اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
لا تحظى بالاهتمام الرسمي ومن ثمّ الجماهيري وفنانون يشددون على ضرورة إدماج ثقافة الفنون التشكيلية في التعليم والإعلام والتوعية بأهميتها
لا تقل أهمية متاحف الفنون بشتى أنواعها عن متاحف الآثار، وربما في بعض الأحيان يحظى الإقبال عليها بالأهمية نفسها، ففي متحف اللوفر الذي يعد من أشهر المتاحف في العالم يصطف الجمهور في صفوف ممتدة لمشاهدة الموناليزا التي قد يتوجه الناس خصيصاً للمتحف لمشاهدتها، الشيء نفسه يحدث في كثير من المتاحف التي تقدم مقتنياتها عرضاً ثرياً يوثق تاريخ الفن، ويعكس جانباً من التراث الثقافي والحضاري قدمه إبداع الإنسان.
بصورة عامة في العالم العربي لا تحظى متاحف الفنون بالمكانة ذاتها، وعند الحديث عن مصر على وجه التحديد فنجد أنها تضم مجموعة من أهم متاحف الفنون في المنطقة العربية، باعتبارها تشمل أعمالاً لفنانين مصريين من أجيال مختلفة منذ الرعيل الأول للفنانين الذين بدأوا مسيرة الفن المصري الحديث في أوائل القرن الـ20 مروراً بأجيال مختلفة تعاقبت من كبار الفنانين، إضافة إلى مجموعات نادرة من الأعمال التشكيلية لفنانين عالميين.
طبقاً لموقع قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة المصرية فإن هناك 16 متحفاً فنياً تابعاً لوزارة الثقافة، بعضها متاحف شهيرة مثل متحف الفن المصري الحديث، ومتحف محمود خليل وحرمه، ومتحف الخزف الإسلامي، وبعضها على رغم أهميته قد لا يعرف الناس كثير عنها أو عن أصحابها مثل متحف النصر للفن الحديث ببورسعيد، ومتحف حسن حشمت بمنطقة عين شمس، ومتحف الفنانة إنجي أفلاطون بقصر الأمير طاز، ومتحف الأمير محمد وحيد الدين سليم بحي المطرية، ومتحف الفن والحديقة بحي الزمالك بالقاهرة، ومتحف عفت ناجي وسعد الخادم بحي الزيتون.
المتأمل التوزيع الجغرافي لهذه المتاحف يجد أنها متركزة في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، وأن غالب المحافظات المصرية لا يوجد بها متاحف فنية من الأساس بما في ذلك المحافظات التي بها تدفقات سياحية كبيرة، التي يمكن أن تكون مثل هذه النوعية من المتاحف وسيلة للجذب السياحي فيها، وعلى رغم أن بعض هذه المتاحف تقيم فعاليات ثقافية يشارك فيها الجمهور فإن الإقبال عليها يبقى محدوداً مقارنة بنوعيات أخرى من المتاحف. وعليه يبقى التساؤل مطروحاً: لماذا الإقبال على متاحف الفنون في مصر أقل من متاحف الآثار؟ ولماذا لا تكون على أولوية الجمهور؟ وكيف يرى المتخصصون الوسائل التي يمكن اتباعها للعمل على وضعها على أولويات الجمهور؟
يتفق الفنان الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، طاهر عبدالعظيم، مع الرؤية التي تؤكد أن المتاحف الفنية 'لا تحظى بالاهتمام الجماهيري بالقدر نفسه الذي تناله المتاحف الأثرية'. معتقداً أن 'السبب في ذلك يعود إلى عوامل عدة، أهمها أن الوعي الجمعي في مصر ارتبط منذ زمن طويل بالآثار الفرعونية رمزاً للهوية والانتماء، مما جعل التركيز الأكبر على متاحف الآثار، إضافة إلى قلة إدماج ثقافة الفنون التشكيلية في التعليم الأساسي، مما جعل قطاعات واسعة من الجمهور تجهل قيمة وأهمية هذه المتاحف'.
وفي رأي عبدالعظيم فإن تغيير هذه الثقافة يحتاج إلى 'خطة متكاملة تدمج بين التعليم، والإعلام، والمبادرات المجتمعية، لإدخال زيارات المتاحف الفنية ضمن أنشطة المدارس والجامعات بصورة منتظمة، بحيث ينشأ الجيل الجديد مرتبطاً بهذه الأماكن، وكذلك تخصيص مساحات إعلامية للحديث عن الفنون والمتاحف الفنية، والتعريف بالمقتنيات وقصصها بطريقة مبسطة وجذابة'، مشدداً على ضرورة توضيح أن الدخول غالباً مجاني أو بتذاكر رمزية، لأن كثيراً 'لديهم تصور خاطئ بأن المتاحف مغلقة أو مكلفة، كذلك يجب تشجيع المبادرات الثقافية التي تربط الجمهور بالمتاحف من خلال ورش عمل ومعارض مصغرة وأنشطة تفاعلية داخل المتحف'.
