اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١٥ كانون الأول ٢٠٢٥
أكد الدكتور نظير محمد عياد مفتي الجمهورية، أن القرآن الكريم أسَّس منهجًا فريدًا في التعامل مع الواقع، تجلَّى في منهج «يسألونك»، هذا المنهج الذي يصون الإنسان في كلِّ ما يتعلَّق به، رُوحًا وعقلًا وقلبًا، ويصونه علمًا وعملًا، ويصونه دنيا وأخرى، ويصون علاقته بنفسه فردًا وعلاقته بغيره شريكًا في المجتمع.
وأضاف خلال انعقاد الندوة الدولية الثانية للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن نزول القرآن مُنجَّمًا جاء استجابةً للحوادث الطارئة والأسئلة المتجددة، وهو ما يمثل إعجازًا في مطابقة الخطاب للواقع وفهم احتياجات الناس في ظروفهم المختلفة، مؤكدًا أنه قد تبيَّن للعلماء أنَّ هذا التنزيل المتدرِّج كشف عن إعجاز بديع في مطابقة الخطاب للواقع، وفهم احتياجات الناس في ظروفهم المختلفة، ولمَّا عاب الكفار نزول القرآن على هذا النحو، وقالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32] جاء الجواب الإلهي: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32]، أي كذلك لنثبِّت به فؤادك بما ينزِل من آيات تتعلق بالواقع وحركة الناس فيه.
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أنه من وحي هذا المنهج القرآني، القائم على استحضار الواقع وإدراك تعقيداته، تأتي هذه الندوة المباركة لتؤكِّد أن الفتوى في شريعتنا ليست حكمًا يُلقى في فراغ، ولا قولًا منفصلًا عن سياقه، بل هي صناعة علمية راسخة؛ تقوم على أصالة الدليل، وتستنير بالمقاصد، وتراعي المآلات، وتستوعب مستجدات العصر وتشابكاته.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن دار الإفتاء المصرية تبنَّت منهجًا اجتهاديًّا متوازنًا، يربط بين الثوابت والمتغيرات، ويحفظ كرامة الإنسان، ويعينه على مواجهة تحديات العصر، سواء في قضايا الأسرة، أو الأزمات الاجتماعية، أو التحولات الرقمية، أو أسئلة الأخلاق والهُوية، موضحًا أن اجتماعنا اليوم شاهدٌ على هذا الجهد الذي يسعى إلى تقديم خطاب ديني رصين، يجمع بين الحكمة والفقه العميق، ويسهم في بناء وعي إنساني قادر على مواجهة التحديات بوعي مستنير.
وفي سياق حديثه عن التحديات العالمية، أشار مفتي الجمهورية إلى أنَّ العالم يعيش حالة من الاضطراب الإنساني العميق، تتجلى في اتساع رقعة الحروب، وتسارع الكوارث، وتفاقم التحديات الاقتصادية والصحية والبيئية، وهو ما يضاعف مسؤولية الفتوى المؤسسية، ويجعلها صمام أمان لحماية الإنسان وصيانة المجتمع، مؤكدًا أن الفتوى لم تعد اجتهادًا فرديًّا يجيب عن سؤال عارض.
كما بين فضيلة المفتي أن دار الإفتاء المصرية بادرت مبكرًا لمواجهة هذه التحديات، من خلال تأسيس دليل إجرائي لفتاوى الطوارئ يضبط الاجتهاد في أوقات الأزمات، ويحول الفتوى من مجرد رأي شرعي إلى أداة تدخُّل واقعية تساعد صنَّاع القرار، وتدعم الدولة في برامجها الصحية والاجتماعية والتنموية، وهو ما تجلَّى بوضوح خلال جائحة كورونا التي شهدها العالم؛ حيث قدَّمت الدارُ نموذجًا رائدًا في التكييف الشرعي الدقيق، الذي جمع بين احترام العلم الحديث واستحضار المقاصد الشرعية، فكانت فتاواها سببًا في تهدئة المخاوف، ومنع الفوضى بما يحفظ الأرواح ويصون الأمن المجتمعي، وأسهمت تلك المنهجية المؤسسية في الحد من فوضى الفتاوى التي تصدر عن غير المتخصصين، والتي تهدد الوعي وتُربك المجتمع، وتُخِلُّ باستقرار الدولة.


































