اخبار مصر
موقع كل يوم -بي بي سي عربي
نشر بتاريخ: ٢٧ أب ٢٠٢٥
خلال الآونة الأخيرة، عكفت رئاسة الوزراء المصرية بالتسيق مع وزارة الأوقاف، على دراسة مقترح لعودة الكتاتيب في مصر بعدما طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بذلك.
وتقول رئاسة الوزراء إن الكتاتيب ستُساهم في تكوين الشخصية المصرية ونشر قيم 'التسامح' و'احترام الآخر' و'حب الوطن' و'احترام الأديان'.
فمتى نشأت الكتاتيب في مصر وهل كانت مقترنة بعدم وجود تعليم ابتدائي وما التغييرات التي طرأت عليها؟
تختلف وتتضارب الآراء حول نشأة الكتاتيب في مصر. فبعض المؤرخين يقولون إن بداية نشأتها كانت في أواخرعصر المماليك والبعض الأخر يقول إن ظهور الكُتاب في مصر يرجع إلى الحقبة العثمانية.
الكُتاب المُلحق بالسبيل
وفقاً لمؤرخين كان العصرالذهبي للكتاتيب في مصر في عهد العثمانيين.
الأكثر قراءة نهاية
إذ تذكر المؤرخة المصرية، الدكتورة نللي حنا، في كتابها ' ثقافة الطبقة الوسطى في مصر العثمانية ق17م - ق18م'، إن نظام الكتاتيب 'ساد في الفترة من القرن الـ 16 إلى القرن الـ 18 'كقاعدة للتعليم الأساسي.
كما تذكر حنا في كتابها، موضحة: ' كان عدد الكتاتيب في القاهرة عند نهاية القرن الـ18 حوالي 300 كُتاب، بينما بلغ تعداد سكان المدينة نحو 260 ألف نسمة'.
ويقول الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة وخبير المخطوطات المصري إن 'الكتاتيب انتشرت في العصر العثماني مع وجود الأسبلة، حيث كان يُلحق كُتاب بكل سبيل مياه، وكان الأطفال يتعلمون فيه القراءة والكتابة وحفظ القرأن'.
ويشير الدكتور أيمن فؤاد إلى وصف عالم الآثار الفرنسي، آدم فرانسوا جومار، الذي كتب الجزء الخاص ب'مدينة القاهرة وقلعة الجبل'، ضمن دراسات موسوعة وصف مصر.
ويذكر فؤاد بعضاً من وصف جومار للكتاتيب في مصر، قائلاً: 'كانت وجهات السبيل بها أعمدة رُخامية وكان السبيل مُكوناً من مستويين: المستوى الأول، حيث كان السقاؤون يأتون بصهاريج حفظ المياه، مُحملةً على ظهور الجمال والبغال من الخليج (منطقة صناعية تخرج من نهر النيل) لتخزينها في السبيل'.
أما داخل المستوى الثاني من السبيل، فيقع كُتاب لتعليم أطفال المسلمين وكان يوجد أيضاً المزملاتي وهو الشخص الذي يناول مياه الشرب للناس، بحسب الدكتور أيمن فؤاد.
وقبل الحقبة العثمانية، خلال حكم المماليك لمصر، برزت كذلك بعض الكتاتيب، ومن أشهرها كان كُتاب وسبيل السلطان قايتباي.
وقد أسس هذا الكُتاب، السلطان المملوكي الجركسي قايتباي المحمودي الأشرفي عام 1479ميلادياً إبان حقبة المماليك البرجية (الجركسية)، ويقع الكُتاب الذي خُصص لتعليم أطفال المسلمين مبادئ القراءة والكتابة في الطابق الثالث من السبيل، وفقاً لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية.
ويقول الدكتورعبد الباقي القطان، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة عين شمس 'إن الكُتاب له أكثر من اسم من بينهم مجلس الأدب أوالمكتب، وكلها أسماء لمكان واحد وهو المكان الذي يُطلب فيه علم للصبيان وهم الأطفال الصغار'.
ويوضح الدكتور عبد الباقي القطان، في حديثه لبي بي سي ، أن السلطان المنصور حسام الدين لاجين، أحد سلاطين المماليك، بنى كُتاباً فى مسجد أحمد بن طولون وخصصه للأيتام للدراسة فيه.
وهو ما يؤكده علي باشا مبارك، أول وزير للتعليم في مصر، في كتابه 'الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة'، والذي يشير إلى الُكتاب، مستخدماً كلمة 'مكتب'.