ويضرب أستاذ الفنون الجميلة مثلاً بمتحف الفن المصري الحديث بدار الأوبرا، الذي يراه أهم المتاحف الفنية في مصر، إذ يضم مجموعة ضخمة من أعمال رواد الفن التشكيلي المصري في القرن الـ20، وكذلك متحف محمد محمود خليل وحرمه الذي يحوي واحدة من أهم مجموعات الفن الأوروبي في المنطقة العربية من لوحات لفان غوخ ورينوار وغيرهما، وأيضاً متحف محمود سعيد بالإسكندرية الذي يشمل أعمال رائد المدرسة المصرية في التصوير ومجموعة من الفنانين العالميين، ومتحف مختار الذي يحتفي بأعمال النحات العظيم محمود مختار، إلى جانب قاعات ومعارض تابعة لكليات الفنون الجميلة التي تمثل بدورها متاحف حية.
في أبريل (نيسان) الماضي نشرت صحيفة الفن The Art journaالتي تصدر شهرياً في لندن قائمة بأكثر 100 متحف في العالم جرت زيارتها عام 2024 وعدد زوار كل منها، وعند تأمل هذه القائمة نجد أن أكثر من نصف المراكز الـ20 الأولى هي متاحف فنية بالأساس، على رأسها اللوفر بـ9 ملايين زائر، والمتحف البريطاني 6.5 مليون زائر، والمتروبوليتان 5.7 مليون زائر، ومعرض تيت في لندن 4.5 مليون زائر، والأرميتاج في روسيا 3.5 مليون زائر، والأورسيه في باريس 3.7 مليون زائر، والمعرض الوطني للفنون في واشنطن نحو 4 ملايين زائر، والأوفيزي في إيطاليا نحو 3.5 مليون زائر، وفيكتوريا وألبرت 3.5 مليون زائر.
وفي الوقت نفسه هناك متاحف عالمية في مدن مختلفة تكون معنية بفنان بعينه مثل متحف فان غوخ في هولندا، الذي يحظى بشهرة واسعة وقدر عدد زواره العام الماضي بنحو 1.6 مليون شخص، ومتحف بيكاسو في برشلونة الذي زاره 1.13 مليون شخص عام 2024 وغيرها من المتاحف التي أصبحت من علامات المدينة ويتوافد عليها السياح باعتبارها أحد الملامح الثقافية التي ينبغي الاطلاع عليها، لكن يصاحب ذلك في الوقت نفسه حملات دعائية ضخمة تروج لهذه المتاحف كوجهات سياحية متميزة.
يقول مدير عام مراكز الفنون الفنان علي سعيد 'الاهتمام بالفنون التشكيلية بصورة عامة في الشرق أقل بكثير من الغرب، حيث ربما الإقبال عليها قد يفوق متاحف الآثار والأمثلة كثيرة، ومن أشهرها متحف اللوفر ومتحف الأورسيه، وهذا ناتج من الوعي بأهمية الفنون التشكيلية، حالياً بعض الناس تعتبر الفن من الرفاهيات لا من أولويات عوام الناس بعكس فترات سابقة، وفي مصر خلال عشرينيات القرن الـ20 كان هناك نهضة فنية كبيرة، وكان الفن مرتبطاً بالأحداث، مثلاً محمود مختار نحت تماثيل ميدانية لسعد زغلول وفي وقت من الأوقات اكتتب المصريون لاستكمال تمثال نهضة مصر فكان هناك وعي وتقدير لقيمة الفنون'.
ويضيف سعيد 'في فترة سابقة كنت مديراً لواحد من المتاحف الفنية بالإسكندرية وكان من عوامل الجذب للجمهور تقديم فعاليات فنية ومعارض ترتبط بتاريخ المدينة على سبيل المثال، وكانت تجذب قطاعات جديدة من الجمهور وفي الوقت نفسه تكون فرصة للاطلاع على مقتنيات المتحف، فعندما يرتبط الفن إلى جانب آخر مثل التاريخ أو المجتمع أو الشخصيات الشهيرة ذات القيمة في المجتمع يكون جاذباً لفئات من الجمهور غير المتخصص، الذي قد لا تكون الفنون التشكيلية من أولوياته. الفن يجب ألا يكون منعزلاً عن الناس فهم إذا وجدوا ما يهمهم سيتفاعلون معه'.
ويشدد سعيد على أنه 'لا بد من أن تسعى متاحف الفنون إلى جذب الجماهير بصور مختلفة، باعتبار أن المتحف ليس فقط مكاناً لعرض المقتنيات، لكنه مؤسسة ثقافية فنية متكاملة، ومن الأمور التي يجب مواجهتها هو المركزية الشديدة في متاحف الفنون وتركزها في القاهرة والمدن الكبرى'، متسائلاً 'لماذا لا يكون في كل محافظة متحف للفنون؟ بخاصة أنه تقريباً لا توجد محافظة لم يخرج منها فنان كبير، ويمكن أن يحدث ذلك بشراكات مع مؤسسات تمول هذا المشروع، فالأمر لا يحتاج إلى جهد كبير ولكن أثره سيكون كبيراً في الفن وفي الناس'.
