اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٢٣ أيلول ٢٠٢٥
شهد العالم تطورًا سياسيًا لافتًا، حين أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة وصفها مراقبون بأنها فارقة في مسار القضية الفلسطينية، وبداية محتملة لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هذه القرارات لم تأتِ بمعزل عن الحراك الدبلوماسي المكثف الذي تقوده السعودية وفرنسا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يتوقع أن تلتحق بها دول أخرى، في مقدمتها فرنسا.
الإعلانات جاءت متزامنة من قادة الدول الأربع. فقد أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الاعتراف بفلسطين يهدف إلى 'إحياء الأمل بالسلام وحل الدولتين'، مشددًا في الوقت نفسه على رفض أي دور لحركة حماس في مستقبل الدولة الفلسطينية.
من جانبه، قال رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إن بلاده ترى في الاعتراف جزءًا من 'جهد دولي متضافر للحفاظ على إمكانية حل الدولتين'، فيما اعتبر نظيره الأسترالي أنتوني ألبانيزي أن القرار يعكس 'التزام أستراليا الطويل الأمد بالسلام العادل'.
أما وزير الخارجية البرتغالي باولو رانغيل، فقد وصف الاعتراف بأنه 'تحقيق لنهج أساسي وثابت في السياسة الخارجية لبلاده'، مؤكدًا أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق سلام دائم.
الاعترافات تزامنت مع تحركات دبلوماسية سعودية فرنسية، تمثلت في مؤتمر خاص على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يقود البلدان مبادرة 'إعلان نيويورك' التي تهدف لإحياء عملية السلام عبر جدول زمني وخطوات ملموسة لإقامة الدولة الفلسطينية.
ويؤكد مراقبون أن هذا الزخم لم يكن ليتحقق لولا الدعم العربي، خصوصًا السعودي، الذي لعب دورًا محوريًا في إقناع قوى دولية بضرورة اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ حل الدولتين.
رحبت السلطة الفلسطينية بالخطوة ووصفتها بـ'التاريخية'. الرئيس محمود عباس أكد أن الاعترافات تمثل 'خطوة هامة نحو سلام دائم'، مجددًا التزام السلطة بالإصلاحات التي تعهدت بها.
بدورها، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن اعتراف بريطانيا على وجه الخصوص يحمل 'وقعًا خاصًا'، نظرًا لدور لندن التاريخي في القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور. كما أثنت على 'الدور السعودي الكبير' في الدفع نحو اعترافات متتالية.
نائب رئيس الوزراء الفلسطيني حسين الشيخ وصف اليوم بأنه 'تاريخي'، فيما رأت حماس أن هذه التطورات 'انتصار للحق الفلسطيني ورسالة واضحة أن الاحتلال لن يطمس الحقوق الوطنية'.
على الجانب الآخر، جاءت ردود الفعل الإسرائيلية غاضبة وحادة. وزارة الخارجية الإسرائيلية وصفت الاعتراف البريطاني بأنه 'مكافأة لحماس'، فيما اعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إقامة دولة فلسطينية 'تهديد لوجود إسرائيل' و'جائزة للإرهاب'.
وزراء اليمين المتطرف ذهبوا أبعد من ذلك؛ حيث دعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى 'فرض السيادة فورًا على الضفة الغربية'، بينما شدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على أن 'أيام تحديد بريطانيا ودول أخرى لمستقبل إسرائيل قد ولّت'، داعيًا إلى خطوات مضادة.
ويرى اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، أن هذه الاعترافات ليست مجرد موقف سياسي، بل محطة محورية تحمل أبعادًا قانونية ودبلوماسية قد تعيد رسم ملامح المرحلة المقبلة.
يشدد السيد على أن هذه الخطوة لم تأتِ بمعزل عن المشهد الدولي، بل جاءت في إطار تحركات منسقة تقودها كلٌّ من السعودية وفرنسا لإحياء فكرة 'حل الدولتين' بعد سنوات من التآكل والتجاهل.
ويضيف أن الاعتراف البريطاني على وجه الخصوص يحمل رمزية مضاعفة، نظرًا لارتباط بريطانيا التاريخي بالقضية الفلسطينية منذ 'وعد بلفور'، ما يجعل هذه الخطوة أقرب إلى تصحيح رمزي لمسار طالما اتسم بالانحياز.
يرى الخبير أن الاعترافات الجديدة تمثل رسالة قوية لإسرائيل، مفادها أن المجتمع الدولي لم يعد مستعدًا لمنحها غطاءً مفتوحًا، خاصة في ظل الحرب المدمرة على غزة.
ويشير إلى أن هذا التحوّل يعكس تغيّرًا تدريجيًا في المزاج السياسي الغربي، حيث بدأت حكومات كبرى تدرك أن استمرار الصراع دون تسوية عادلة يهدد الأمن والاستقرار العالمي.
من الناحية القانونية، يوضح السيد أن الاعترافات تعزز مكانة فلسطين كدولة ذات سيادة، وتمنحها أرضية أقوى في المحافل الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. كما أنها تفتح الباب أمام مساعٍ فلسطينية متجددة للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مدعومة هذه المرة بغطاء سياسي أوسع.
غير أن السيد يحذر من أن هذه الاعترافات وحدها لا تكفي لتحقيق التغيير المنشود، إذ تضع القيادة الفلسطينية أمام مسؤولية كبرى تتمثل في توحيد الصف الداخلي وإنهاء الانقسام بين السلطة الوطنية وحركة حماس. فبدون جبهة فلسطينية موحدة ومؤسسات قوية، قد تضيع هذه الفرصة التاريخية.
في المقابل، يشير السيد إلى أن ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة تكشف عن مخاوف حقيقية لدى تل أبيب من أن تتحول هذه الاعترافات إلى كرة ثلج، تدفع دولًا أوروبية كبرى مثل فرنسا وألمانيا إلى اتخاذ خطوات مشابهة. ويتوقع أن تلجأ إسرائيل إلى تصعيد ميداني ودبلوماسي لإجهاض هذا المسار ومنع تمدده.
يخلص السيد إلى أن اعتراف أربع دول غربية كبرى بدولة فلسطين يشكل تحوّلًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله. فهو يعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية بعد سنوات من الجمود، لكنه في الوقت نفسه اختبار عملي لقدرة الفلسطينيين والدول العربية على استثمار هذه اللحظة التاريخية وتحويلها من خطوة رمزية إلى مسار سياسي متكامل يفضي إلى الدولة الفلسطينية المستقلة.
قد لا تغيّر الاعترافات البريطانية والكندية والأسترالية والبرتغالية المعادلة على الأرض بين ليلة وضحاها، لكنها بالتأكيد فتحت نافذة جديدة للأمل، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية بعد سنوات من التراجع.
اليوم، يقف الفلسطينيون أمام لحظة مفصلية.. إما أن يحوّلوا الزخم الدولي إلى إنجاز سياسي ودبلوماسي يقود إلى دولتهم المستقلة، أو أن تضيع الفرصة مجددًا وسط الانقسامات الداخلية والتحديات الإقليمية. وبينما يحتفي الفلسطينيون بهذا 'اليوم التاريخي'، يبقى العالم مترقبًا لمعرفة إن كانت هذه الاعترافات ستكون بداية مرحلة جديدة من السلام، أم محطة رمزية أخرى في مسيرة طويلة ومعقدة.