إذ يذكر مبارك في كتابه هذا: 'استولى لاجين على الديار المصرية وتلقب بالملك المنصور سنة ست وتسعين وستمئة... .ورتب فيه دروساً للمذاهب الأربعة ودرساً للتفسير ودرساً للحديث ودرساً للطب وقرر للخطيب معلوماً وجعل له إماماً راتباً ومؤذنين وفراشين وقومه وعمل بجواره مكتباً لإقراء أيتام المسلمين'.
وبالعودة إلى الكتاتيب في الفترة العثمانية يقول الدكتورأيمن فؤاد، إن من بين أشهر الكتاتيب خلال تلك الفترة من تاريخ مصر، كان كُتاب 'عبد الرحمن كتخدا' بشارع المعز لدين الله الفاطمي وهو النموذج الذي يُمثل وجود السقاية والمياه بالدورالأسفل. أما الدور العلوي فتوجد به شُرفة الكُتاب.
ويوضح فؤاد أنه، أيضاً، من بين أبرز الكتاتيب التي بُنيت خلال الحقبة ألعثمانية في القاهرة، كان سبيل وكُتاب 'نفيسة البيضاء' في منطقة باب زويلة وسبيل وكُتاب 'رقية دودو'في سوق السلاح.
ويستدرك في حديثه لنا قائلاً ' في مصر العثمانية، كان يبني الخيّرون الكتاتيب والأسبلة بأموالهم الخاصة وخصصوا لها وقفاً لتمويلها، وكان أهالي الأطفال الساكنين في أحياء العاصمة القاهرة يرسلونهم إليها لتلقي التعليم، الذي كان مجانياً'.
'ولم يكن الوقف يوفر التعليم المجاني فحسب، بل كان يتضمن تعليم التلاميذ وكسوتهم وتقديم الهدايا لهم في مواسم معينة'، وفق ما ذكرته المؤرخة المصرية نللي حنا في كتابها ' ثقافة الطبقة الوسطى في مصر العثمانية ق17م - ق 18م'.
انفصال الكُتاب عن السبيل
ومع بداية عصر حكم الخديوي إسماعيل (1879-1863م) ' لم تعد الكتاتيب المُلحقة بالأسبلة تُستخدم للتعليم، إذ أصبحت هناك شركات لتوصيل المياه وكانت هناك صنابير مياه في الأماكن العامة وأصبحت المياه تصل لوسط المدينة، لذلك تم الاستغناء تقريباً عن الأسبلة'، وفقاً لما يقوله الدكتورأيمن فؤاد لبي بي سي.
ويوضح فؤاد أنه بسبب ذلك، انفصلت الكتاتيب عن الأسبلة، لتصبح مُلحقة بالزوايا والمساجد لتعليم القرأن ومبادىء القراءة والكتابة وكانت هذه الكتاتيب هي الأكثر شيوعاً، بحسبه.
ويقسم الباحث والأكاديمي المصري، الدكتورعبد الباسط هيكل في حديثه لبي بي سي الكتاتيب في مرحلة ما بعد اندثار الأسبلة إلى نوعين: ' الكتاتيب القديمة' وهي تلك التي كانت موجودة قبل عام 1869 و'الكتاتيب الحديثة' التي أُنشأت بعد ذلك التاريخ.
الكُتاب والدراسة في الأزهر الشريف
يصف الدكتور عبد الباسط هيكل الكُتاب القديم' بالنموذج السيء'وهو 'الكُتاب الذي كان يعتمد على الكتابة على الألواح'.
وبحسب هيكل 'يشرف على هذا الكُتاب الشيخ والعريف (مساعد الشيخ)، ويعتمد في تمويله على هبة تأتي من الشخص الذي تكفل بتمويل وفتح الكُتاب في القرية'.
ومن أبرز الكتاتيب القديمة، كان الكُتاب الذي أنشأه حسن باشا عبد الرازق في صعيد مصر، والذي تعلم فيه ولداه: العالم الأزهري الشيخ مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرازق، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للأوقاف، بحسب ما يقول الدكتور عبد الباسط هيكل لبي بي بي سي.
أما بالنسبة للأجر الذي كان يتقاضاه شيخ الكتاب والعريف، فيوضح هيكل أنه 'أحيانا كان يحصل أي منهما على بعض الهدايا أو شيء عيني من الأهالي'.
ويستدرك هيكل حديثه لبي بي سي، قائلاً: 'كان الهدف من الدراسة في الكُتاب القديم هو حفظ القرأن الكريم وتجويده بالشكل الذي يستطيع أن يحمل صاحبة إلى التعليم في الأزهر، أو أن يعمل مثلاً كاتباً في المحكمة أو في بعض المهن البسيطة'.
