود قرار أممي من مجلس الأمن يلزم إسرائيل و'حماس' بالالتزام به، وتشكيل قوة دولية لفرض النظام في غزة بدلاً من الفوضى.
وشهد الأسبوع الماضي سلسلة من الزيارات الأميركية إلى إسرائيل، للضغط على نتنياهو لمواصلة تنفيذ اتفاق شرم الشيخ، إذ وصل المبعوثان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر في الـ21 من أكتوبر الجاري، وفي اليوم التالي نائب الرئيس جي دي فانس، ثم وصل وزير الخارجية ماركو روبيو الخميس الماضي، ومن المنتظر وصول نائبة المبعوث الأميركي مورجان أورتاجوس إلى إسرائيل في وقت لاحق.
وعدت هيئة البث الإسرائيلية أن توافد كبار المسؤولين الأميركيين يعد رسالة واضحة لحكومة نتنياهو بعدم اتخاذ خطوات تعرض وقف إطلاق النار للخطر. مضيفة، في تقرير نشر السبت، أن واشنطن تمنع تل أبيب من اتخاذ خطوات عدائية في غزة أو ضد حركة 'حماس'، بسبب تأخر إعادة جثامين المحتجزين الإسرائيليين.
فيما يتخوف سلامة من التحركات الأميركية بعد قرار إسرائيل ضم الضفة الغربية. مبرراً ذلك باستمرار المستوطنين الإسرائيليين في ضم الأراضي وقضمها 'ومن ثَم لن نجد أراضي لدولة فلسطينية' عند التفاوض عليها. مضيفاً أن هناك تفكيراً مشتركاً بين نتنياهو وترمب 'بشأن الاستفادة من قطاع غزة وموارده'. لافتاً إلى أن مصر تسعى إلى اتخاذ خطوات متوازية بوقف الحرب وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار خوفاً من الذرائع الإسرائيلية وعرقلة المضي قدماً في اتفاق غزة بمراحله.
بينما يرى مساعد وزير الخارجية السابق السفير حسين هريدي، أن هناك تنسيقاً للتحركات بين مصر وأميركا لوقف النار وتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب للسلام في غزة. لافتاً إلى رعاية مصر اتفاق الفصائل الفلسطينية على إطار عام للتحرك الفلسطيني، لتنفيذ خطة ترمب والمرحلة الثانية منها.
وشدد على أن هناك رسالة أميركية واضحة لنتنياهو بعدم المناورة في تنفيذ اتفاق غزة، وأن عليه الالتزام به، مؤكداً أن واشنطن جادة في التنفيذ ووقف الحرب، كما يظهر من افتتاح مركز التنسيق المدني العسكري في جنوب إسرائيل.
ودخلت مصر على خط نزع ذريعة جثامين المحتجزين من خلال إرسال معدات وفريق متخصص إلى غزة، للمساعدة في انتشال الجثامين، بدعم من معدات ومساعدات لوجيستية بهدف تحديد أماكن تلك الجثامين تحت الركام، في ظل حالة الدمار التي يشهدها القطاع، وفق ما أعلنه 'مصدر مسؤول' لقناة 'القاهرة' الإخبارية، فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن موافقة تل أبيب على دخول الفريق المصري يعد نتاجاً لضغط أميركي، بعدما كانت ترفض مشاركة أي فرق أجنبية في مساعدة 'حماس' على انتشال جثامين الرهائن.
وبحسب الاتفاق، الذي توصلت إليه إسرائيل و'حماس'، على الحركة الفلسطينية أن تعيد رفات 28 من الإسرائيليين الذين قضوا في أثناء احتجازهم في القطاع. وحتى الأربعاء الماضي كانت 'حماس' سلمت 16 منهم إلى الصليب الأحمر.
وفي خط مواز، عملت مصر على توحيد الصوت الفلسطيني المنقسم سعياً إلى الوصول لتوافق في شأن مستقبل غزة ما بعد الحرب، بخاصة أنه وفق خطة ترمب واتفاق شرم الشيخ فلن يكون لـ'حماس' دور في إدارة القطاع بل ستسلم السلطة إلى لجنة فلسطينية غير فصائلية.
لذلك، كانت المهمة الأولى لرئيس المخابرات المصرية عند عودته من إسرائيل هي الالتقاء مع ممثلي الفصائل الفلسطينية، ومن بينها 'حماس'، ونائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ ومدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج. كما نجحت القاهرة في جمع الشيخ مع رئيس وفد 'حماس' المفاوض خليل الحية.
