اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
أعلنت روسيا، أنّ الرئيس فلاديمير بوتين أشرف شخصيًا على اختبار شامل لقواتها النووية، شمل إطلاق صاروخ “Yars” الباليستي من قاعدة برليسك، وإطلاق “Sineva” من غواصة نووية في بحر بارنتس، بالإضافة إلى صواريخ كروز نووية من قاذفات استراتيجية.
ويأتي هذا الإعلان في وقت يتواصل فيه التوتر بين روسيا والغرب، مع تمرين نووي متزامن لحلف الناتو، ما يعكس أن موسكو لا تكتفي بترسانة موجودة بل بإطلاق رسائل جاهزية وتهديد واضحة وفقًا لوكالة ناسا.
خلفية استراتيجية وتجديد العقيدة
في سبتمبر 2024، أعلن الكرملين أن موسكو تعمل على تحديث “العقيدة النووية الدفاعية” لكي تحدد الحالات التي قد تلجأ فيها لاستخدام الأسلحة النووية، بما في ذلك هجوم صاروخي تقليدي كبير أو هجوم من دولة غير نووية بدعم من دولة نووية، وبحسب تحليل لموقع “يورونيوز” فإن الوثيقة تُخفّض العتبة أمام استخدام روسيا للأسلحة النووية، ما يعني أن ما كان يُعتبر “خطًا أحمر” أصبح أكثر مرونة.
لماذا هذه الإشارات موجهة لواشنطن؟
أولًا، توقيت الاختبار والتصريحات يتزامن مع احتمال عودة ترامب إلى المشهد السياسي الأميركي أو تأثر إدارته بملفات تتعلق بروسيا، ما يجعل الرسالة موجهة شخصيًا لواشنطن.
ثانيًا، إلغاء روسيا ما كانت تعتبره “قيودًا أحادية” على نشر صواريخ متوسطة المدى أو عدم إشعار مسبق بإطلاق التجارب، مثل ما أعلن المتحدث باسم الكرملين بأن روسيا لم تعد تحت أي قيود لنشر صواريخ متوسطة المدى، ومن ثم يمكن تفسير التجارب والاختبارات بأنها إعلان لعدم خضوعها بعد الآن للمعايير السابقة.
ثالثًا، رفع روسيا سقف التهديد نوويًا بالتزامن مع التوسع العسكري في أوكرانيا، ما يضع واشنطن أمام معادلات تتجاوز الردّ التقليدي إلى حسابات التوازن النووي.
تحليلات المراقبين
ويشير المحللون إلى أن موسكو تستعمل هذا الملف كأداة ضغط متعددة الأبعاد: داخليًا لتعزيز الشرعية، وخارجيًا لتذكير الغرب بأن اللعبة النووية قد انطلقت من جديد. كما أن تصريحات بوتين بأن روسيا “أجرت آخر اختبار ناجح لصاروخ كروز نووي مظنّون” مثل “Burevestnik” تُعدّ بمثابة دعوة إلى إعادة النظر في قواعد الردع التقليدي.
ويضيف التقرير أن الغرب بدأ يسجّل هذا التحول، لاسيما بعد إعلان روسيا أنها ستعتبر أي تحالف يقف ضدها كمهاجم.
تداعيات أمريكية وعالمية
من المنظور الأمريكي، هذه التطورات قد تضغط على إدارة ترامب لاتخاذ أحد خيارين: إما تصعيد نووي مضاد – مثل زيادة الإنفاق على الصواريخ أو تحديث الردع – أو الدخول في مفاوضات هدنة نووية تعيد المعاهدات إلى الطاولة.
وعلى الصعيد العالمي، قد تشكّل هذه التجارب دافعًا جديدًا لسباق تسليحي نووي، ما يعيد النظر في معاهدة حظر التجارب النووية الشاملة (CTBT) التي روسيا هددت بإنهائها، وأيضا معاهدة “نيو ستارت” بين موسكو وواشنطن.
كما أن المنطقة الأوروبية على سبيل المثال تجد نفسها مجددًا في دائرة مخاطرة، إذ أن نشر روسيا لصواريخ متوسطة المدى أو تغيير عقيدتها النووية يعيد سيناريو الحرب الباردة من جديد، لكن في ظروف تقنية وسيبرانية مختلفة، وأشار فريق من الخبراء إلى أن ما حدث ليس مجرد “اختبار صاروخي” بل “إعلان حالة جاهزية نووية” وتغيير في قواعد اللعبة. فعندما تطلق دولة مثل روسيا صاروخًا من غواصة أو تطلق تدريبات تشمل قاذفات وصواريخ استراتيجية، فإنها تدخل في بعد رمزي — جيوسياسي — استراتيجي في آن واحد.
ولهذا السبب، أصبح على إدارة ترامب، أن تقيّم ليس فقط الاستجابة العسكرية التقليدية، بل السياسات التي تحيط بالردع النووي، والتحالفات التي تُعيد تشكيل موازين القوة. هذا من شأنه أن يُحدث تغييرًا في ميزان القيم الدولية: من “عدم أول استخدام” إلى “خصم أول استخدام” أو “جاهزية أولية” قد تُغيّر قواعد الاشتباك.
وتمثل الاختبارات التي أعلنتها روسيا، وتحديثها لعقيدتها النووية، رسالة واضحة بأنها لم تعد تسعى فقط للحفاظ على ترسانتها، بل لإظهار قدرتها على تشغيلها وإشغال الغرب بردّ سريع متعدّد الأبعاد. والهدف ليس فقط استعراضًا عسكريًا، بل تغييرًا هيكليًا في التوازن الاستراتيجي.
وبالتالي، فإن إدارة ترامب اليوم أمام مـعـادلة صعبة: هل تتجاهل الرسالة وتواصل سياساتها المعتادة؟ أم تعيد رسم أولوياتها الأمنية لتشمل الردع النووي كخط مباشر وليس خيارًا جـانبيًا؟ في عالمٍ يتغير فيه مفهوم الحرب والردع، فإن “رسالة صواريخ روسيا” ليست للاستهلاك الإعلامي فحسب، بل هي منطق جديد ينبغي أخذه بجدية.


































