اخبار مصر
موقع كل يوم -الدستور
نشر بتاريخ: ١ أيلول ٢٠٢٤
في الأسابيع الأخيرة، تعرضت ولاية دارفور في السودان لظاهرة غير اعتيادية تمثلت في تساقط أمطار سوداء حيث أثارت هذه الحالة قلقًا كبيرًا بين السكان وأثارت اهتمامًا علميًا واسعًا.
وعلق السفير مصطفى الشربيني، الخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ والمراقب باتفاقية باريس لتغير المناخ بالأمم المتحدة في حديثه لـ“الدستور” على ذلك بأن التغير المناخي في شمال دارفور يعد غير مسبوقًَا تقريبًا.
وتابع أن هذه التغيرات قد تكون مصحوبة بتلوث ناتج عن الحريق والأسلحة المدمرة المستخدمة في النزاعات، حيث تؤدي الأمطار الحمضية إلى تأثيرات بيئية خطيرة، ولفت الشربيني إلى كيفية تفاعل مركبات كيميائية مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين مع الماء والأكسجين في الغلاف الجوي، مما يساهم في تكوين الأمطار الحمضية.
أضاف أن الأمطار الحمضية تبدًا عندما تنبعث مركبات مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين إلى الهواء ترتفع هذه المواد عاليًا في الغلاف الجوي، حيث تتفاعل مع الماء والأكسجين والمواد الكيميائية الأخرى لتكوين أحماض مثل حمض الكبريتيك وحمض النيتريك ومن ثم تسقط هذه الأحماض على الأرض مع الأمطار، مما يؤدي إلى تلوث البيئات الطبيعية.
وأكد الشربيني أن تأثيرات التغير المناخي، بما في ذلك التصحر، ترتبط بشكل مباشر بالصراعات في دارفور لافتًا إلى أن التصحر أدى إلى زيادة الضغوط على سبل عيش المجتمعات الرعوية، مما أجبرها على الانتقال جنوبًا بحثًا عن المراعي.
يعزو الخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ حدوث الأمطار السوداء في السودان إلى انتشار الحرب في إقليم دارفور، والتي تسببت في تدمير البيئة من خلال حرق المراعي والمزارع، مؤكدًا أن ذلك يزيد من كمية ثاني أكسيد الكبريت والهباء الجوي، مما يعزز احتمالية ظهور الأمطار الحمضية السوداء.
وأشار إلى ضرورة إجراء التحليل الكيميائي والفيزيائي أو الميكروبيولوجي للعينات من الأمطار السوداء لفهم حجم الكارثة البيئية بشكل علمي، موضحًا أن يشمل ذلك تقييم التأثيرات المحتملة للأمطار الحمضية كالطفرات الجينية على الإنسان والكائنات الحية الأخرى وتحليل تأثيرها على المياه العذبة، البيئة البحرية، التربة، والغطاء النباتي في المناطق الرعوية.
وفقًا لدراسة نشرتها مجلةEnvironmental Science & Technology في 2019، أكدت أن الصراعات العسكرية تؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الجسيمات الدقيقة والملوثات إلى الجو، والتي يمكن أن تساهم في تشكيل الأمطار السوداء (Smith et al.، 2019).
كما يعد من الأسباب كذلك الحرائق الكبيرة في المناطق الزراعية والغابات والتي تلعب دورًا مهمًا في ظهور تلك الأمطار السوداء، وذلك يحدث عندما تحترق المواد العضوية، مثل الأشجار والمحاصيل، إذ تنبعث منها كميات هائلة من الدخان والجسيمات الدقيقة، ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في عام 2020، فإن الحرائق في الغابات تنتج ملوثات مثل الكربون الأسود والتي تساهم في تغيير لون الأمطار إلى الأسود (Johnson et al.، 2020).
تعد كذلك الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والفحم، قد تسهم أيضًا في ظهور الأمطار السوداء، إذ أن المواد الكيميائية مثل ثاني أكسيد الكبريت (SO₂) وثاني أكسيد النيتروجين (NO₂) تتفاعل مع بخار الماء لتكوين أحماض تسقط مع الأمطار، وذلك حسب ما أثبتت دراسة أجراها معهد ماكس بلانك في ألمانيا عام 2021 أوضحت أن الانبعاثات الصناعية تزيد من احتمال حدوث الأمطار السوداء (Müller et al.، 2021).
تؤدي الأمطار السوداء تؤدي إلى تلوث التربة والمياه بشكل كبير، إذ أن المواد الكيميائية الحمضية التي تحتوي عليها الأمطار السوداء تؤدي إلى انخفاض جودة التربة، مما يؤثر على نمو المحاصيل الزراعية، وذلك حسب دراسة نشرتها مجلة البيئة الدولية في عام 2018 والتي أظهرت أن التلوث الحمضي الناجم عن الأمطار السوداء يمكن أن يسبب انخفاضًا في خصوبة التربة وتدهور نمو المحاصيل (Wang et al.، 2018).
كذلك أثبتت دراسة أجريت في مناطق متضررة من الأمطار السوداء في كوريا الجنوبية، أجريت في جامعة سيول أن الأمطار السوداء أدت إلى تلوث المياه الجوفية بمستويات مرتفعة من المعادن الثقيلة، مما أثر سلبًا على الزراعة.
كما تؤثر الأمطار السوداء بتأثيرات ضارة على النباتات، إذ أن الأحماض الموجودة في الأمطار السوداء يمكن أن تؤدي إلى تلف أوراق النباتات وتقليل قدرة النباتات على القيام بعملية التمثيل الضوئي، وذلك حسب دراسة في جامعة ستانفورد أكدت أن الأمطار السوداء يمكن أن تسبب أضرارًا للأشجار والمحاصيل الزراعية، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية (Thompson et al.، 2019)، كما أكدت دراسة أجرتها جامعة أوتاه عام 2019، تم العثور على أن الأمطار السوداء أدت إلى تدهور الغطاء النباتي في مناطق غرب الولايات المتحدة، مع زيادة في معدلات موت النباتات (Smith et al.، 2019).
الحياة البرية تتأثر أيضًا بالأمطار السوداء حيث أنه بوصول التلوث الكيميائي إلى التربة والمياه يمكن أن يؤثر على صحة الحيوانات البرية، وذلك حسب دراسة نشرتها مجلة علم الأحياء في عام 2020 أظهرت أن التلوث الناتج عن الأمطار السوداء يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية للحيوانات البرية مثل الأسماك والطيور (Miller et al.، 2020).
وفي دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا على تأثيرات الأمطار السوداء على الأسماك في نهر كولورادو، تم العثور على تأثيرات سلبية على صحة الأسماك، بما في ذلك انخفاض في أعداد الأنواع السمكية (Johnson et al.، 2019).
تسبب الأمطار السوداء أيضًا مشاكل صحية للإنسان حيث أن التعرض لماء ملوث أو تربة ملوثة قد يؤدي إلى مشاكل صحية تتراوح من التهابات جلدية إلى أمراض تنفسية، وذلك حسب دراسة نشرتها مجلة الطب البيئي في عام 2021 أظهرت أن التعرض للأمطار السوداء يمكن أن يسبب تهيجًا في الجهاز التنفسي ويزيد من مخاطر الأمراض التنفسية (Brown et al.، 2021)، وفي دراسة أجريت في مدينة نيويورك بعد حدث مماثل، تم العثور على زيادة في حالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي بين السكان المتعرضين للأمطار السوداء (Williams et al.، 2020).