وأثمرت اجتماعات القاهرة عن إعلان القوى والفصائل الفلسطينية على تسليم إدارة قطاع غزة إلى لجنة فلسطينية موقتة من أبناء القطاع، مشكلة من مستقلين 'تكنوقراط'، على أن تكون هناك لجنة دولية تشرف على تمويل وتنفيذ عملية إعادة الإعمار. وأوضح بيان صحافي في ختام الاجتماعات أنها جاءت في إطار مناقشات المرحلة الثانية من خطة ترمب لإنهاء حرب غزة، 'تمهيداً لعقد حوار فلسطيني شامل يهدف إلى حماية المشروع الوطني واستعادة الوحدة'.
كما اتفقت الفصائل على 'أهمية استصدار قرار أممي في شأن القوات الأممية الموقتة المزمع تشكيلها لمراقبة وقف إطلاق النار'. دعا البيان إلى 'عقد اجتماع عاجل لكل القوى والفصائل الفلسطينية للاتفاق على استراتيجية وطنية، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني'.
ويعتقد سلامة أنه يجب على مصر إنهاء الانقسام من خلال 'لم الشمل' وتقديم مقترحات تفضي إلى وحدة فلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للفصائل الفلسطينية، موضحاً أن اجتماع القاهرة استهدف عقد مؤتمر وطني جامع لإنهاء الخلافات بين الفرقاء.
المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب، قال إن القاهرة تحركت لتوحيد الصف الفلسطيني باستضافة قادة الفصائل في القاهرة، لإنهاء الانقسام وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني لـ'ضمان وجود قوة في غزة بمشاركة فلسطينية'. موضحاً، لـ'اندبندنت عربية'، أن خطة مصر في شأن مستقبل إدارة غزة بعد الحرب تنحصر في 'تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراط فترة موقتة'.
وقال الرقب، إن مصر أرادت تحصين اتفاق غزة بعقد مؤتمر شرم الشيخ للسلام لإلزام ترمب بضمانته الشخصية للاتفاق، خشية انقلاب إسرائيل عليه. مضيفاً أن إسرائيل اخترقت الاتفاق أكثر من 100 مرة بذريعة عدم تسلم جثامين الرهائن المتبقين في القطاع، مبررة بأن 'حماس' تماطل في استخراج الرفات، فضلاً عن التنصل من تنفيذ البروتوكول الإنساني.
ولفت إلى أن إدارة ترمب تدرك 'ألاعيب' إسرائيل، ولذا أرسلت أربعة من أبرز المسؤولين على رأسهم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، إضافة إلى إنشاء مركز التنسيق المدني العسكري في إسرائيل للإشراف بصورة مباشرة على تنفيذ الاتفاق'.
وكانت القيادة المركزية الأميركية افتتحت مركز التنسيق المدني - العسكري، الأسبوع الماضي، في جنوب إسرائيل، وعين الفريق باتريك فرانك، قائد الجيش الأميركي المركزي، مسؤولاً عسكرياً عنه، إضافة إلى تعيين الدبلوماسي الأميركي ستيفن فاجن في منصب المسؤول المدني. ويختص المركز بمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ويضم قاعة عمليات لتقييم التطورات لحظياً.
المسار الآخر لتعبيد الطريق أمام المراحل التالية من الاتفاق كان الحشد المصري لمؤتمر التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، إذ أعلنت مصر عزمها استضافة المؤتمر في النصف الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وأجرى وزير الخارجية المصري عديداً من الاتصالات الهاتفية مع وزراء خارجية دول أوروبية.
وكان تثبيت وقف إطلاق النار والدعوة إلى المشاركة في إعمار غزة من أول العناصر على أجندة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال زيارته إلى بروكسل الأسبوع الماضي، للمشاركة في القمة المصرية - الأوروبية الأولى.
كما دعا الرئيس السيسي الشعب المصري إلى التبرع لمصلحة جهود إعادة الإعمار 'تعبيراً عن التضامن والمسؤولية والمحبة تجاه الأشقاء الفلسطينيين'، وكلف رئيس مجلس الوزراء بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنية بالدولة 'لدراسة إنشاء آلية وطنية لجمع مساهمات وتبرعات المواطنين في إطار تمويل عملية إعادة إعمار قطاع غزة'.
وكانت مصر قد قدمت في مارس (آذار) الماضي خطة للتعافي المبكر وإعادة الإعمار في القطاع، وأقرتها القمة العربية في القاهرة، وحظيت بدعم منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي ودول كبرى مثل روسيا واليابان. وتتضمن الخطة مرحلة للتعافي المبكر ومرحلتين لإعادة الإعمار بكلفة إجمالية قدرها 53 مليار دولار.


































