اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
'ذهبت فوردو بغير رجعة ودُمرت تمامًا'، هكذا كانت الرسالة المقتضبة التي نشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الساعات الأولى من يوم الأحد، الموافق 22 يونيو 2025، ليضع حدًا لتكهنات استمرت أيامًا حول ما إذا كان سيقدم على تنفيذ الضربة القاضية للبرنامج النووي الإيراني، وكون هذه المواجهة لحظة مفصلية غير مسبوقة قد تحدد مستقبل الصراع بين الدولتين، وفقًا لمقال نشرته صحيفة جيروزاليم بوست، طرح الكاتب مارك فايس، في مقاله، السؤال الجوهري: هل هذه هي المواجهة النهائية؟
أسقطت سبع طائرات “بي-2” قاذفة 14 قنبلة 'بانكر باستر' على منشأة فوردو، بينما أطلقت غواصات البحرية الأمريكية 30 صاروخ كروز توماهوك على موقعين آخرين، نطنز وأصفهان.
وجاءت الضربات الأمريكية بعد تسعة أيام من الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران، الذي أطلق حربًا غيرت تاريخ الشرق الأوسط إلى الأبد.
السياق التاريخي
اعتبرت إسرائيل إيران تهديدًا وجوديًا بسبب برنامجها النووي ودعمها لجماعات مثل حزب الله وحماس، التي تشكل جزءًا من محور المقاومة الذي يهدف إلى محاصرة إسرائيل.
منذ تولي علي خامنئي منصب المرشد الأعلى في 1989، تبنت إيران سياسة خارجية تهدف إلى تدمير إسرائيل، من خلال بناء تحالفات إقليمية وتطوير برنامج نووي مثير للجدل.
تنفي إيران سعيها لامتلاك سلاح نووي، مؤكدة أن برنامجها للأغراض السلمية، لكن إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، جعلت منع إيران من امتلاك سلاح نووي أولوية قصوى.
وفقًا لتقييمات الاستخبارات الإسرائيلية، كانت إيران تمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية المخصبة لصنع تسع قنابل نووية على الأقل بحلول يونيو 2025، وكانت على بعد أشهر فقط من تسييل اليورانيوم المخصب.
وأتاحت الأحداث التي تطورت منذ 7 أكتوبر 2023 فرصة ذهبية لإسرائيل لتنفيذ هجومها. وتدهورت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية بعد هجومين إسرائيليين العام الماضي ردًا على هجمات صاروخية وطائرات مسيرة إيرانية، مما ترك الأجواء الإيرانية مكشوفة. كما عانت وكلاء إيران الرئيسيان، حزب الله وحماس، من هزائم عسكرية ساحقة، مما قلل من قدرة إيران على ردع إسرائيل.
أضف إلى ذلك، انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة لولاية ثانية في نوفمبر 2024، حيث كان من أوائل أفعاله تزويد إسرائيل بالذخائر الحيوية للحملة العسكرية ضد إيران، والتي كانت إدارة بايدن قد أوقفتها.
تأثير الضربات العسكرية
في خطابه التلفزيوني بعد الهجوم الأمريكي، ادعى ترامب أن 'منشآت التخصيب النووي قد دُمرت بالكامل'. ومع ذلك، أفاد مسؤولون إيرانيون أن المواقع الثلاثة التي استُهدفت - فوردو ونطنز وأصفهان - كانت قد أُخليت مسبقًا، وتم نقل معظم اليورانيوم عالي التخصيب إلى مواقع أخرى.
شاركت 200 طائرة إسرائيلية في الموجة الأولى من الضربات، استهدفت عشرات المنشآت النووية، ومنصات إطلاق الصواريخ، ومرافق التخزين.
أسس الموساد قاعدة طائرات مسيرة داخل إيران، حيث تم تهريب طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات، تم تفعيلها خلال الضربة الإسرائيلية لتنفيذ اغتيالات دقيقة لقادة النظام وعلماء نوويين.
ودمرت الضربات الإسرائيلية حوالي 40% من منصات إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية ومراكز القيادة والسيطرة. بحلول نهاية الأسبوع الأول من الحرب، انخفض عدد الصواريخ التي تطلقها إيران يوميًا بشكل كبير، على الرغم من استمرار الخطر.
تسببت الضربات في خسائر بشرية كبيرة، بما في ذلك قادة عسكريون وعلماء نوويون، وأدت إلى نزوح جماعي من طهران بعد تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس بأن الهدف هو 'إجلاء واسع النطاق للسكان من طهران لتقويض النظام'.
ردود الفعل الإيرانية
ردت إيران بإطلاق حوالي 30 صاروخًا باليستيًا على إسرائيل بعد الهجوم الأمريكي، مما أدى إلى إصابات مباشرة في تل أبيب ونس تسيونا، وإصابة حوالي 30 شخصًا.
أغلقت إسرائيل مجالها الجوي، مما أخر رحلات الإنقاذ لإعادة الإسرائيليين العالقين في الخارج منذ بدء الحرب.
أعادت قيادة الجبهة الداخلية فرض إرشادات صارمة للتجمعات العامة، مما سمح فقط بالأنشطة الأساسية. أطلقت إيران خلال الأيام التسعة الأولى من الحرب صواريخ باليستية برؤوس حربية تزن نصف طن أو أكثر، مما أسفر عن مقتل 24 إسرائيليًا، وإصابة أكثر من 1200، وتدمير أكثر من 25000 مبنى، وتسبب في إجلاء أكثر من 8000 شخص من منازلهم.
