اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٢٠ حزيران ٢٠٢٥
بينما تتجه أنظار العالم إلى مشاهد الدمار المتصاعدة جراء الحرب المفتوحة التي تشنها إسرائيل ضد إيران منذ أيام ، تتكشف ملامح معركة أخرى أكثر تعقيداً تدور فى الخفاء خلف الكواليس بعيداً عن شاشات الأخبار: إنها حرب الظل، أو الحرب السيبرانية، التي تحولت في الأيام الأخيرة إلى جزء أساسي من المواجهة الشاملة بين الطرفين.
ومع تصاعد الضربات العسكرية الميدانية، اتسعت رقعة التصعيد إلى ساحة جديدة تتجاوز حدود المعارك التقليدية، وسط مخاوف متزايدة من أن يقود هذا التصعيد الإلكتروني إلى مواجهة شاملة أكثر خطورة وتعقيداً.
منذ اليوم الأول للهجمات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت عسكرية وإقتصادية داخل إيران، كان واضحاً أن تلك العمليات لم تكن سوى جزء من خطة أوسع وأكثر تعقيداً. فقد ترافقت الضربات العسكرية التقليدية مع هجمات إلكترونية دقيقة ومنظمة استهدفت البنية التحتية الحيوية في إيران، في محاولة لشل القدرات الإيرانية على الرد، وإرباك مؤسسات الدولة سواء في القطاعات الحكومية أو العسكرية.
وفي خضم استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع عسكرية واقتصادية في عمق الأراضي الإيرانية، تصعّد إسرائيل بالتوازي حملتها السيبرانية المنظمة ضد طهران، مع تركيز واضح على استهداف البنية التحتية الحيوية للبلاد، حيث طالت عمليات الإختراق شبكات الكهرباء ومنظومات الإتصالات، في محاولة واضحة لإرباك القدرات اللوجستية الإيرانية وتعطيل خطوط الإمداد والتنسيق العسكري الداخلي.
لكن اللافت في هذه الهجمات هو إستهدافها المباشر لقطاع المال الإيراني، حيث تم إختراق أنظمة عدد من البنوك الإيرانية الكبرى، ما تسبب في تعطيل جزئي للخدمات المصرفية الإلكترونية وتعطيل عمل ماكينات الصراف الآلي في عدد من المدن الإيرانية الكبرى.
هذا الإستهداف المباشر للقطاع المالي أثار حالة من القلق في الشارع الإيراني، خصوصاً في ظل الأزمات الإقتصادية المتفاقمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات، ليضيف هذا التصعيد السيبراني مزيداً من الضغط على النظام الإيراني داخلياً.
لكن الهجوم الأكثر جرأة وقع حين تعرضت قنوات التلفزيون الإيراني الرسمي للإختراق، حيث فوجئ المواطنون الإيرانيون ببث رسائل وصور مناوئة للنظام الإيراني، في مشهد أعاد إلى الأذهان عمليات مماثلة وقعت في الأعوام السابقة، لكنه هذه المرة جاء في قلب تصعيد عسكري مباشر بين البلدين.
مثل هذه العمليات تمثل سلاحاً نفسياً خطيراً، إذ تتجاوز حدود التخريب إلى محاولة بث القلق في صفوف الرأي العام الإيراني، وإيصال رسالة بأن الدولة ليست قادرة على حماية فضائها الرقمي، فضلاً عن تهديد قدراتها في إدارة المواجهة الشاملة مع إسرائيل.
في المقابل، لم تتأخر إيران في محاولة الرد على هذه الهجمات بنفس السلاح، إذ أعلنت مجموعات إلكترونية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني تنفيذ هجمات إلكترونية مضادة استهدفت مواقع رسمية داخل إسرائيل، من بينها منصات إلكترونية تابعة لوزارات حكومية ومؤسسات رسمية.
كما شملت الهجمات محاولات لإختراق شبكات الطاقة الإسرائيلية ومنظومات إلكترونية حساسة إخرى، في محاولة لإظهار أن الرد الإيراني لن يقتصر على الساحة العسكرية فقط، بل سيمتد إلى المجال الرقمي بهدف إحداث تأثير مباشر على البنية التحتية الإسرائيلية.
ورغم ذلك، لا تزال الفجوة التقنية بين الطرفين واضحة لصالح إسرائيل، التي تمتلك واحدة من أكثر القدرات السيبرانية تقدماً على مستوى العالم. هذا التفوق النوعي يعود إلى تطور بنيتها التكنولوجية، فضلاً عن الدعم الكبير الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة الإستخبارات الغربية، ما يمنحها اليد العليا في إدارة هذا النوع من المواجهات بدقة وفاعلية أعلى مقارنة بالقدرات الإيرانية.
تشير التقديرات إلى أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الهجمات السيبرانية إلى إرباك القيادة الإيرانية وشل قدرتها على تنظيم رد عسكري منظم، ضمن استراتيجية تعتمد على الضغط المتزامن عسكرياً ورقمياً.
