حكايات من الواقع.. إحساس مضطرب!

أن تشعر بروحك و هى تنسلخ من جسدك و تذوب الدنيا فى صدرك و يتوارى النور خلف سحب من الظلام تطبق عليك شيئا فشيئا، تدرك أنك قاربت النهاية و لكنها نهاية لا تنتهى معلق بين السماء و الأرض فى حبال واهية من خيوط دخان كثيف يفرض سطوته عليك، هكذا كنت، ما أفقدنى عقلى إلا من بقايا وعى أخضعه الإدمان و أذله !

كنت قد تخرجت فى الجامعة و شرعت فى حياتى العملية أخطو خطوات بطيئة و لكنها ثابتة حتى أثبت نفسى فى وقت قياسى و بات فى يدى ما يتجاوز حد الستر ويغنينى ولكن عزيمتى ضعفت أمام تيار انجرفت له لا أدر ما أوقعنى فيه غير أنى استكنت لتعاطى الجرعات المخدرة متوهما أنها تعيننى على العمل و تقوينى عليه لكنها كانت وحشا يلتهم حياتى ببطئ قاتل و انهارت كل مقومات الحياة من حولى، أهملت عملى و بيتى و انعزلت عن ابنتى كأنى غريب عنهم لا ألوى على شئ غير المال أنفقه على غيتى و سمومى، عبثا حاولت زوجتى أن تقنعنى بالذهاب معها إلى مصحة استشفاء من الإدمان و باتت حياتها معى مهددة و أدركت أنى من يشكل خطرا عليها و ابنتى و لا خلاص مما انا فيه غير الإنتحار فأقدمت عليه قاطعا وريد يدى بسكين أفقت بعدها على فراش بمستشفى و قد نقلت إليه بين الحياة و الموت و ما أن استكملت علاجى حتى تم إخضاعى جبرا لبرنامج استشفاء من الإدمان رغما عنى، أضرب رأسى فى الجدران، أرتمى مرتعشا على الأرض، أصرخ وأصرخ وأتألم لشئ مشتعل ينسلخ منى، أتألم، أصرخ، أتطهر، أقدم على مرحلة جديدة من حياتى أولد فيها من جديد طفلا يحبو، أتحسس طريقى مضطربا إحساسى مرتجف، خائف، أتوسل لمن حولى أن يمنحونى جرعة المخدر و أصرخ فيهم أن لا يشفقوا على ولا يستجيبوا لتوسلاتى، تتعالى صرخاتى، أنتفض حتى الإغماء و جاء يوم جديد تخلصت فيه من صرخات الضعف و الانكسار المذل، انسحب السم من دمى، تطهر الجسد و ما تطهرت نفسى بعد، مازلت خائفًا غير قادر على مواجهة الحياة و الناس، أرتجف لمجرد فكرة معاودة التعايش و العمل، و كأنى مازلت طفلا فى جسد رجل أحاسيسى محدودة، انفعالاتى بالأشياء و ردود أفعالى متداخلة، أضحك لما يوجب البكاء، أبكى لما يوجب الفرح، تتداخل ابتساماتى و تختلط بوجوم مكتئب لا أدر شيئا، ألوذ بوحدتى مستترا بالصمت خائفًا .

و تحتم أن اخضع لجلسات تأهيل نفسية تعيدنى لطليعة الحياة التى انسلخت منها و نجحت هذه الجلسات إلى حد كبير فى استعادة توازنى النفسى و تدريجيا تعايشت مع الدنيا و عدت لعملى و لكنى مازلت أرى ضعفى و انكسارى المذل فى عيون الناس من حولى ما يدفعنى لأن أعود لوحدتى مستترا بها .

ك . س

لما كل هذا اليأس يا أخى و كيف تقلل من حجم إرادتك التى حملتك على مواجهة ضعفك و إدمانك حتى انتصرت عليه، تمسك بالحياة و اجعل من ثقتك بنفسك معبرا لحياة جديدة و انفض عن كاهلك كل أدران الماضى و أوزاره و تذكر قول الله تعالى فى محكم آياته : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } سورة يوسف آية : 87 . وقال أيضاً : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } سورة الحديد آية : 22- 23 .

و لنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجاً يحتذي في عدم اليأس والأمل الكبير في الله عز وجل فقد كان ينهى اصحابه عن الاستسلام للهموم وعلمهم أن يقولوا : 'اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ' لذلك يا اخى لابد و ان تسعى مطمئنا لحياتك الجديدة لا تخشى شيئا محتسبا ما فاتك محنة و اختبار من المولى عز وجل اجتزته راضيا مرضيا موقنا من رحمة الله تغرس بذور الأمل والتفاؤل في نفسك حتى يمكنك مواجهة مصاعب الحياة بنفس مؤمنه واثقة .