تمكنت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، مثل القبة الحديدية، من اعتراض معظم الصواريخ، لكن الأضرار كانت كبيرة. أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن طهران 'تحتفظ بكل الخيارات للدفاع عن سيادتها ومصالحها وشعبها'، محذرًا من أن الهجوم الأمريكي سيكون له 'عواقب دائمة'.
وفي اليمن، هدد الحوثيون بالرد، مشيرين إلى أن ضربة أمريكية ستؤدي إلى استئناف الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر.
الآثار الإقليمية والدولية
حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من أن هذا التصعيد 'خطير'، مشيرًا إلى 'مخاطر متزايدة لخروج الصراع عن السيطرة، مع عواقب كارثية على المدنيين والمنطقة والعالم'.
أدانت مصر والأردن ودول الخليج مثل السعودية الهجمات الإسرائيلية، لكنها تجنبت دعم إيران بشكل مباشر، مما يعكس توازنًا دقيقًا في المواقف الإقليمية.
وسمحت سوريا، بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي لضرب إيران، معتبرة أن 'كل ضربة لإيران هي مكسب'، وفقًا لتقرير جيروزاليم بوست، وعلى الصعيد الدولي، تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بشكل واضح، حيث أكد نتنياهو أن الهجوم الأمريكي تم 'بتنسيق كامل' مع إسرائيل، ووصف ترامب بأنه 'صديق عظيم لإسرائيل كما لم يكن غيره'.
لكن هناك جهود دبلوماسية من روسيا وقطر وسلطنة عمان لمنع توسع الصراع إلى حرب إقليمية.
يحذر المقال من أن استمرار التصعيد قد يدفع إيران إلى استهداف مصالح أمريكية، مما يزيد من مخاطر حرب عالمية.
هل هي المواجهة النهائية؟
خلص تحليل جيروزاليم بوست إلى أن هذه المواجهة ليست بالضرورة 'النهائية'، حيث تعتمد النتيجة على عوامل متعددة: قرار إيران بشأن برنامجها النووي، واستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، وقدرة إيران على إعادة بناء دفاعاتها.
يشير المقال إلى أن إسرائيل استفادت من سيطرتها على الأجواء الإيرانية، إذ دمرت جزءًا كبيرًا من قدرات إيران الصاروخية. ومع ذلك، يحذر من قدرة إيران على إعادة بناء قدراتها، خاصة إذا انسحبت من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مما قد يطيل أمد الصراع. كما أن استمرار إيران في الاعتماد على استراتيجية 'الصبر' واستنزاف إسرائيل عبر الزمن يشكل تحديًا طويل الأمد.
أشار نتنياهو إلى أن الحرب 'ستستمر طالما كان ذلك ضروريًا'، واصفًا الحملة بأنها 'لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل'.
من جهة أخرى، يرى البعض أن نجاح إسرائيل في تحييد التهديد النووي قد يجبر إيران على التفاوض، لكن المقال يحذر من أن أي مفاوضات قد تكون محفوفة بالمخاطر إذا لم تتضمن تنازلات كبيرة من طهران.
كما أن تصريحات كاتس حول ضرورة 'عدم السماح باستمرار وجود خامنئي'، إلى جانب الضربات على رموز الجمهورية الإسلامية مثل مستشفى سوروكا في بئر السبع، تشير إلى تصعيد قد يستهدف تغيير النظام، رغم أن هذا ليس هدفًا معلنًا.
ترميم صورة نتنياهو
كان هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل أكبر عدد من اليهود في يوم واحد منذ الحرب العالمية الثانية، بمثابة وصمة في سجل نتنياهو.
ولكنه يرى الآن فرصة لإعادة صياغة إرثه كقائد منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وبالتالي إنقاذ إسرائيل من تهديد الإبادة النووية.
يصف المقال هذا الصراع بأنه 'المواجهة النهائية' بين نتنياهو وخامنئي، اللذين شكلا معًا الكثير من مشهد الشرق الأوسط في العصر الحديث.
خوفًا من الاغتيال، أفادت تقارير أن خامنئي عين ثلاثة من كبار رجال الدين لخلافته في حال مقتله، مما يعكس حالة القلق داخل النظام الإيراني.
قدم تحليل جيروزاليم بوست رؤية متفائلة نسبيًا من وجهة نظر إسرائيلية، معتبرًا أن الضربات العسكرية حققت خطوات في طريق إضعاف إيران، خاصة من خلال تدمير جزء كبير من منشآتها النووية وقدراتها الصاروخية.
ومع ذلك، يظل مستقبل الصراع غامضًا، فيعتمد على قدرة إيران على إعادة البناء، وموقف المجتمع الدولي، واستمرار التنسيق الأمريكي-الإسرائيلي.
يحذر المقال من أن الفشل في تحقيق السلام قد يؤدي إلى 'مأساة أكبر بكثير لإيران'، كما حذر ترامب، بينما يرى نتنياهو أن هذه الحرب قد تكون اللحظة التي ستُحفر في التاريخ كإنقاذ لإسرائيل من تهديد وجودي.
ومع ذلك، فإن احتمال استمرار الصراع أو تصعيده إلى حرب إقليمية أوسع لا يزال بين الاحتمالات التي لم تحسم بعد.