في المقابل، تعتبر طهران أن هذه العمليات تمثل إعلان حرب فعلياً، يستوجب الرد عليه بجميع الوسائل المتاحة، سواء عبر الهجمات الإلكترونية أو الضربات المباشرة.
التطور اللافت في هذا الصراع جاء اليوم مع إعلان إيران استهداف القرية التكنولوجية في بئر السبع جنوب إسرائيل بصاروخ مباشر، في هجوم وصف بأنه رسالة واضحة من طهران بأن المراكز الحيوية المدنية ذات الطابع التكنولوجي أصبحت ضمن بنك أهدافها.
ورغم أن الضربة لم تسفر عن خسائر بشرية كبيرة ، لكنها حملت دلالات رمزية خطيرة، خاصة وأنها ترافقت مع هجمات إلكترونية إيرانية استهدفت مواقع ومؤسسات إسرائيلية خلال الساعات الماضية ، في محاولة لإظهار أن الرد الإيراني لن يقتصر على المجال العسكري التقليدي فحسب، بل سيمتد ليشمل المجالات المدنية والرقمية معاً.
ما يزيد من خطورة هذا التصعيد هو أن الحروب السيبرانية لا تخضع لأي قوانين دولية واضحة حتى الآن. فبينما تنظم الحروب التقليدية معاهدات واتفاقيات دولية، لا توجد حتى اليوم معايير ملزمة تحكم إستخدام الأسلحة الإلكترونية أو تحدد الأهداف المسموح استهدافها.
هذا الفراغ القانوني يجعل من كل منشأة هدفاً محتملاً، سواء كانت مدنية أو عسكرية، ويزيد من إحتمالات وقوع أضرار واسعة النطاق قد تطال المدنيين بشكل مباشر.
المؤكد أن الصراع بين إسرائيل وإيران دخل مرحلة جديدة تختلف عن المواجهات التقليدية التي شهدها الشرق الأوسط سابقاً. فنحن الأن أمام حرب متعددة المستويات: عسكرية، سيبرانية، وإعلامية، تتشابك فيها الضربات الميدانية مع الهجمات الرقمية، لتشكّل صورة أكثر تعقيداً وخطورة من أي وقت مضى.
وبينما تتحول المواجهة تدريجياً من 'حرب ظل' إلى صراع مفتوح بلا خطوط حمراء، تصبح العواقب مفتوحة على جميع الإحتمالات، بما في ذلك الإنزلاق إلى مواجهة شاملة قد تغير ملامح الشرق الأوسط بالكامل.
إستمرار هذه الحرب السيبرانية بوتيرتها الحالية ينذر بتصعيد بالغ الخطورة قد يصل إلى إستهداف منشآت حساسة للغاية، مثل المفاعلات النووية الإيرانية أو منشآت الطاقة الكبرى في إسرائيل. وهو سيناريو من شأنه إشعال المنطقة بأسرها والدفع نحو كارثة إقليمية يصعب التحكم في تداعياتها.
فإستهداف مثل هذه المرافق الحيوية لن يبقى أثره محصوراً داخل حدود إيران أو إسرائيل فحسب، بل قد يؤدي إلى انفجار أوسع في المنطقة بأكملها، خاصة في ظل غياب آليات دولية واضحة لضبط مثل هذا النوع من الحروب الرقمية ، ما ينذر بتحول المواجهة من 'حرب ظل' إلى صراع شامل مفتوح لا يمكن التنبؤ بمآلاته.
في النهاية، الحرب السيبرانية لم تعد مجرد صراع في الفضاء الرقمي، بل أصبحت جزءاً أصيلاً من الحرب الشاملة التي تدور الآن بين إسرائيل وإيران. وبينما تتساقط الصواريخ في العلن، تتساقط الشبكات الرقمية والأنظمة الإلكترونية في الخفاء، مهددة بجعل هذه الحرب واحدة من أخطر النزاعات في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.
ويبقى السؤال المطروح الآن أمام هذا المشهد المتوتر: هل يستطيع الطرفان إبقاء هذا الصراع ضمن حدود الحرب السيبرانية وحسابات الردع المحسوبة، أم أن تشابك الجبهات قد يقود إلى انفجار أوسع لا يرغب فيه أحد، لكنه يظل احتمالاً قائماً في ظل غياب حلول دبلوماسية واضحة؟' وهل ستظل هذه الحرب الخفية محصورة بين الطرفين؟ أم أن المنطقة بأكملها ستنجر إلى مواجهة شاملة تبدأ بهجوم سيبراني وتنتهي بحرب مفتوحة على جميع الجبهات؟
الإجابة لا تزال معلقة، لكنها حتماً مرهونة بمدى قدرة الطرفين على ضبط إيقاع التصعيد، في صراع لم تعد خطوطه الحمراء واضحة.