مثلما تمتلك مصر قطعاً أثرية تعود لكل العصور مكدسة في مخازن المتاحف، وعلى رأسها المتحف المصري بالتحرير، فالأمر ذاته بالنسبة إلى الأعمال الفنية لأشهر الفنانين الذين أبدعوا أعمالاً تنتمي لكل المدارس الفنية على مدى أكثر من 100 سنة منذ بداية ظهور الفن بأسلوبه الحديث في مصر، فهذه الأعمال تمثل ثروة فنية وثقافية، كما أنها تؤرخ لتطور الفنون في مصر وتعطي ملمحاً عن التوجه الفني السائد في كل مرحلة وحقبة زمنية باعتبار أن الفن لا ينفصل عن المجتمع والظروف المحيطة، هذه الأعمال يمكن أن تقوم عليها عشرات المتاحف في كامل أنحاء البلاد.
يقول الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، الفنان أشرف رضا 'الفن الحديث بدأ في مصر منذ بدايات القرن الـ20 مع إنشاء مدرسة الفنون الجميلة، وقدم الرعيل الأول من الفنانين أعمالاً شديدة الأهمية، والفن المعاصر كانت بدايته منذ حقبة الستينيات وحتى الآن، وعلى مدى كل هذه الأعوام قدم الفنانون آلاف الأعمال التي يمكن أن تقوم عليها عشرات المتاحف، فما هو موجود في مخازن الدولة يتجاوز 16 ألف عمل فني لكبار الفنانين المصريين يخرج جزء منها للجمهور لعرضه في معارض موقتة ثم يعود للمخازن، وأحياناً يؤخذ منه عند بناء متحف جديد، وهو ما حدث في الفترة الأخيرة مع إنشاء الدولة متحف الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية الجديدة الذي لم يفتتح رسمياً بعد وسيكون واحداً من المتاحف المتميزة'.
ويضيف رضا 'المتاحف الفنية لا بد من أن يتسع نطاق انتشارها بدلاً من تركزها في دائرة صغيرة، وهناك أفكار كثيرة من الممكن تنفيذها لإحياء هذه المتاحف وإلقاء الضوء عليها، لكن الأزمة الكبرى أن الوعي غير موجود بقيمة الفن بصورة عامة، فالأطفال في المدارس لا يدرسون شيئاً ذا قيمة عن الفنون، بل ويجري التعامل مع حصة الرسم في بعض الأحيان على أنها أقل في الأهمية، ويمكن إلغاؤها، لكن يدرس التاريخ بصورة كبيرة فأحياناً يكون هذا دافعاً إلى زيارة متاحف الآثار، باعتبار أن الشخص لديه معرفة بقيمة وأهمية الآثار، الفنون لها أهمية كبيرة وهي تنعكس على المجتمع كله في صورة تحسين الذوق العام، ورفع الحالة النفسية، والحماية من الأفكار المتطرفة'.
في عالم المتاحف الفنية لا يقتصر الأمر على المتاحف التي تملكها الدولة، لكن من التجارب المهمة ذات الأهمية هنا هي المتاحف الخاصة التي يقيمها بعض الفنانين لعرض أعمالهم على مدى رحلتهم الفنية أو عرض مجموعات فنية من مقتنياتهم، وهناك كثير من الأمثلة على هذه النوعية من المتاحف، من بينها متحف آدم حنين ومتحف زكريا الخناني ومتحف رمسيس ويصا واصف ومتحف حسن الشرق بالمنيا ومتحف نبيل درويش الذي تعرض منذ فترة لأزمة كبرى، إذ يتقاطع مع مشروع لتوسعة الطرق يجري تنفيذه، ونتج من ذلك أنه ستجري إزالته على رغم كل المطالبات من الأسرة والفنانين بمحاولة تجنب ذلك.
يوضح رضا 'المتاحف الخاصة بها مجموعات قيمة جداً، وهي وسيلة فعالة لزيادة عدد المتاحف الفنية وتوسيع نطاق انتشارها، وهناك كثير من الفنانين ومقتني الأعمال الفنية لديهم مجموعات متميزة يمكن أن يقوم عليها عدد من المتاحف الجديدة، لكن المتاحف الخاصة عموماً تواجهها مشكلات عدة من أهمها عدم وجود أي شكل من التنظيم لمثل هذه المتاحف، فلا يوجد في القانون مسمى للمتحف الخاص من الأساس، لذا لا يوجد لها أي حماية من أي نوع، لكنها من المتاحف التي يجب أن يتم دعمها والتوسع فيها'.