اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
مصر والصين.. شراكة استراتيجية تعزز التنمية الصناعية
-استثمارات صينية تتوسع في قناة السويس وفرص تصديرية واعدة
- اتحاد الصناعات: نراهن على نقل التكنولوجيا وزيادة التصنيع المحلي
تشهد العلاقات المصرية الصينية تطورًا غير مسبوق، تجلّى بوضوح خلال الأعوام القليلة الماضية، لتنتقل من مرحلة التعاون التقليدي إلى شراكة استراتيجية شاملة تتسم بالعمق والاستدامة، وتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية. وبحسب آخر التقديرات الرسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2024 أكثر من 17 مليار دولار، بما يعكس حجم المصالح المتبادلة ونطاق التعاون الواسع بين القوتين الاقتصاديتين.
وفي الوقت الذي تستورد فيه مصر من الصين ما يقرب من 15.5 مليار دولار من السلع، بلغت صادراتها إلى السوق الصينية نحو 578 مليون دولار فقط، وهو ما يكشف عن فجوة تجارية كبيرة تسعى الحكومة المصرية لتقليصها عبر استراتيجية توطين الصناعة، وتشجيع دخول المنتجات المصرية إلى السوق الآسيوية العملاقة. وتتمثل الصادرات المصرية في عدد من السلع الأساسية والمواد الخام، بينما تتمثل الواردات في الأجهزة الإلكترونية، والآلات الصناعية، ومكونات التكنولوجيا.
الاستثمار الصناعي الصيني في قلب الاقتصاد المصري..
تجاوز حجم الاستثمارات الصينية في مصر 8 مليارات دولار حتى نهاية عام 2024، موزعة على أكثر من 2000 شركة صينية تعمل في قطاعات متنوعة أبرزها الصناعة، الطاقة، التكنولوجيا، والبنية التحتية. وتُعد منطقة التعاون الاقتصادي المصري الصيني المعروفة بـ'منطقة TEDA' بالقرب من محور قناة السويس، إحدى أبرز النماذج الناجحة لهذا التعاون، حيث تضم نحو 185 شركة صينية حتى منتصف عام 2025، وتسهم بنسبة كبيرة في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر.
الصناعة والتكنولوجيا.. محاور جديدة في خارطة التعاون
تُولي مصر اهتمامًا بالغًا بملف توطين التكنولوجيا والصناعة الحديثة، وقد ظهر ذلك جليًا في عدد من المشاريع المشتركة التي يجري تنفيذها بالشراكة مع الجانب الصيني، مثل مصنع سيارات BAIC للسيارات الكهربائية، الذي يستهدف إنتاج ما يصل إلى 50 ألف سيارة سنويًا خلال خمس سنوات، بالإضافة إلى مشروعات أخرى في مجالات تصنيع الإلكترونيات، وخلايا الطاقة الشمسية، والبطاريات.
هذا التوجه يأتي ضمن خطة مصرية استراتيجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وزيادة نسب التصنيع المحلي، خصوصًا في القطاعات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر والتقنيات الحديثة، وهو ما يتماشى مع التزامات مصر البيئية والتنموية في إطار رؤية مصر 2030.
السياسة والاقتصاد وجهان لشراكة ممتدة
تعززت العلاقات السياسية بين مصر والصين بعد انضمام القاهرة رسميًا إلى مجموعة 'بريكس' في مطلع 2024، ما فتح آفاقًا جديدة للتعاون المالي والنقدي، خاصة فيما يتعلق بالتعاملات بالعملات المحلية وتقليل الاعتماد على الدولار في التجارة البينية. كما شهد عام 2024 تبادلًا للزيارات الرسمية رفيعة المستوى، إذ زار الرئيس عبد الفتاح السيسي بكين، بينما استقبلت القاهرة نظيره الصيني في يوليو 2025، وتم توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجالات التجارة الرقمية، التعليم، الصحة، والذكاء الاصطناعي.
هذه الزيارات عززت من مناخ الثقة المتبادلة، وأسست لمزيد من التعاون المؤسسي بين البلدين، مع التركيز على تفعيل آليات التنفيذ في عدد من الاتفاقيات الموقعة سابقًا، والتي تمس قطاعات حيوية مثل النقل، الاتصالات، والطاقة.
تحديات مستقبلية وفرص واعدة
رغم ما حققته العلاقات المصرية الصينية من تقدم، إلا أن الفجوة التجارية بين الصادرات والواردات لا تزال تمثل تحديًا حقيقيًا أمام تحقيق التوازن المطلوب. وتسعى الحكومة المصرية، بالتعاون مع القطاع الخاص، إلى التوسع في تصدير السلع المصنعة محليًا، وتسهيل دخولها إلى السوق الصينية، مع التركيز على المنتجات الزراعية والدوائية والتكنولوجية.
وفي الوقت نفسه، تراهن مصر على استمرار تدفق الاستثمارات الصينية، ليس فقط من خلال رؤوس الأموال، بل عبر نقل الخبرات والتكنولوجيا، ودعم جهود الدولة في إنشاء مناطق صناعية متخصصة، وتحفيز الصادرات، وتحقيق الاستفادة القصوى من الموقع الجغرافي لمصر كبوابة للصين إلى القارة الإفريقية والعالم العربي.
في ضوء هذه المؤشرات، يمكن القول إن العلاقات المصرية الصينية مقبلة على مرحلة أكثر شمولًا وفعالية، ترتكز على شراكة اقتصادية متكاملة، وطموح مشترك نحو بناء مستقبل صناعي متقدم يعكس مصالح وتطلعات البلدين.
من جانبه، أكد المهندس علاء دياب، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، أن العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين شهدت تطورًا ملموسًا خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن السوق المصري أصبح جاذبًا بقوة للمستثمرين الصينيين، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والصناعة الثقيلة.
وأوضح دياب أن الشراكة مع الجانب الصيني لا تقتصر فقط على ضخ استثمارات، بل تشمل أيضًا نقل التكنولوجيا والتدريب وبناء قدرات العاملين في المصانع المصرية، وهو ما يُعد من أهم المكاسب الاستراتيجية التي تجنيها مصر حاليًا من هذا التعاون.
وأضاف: 'نحن في اتحاد الصناعات نتابع عن قرب تنفيذ المشروعات الصينية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ونتواصل بشكل دائم مع الشركات الصينية لتحديد الفرص الاستثمارية الواعدة، خاصة في مجالات إنتاج الخامات الوسيطة، ومكونات التصنيع المحلي، التي تسهم في تقليل الاستيراد وزيادة التنافسية'.
دعوة لتعزيز النفاذ إلى السوق الصيني
وأشار دياب إلى أن الجانب المصري يحتاج في المرحلة المقبلة إلى مزيد من التنسيق الحكومي والقطاعي لفتح الأسواق الصينية أمام المنتجات المصرية، خصوصًا في قطاعات مثل الصناعات الغذائية، والمستحضرات الدوائية، ومواد البناء. وقال: 'الصين تمثل سوقًا ضخمة، وإذا تمكنا من دخولها بمنتجاتنا بجودة عالية وأسعار تنافسية، فإن ذلك سينعكس بقوة على الميزان التجاري وسيوفر فرص تصديرية هائلة'.
وأكد أن اتحاد الصناعات يدعم جميع التوجهات الحكومية الرامية إلى تحسين مناخ الاستثمار، وتطوير البنية التحتية، وتسهيل الإجراءات أمام الشركاء الصينيين، مشددًا على أهمية تعزيز التعاون الفني والتدريبي لضمان تحقيق استفادة متبادلة وعادلة للجانبين.