اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
تشهد العلاقات الروسية – السورية منعطفًا دقيقًا، بعدما أخفقت موسكو ودمشق في التوصل إلى أي اتفاق جديد بشأن مصير القواعد العسكرية الروسية المنتشرة على الأراضي السورية، وفقا لموقع Militarnyi المتخصص في الشؤون الدفاعية، ويؤشر هذا التعثر إلى بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين، بعد أعوام من الشراكة العسكرية التي رسخها نظام بشار الأسد في ذروة الحرب الأهلية السورية منذ 2011.
دمشق ترفض التجديد دون 'منفعة متبادلة'
أكد وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني في تصريحات نقلتها سانا أن بلاده 'تجري مفاوضات مع روسيا لمراجعة الاتفاقيات القائمة التي تنظم التعاون الثنائي، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالوجود العسكري الروسي'، لكنه أوضح أن 'أي اتفاق جديد يجب أن يقوم على أساس المنفعة المتبادلة'.
وأضاف الشيباني أن بلاده 'لا تستبعد توقيع اتفاقات مستقبلية مع موسكو، شريطة أن تراعي المصالح الوطنية السورية وألا تتعارض مع السيادة أو الحقوق'.
وأشار الوزير إلى أن المحادثات مع الجانب الروسي لم تسفر عن أي تفاهمات جديدة حتى الآن، في إشارة إلى اتساع هوة الخلاف حول مستقبل القواعد الروسية، وعلى رأسها قاعدتا طرطوس البحرية وحميميم الجوية، اللتان تمثلان العمود الفقري للوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط.
إرث الأسد واتفاق الـ49 عامًا
خلال زيارة الرئيس السوري الجديد فاروق الشرع إلى موسكو مطلع أكتوبر الجاري، ناقش الجانبان ملفات حساسة، من بينها مصير الرئيس السابق بشار الأسد، وعودة العسكريين السوريين الذين غادروا البلاد، إضافة إلى مستقبل العلاقات الثنائية وآفاق التعاون ولكن وفقًا لتقارير Militarnyi ورويترز، لم يتم التوصل إلى أي توافق بشأن مصير القواعد الروسية في سوريا.
وكانت روسيا قد وقّعت عام 2017 اتفاقًا مع نظام الأسد يمنحها الحق في استخدام تلك القواعد لمدة 49 عامًا قابلة للتجديد تلقائيًا. غير أن الحكومة السورية الجديدة أعلنت تعليق العمل بجميع الاتفاقيات الموقعة في عهد النظام السابق، معتبرة أنها 'لم تعد تخدم مصالح الشعب السوري'، بحسب تصريح الشيباني.
خطوات دبلوماسية محسوبة وتوازنات جديدة
أكد الوزير السوري أن بلاده تتعامل مع الملف الروسي بمنهج دبلوماسي حذر وخطوات محسوبة، 'دون أي تنازلات تمس حقوق سوريا أو سيادتها'، مشيرًا إلى أن بلاده تسعى لاستثمار مكانتها الدولية في تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين وأوروبا بما يخدم مصالح الشعب السوري.
وأضاف الشيباني إن سوريا تعمل على 'استعادة علاقاتها مع الصين التي كانت في السابق منحازة سياسيًا للنظام السابق واستخدمت حق النقض لصالحه في مجلس الأمن'، مضيفًا أن دمشق 'تستعد للقيام بأول زيارة رسمية إلى بكين الشهر المقبل'.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الزيارة تمثل إشارة واضحة إلى سعي دمشق لإعادة التوازن بين شريكيها التقليديين — موسكو وبكين — في ظل تراجع نفوذ روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، وتزايد الضغوط الاقتصادية والعسكرية عليها.
موسكو: القواعد عامل استقرار لا عبء
من جانبها، نقلت وكالة تاس الروسية عن مصادر في وزارة الدفاع أن موسكو 'تعتبر وجودها العسكري في سوريا عامل استقرار في المنطقة، وليس موضع مساومة'، لكنها في الوقت نفسه لم تُخفِ خيبة أملها من غياب أي اتفاق جديد خلال المحادثات الأخيرة.
وأظهرت الصور التي نشرتها الوكالة رئيس أركان الجيش السوري اللواء علي النسان في موسكو خلال اجتماعات أكتوبر 2025، في إشارة إلى استمرار الاتصالات العسكرية رغم الجمود السياسي.
ووفقًا لتحليل نشرته منصة بي بي سي مونيترينج، فإن فشل الطرفين في تثبيت تفاهم جديد يعكس تراجع قدرة موسكو على فرض شروطها التقليدية، بعد انشغالها بجبهات أوكرانيا، وتراجع قدرتها على تمويل وتموين عملياتها في الخارج.
قواعد طرطوس وحميميم بين الشكوك والبدائل
تشكل القواعد الروسية في طرطوس واللاذقية منذ عام 2015 محور النفوذ الروسي في المشرق العربي، إذ من خلالها تدير موسكو عملياتها الجوية والبحرية، وتضمن وجودها العسكري في البحر المتوسط. غير أن تعليق الاتفاقيات السابقة يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة، قد تشمل إعادة التفاوض حول دور هذه القواعد أو منح امتيازات مؤقتة مشروطة بمشاريع اقتصادية أو أمنية مشتركة.
ويرى محللون أن انسحابًا جزئيًا أو تعديلًا في مهام هذه القواعد سيعيد رسم خريطة النفوذ العسكري في سوريا، وربما يفتح المجال أمام الصين لتعزيز حضورها الاقتصادي والعسكري في شرق المتوسط.
تتجاوز الأزمة الراهنة بعدها الثنائي، لتكشف عن إعادة هيكلة أوسع في التحالفات الإقليمية والدولية داخل سوريا. فدمشق، التي كانت حتى وقت قريب تعتمد كليًا على المظلة الروسية، تبدو اليوم أكثر جرأة في إعادة تعريف أولوياتها ومصالحها.
أما موسكو، المثقلة بتبعات حربها الطويلة في أوكرانيا، فباتت مضطرة لإعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط، في ظل منافسة صينية متنامية وضغوط أمريكية وأوروبية متصاعدة.