الكتاتيب في عهد الخديوي إسماعيل
في عصر الخديوي إسماعيل (1863-1879)، بالقرن التاسع عشر، أُسندت إدارة التعليم إلى علي باشا مبارك، الذي سيصبح فيما بعد ناظراً للمعارف العمومية (وزير التربية والتعليم)، بحسب ما جاء في كتاب 'زعماء الإصلاح في العصر الحديث' للمؤرخ المصري أحمد أمين.
وفي عام 1869، خضعت الكتاتيب لإشراف نِظارة المعارف العمومية (وزارة التعليم في عهد الخديوي إسماعيل)، وفقاً لما قاله الأكاديمي والباحث المصري، الدكتورعبد الباسط هيكل لبي بي سي.
وقد أدخل علي باشا مبارك إدارة التعليم تحت الإشراف الحكومي، بعدما كانت 'الحكومة لا تُعنى إلا بالمدارس الحربية'، بحسب المؤرخ المصري، أحمد أمين.
كما أوضح المؤرخ أحمد أمين أن علي باشا مبارك أرسل مندوبين لإحصاء كل كتاتيب القطر المصري حينها، وتم تكليفهم بتقييم حالة كل كُتاب وعما إذ كان مبناه صالحاً أم غير صالح و كذلك معرفة عدد تلاميذه وتقييم حالة الفقهاء.
والفقيه هو الشيخ الذي يعلم الطلاب في الكُتاب ويُحفظهم القرأن ويطلق عليه في العامية المصرية 'فقي'.
'حالة يُرثى لها'
وقد وجد علي باشا مبارك التعليم داخل الكتاتيب 'في حالة يُرثى لها... فكثير منها إما دكان أو حاصل (مخزن) أو في غرفة مظلمة بجانب مراحيض المسجد، والتلامذة يختلط صحيحهم بمريضهم، وقد يكون المرض مُعدياً'، بحسب ما قال المؤرخ المصري، أحمد أمين في كتابه 'زعماء الإصلاح في العصر الحديث'.
ويستدرك أمين في وصفه لحالة التلاميذ في الكتاتيب، قائلاً إنه كان هناك 'أبرص وأجرب ومحموم ينشرون العدوى بين الأصحاء. يجلسون على حصير بالٍ ويشربون بكوز واحد من زير واحد ويأكلون في الظهر من صحن واحد'.
ليس هذا فحسب، بل أن فقيه الكُتاب عادةً ما 'لا يُحسن رعاية التلاميذ ولا إدارة شؤونهم'، وكان هدفه الوحيد تحفيظ القرأن من غير فهم، ووسائل التأديب عنده ليست إلا السب والضرب، وفقاً لما أورده أحمد أمين في كتابه 'زعماء الإصلاح في العصر الحديث'.
وقد دونت نِظارة المعارف العمومية جميع ملاحظتها عن أوضاع الكتاتيب في مصر، من أجل إصلاحها للاستعانة بها لمحو الأمية وانطلاق ما أُطلق عليه 'الكتاتيب الحديثة'، وكان ذلك ما بين عامي 1869 و1902، بحسب الدكتور عبد الباسط هيكل.
بداية الإصلاح
تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
يشير أحمد أمين إلى أن علي باشا مبارك قسّم الكتاتيب، بعد إحصائها، إلى ثلاثة مستويات: جيدة ومتوسطة ورديئة.
كما أن مبارك وضع لائحة أسماها لائحة رجب - وهو تاريخ صدورها - عالج فيها كل المشاكل التي واجهتها الكتاتيب من 'مراعاة التدابير الصحية وتدبير المال اللازم ورفع مستوى الفقهاء'.
ويقول الدكتورعبد الباسط هيكل إن 'نِظارة المعارف وضعت برنامجاً لإصلاح الكتاتيب. وحاولت أن تُلزم بعضاً من الشيوخ، الذين يريدون الحصول على منحة الالتحاق بهذا البرنامج، بالمساهمة في تجديد الكتاتيب'.
و'تكون المُساهمة من خلال استيفاء بعض الملاحظات التي تطلُبها نظارة المعارف، من خلال مُساهمة أهل القرية أو شيخ الكتاب أوالعمدة لتوفير مبانٍ جيدة للكتاتيب'.
وهو ما يؤكده المؤرخ أحمد أمين، الذي ذكر أن علي باشا مبارك جعل بعض الأهالي والمديريات الحكومية تتحمل بعضاً من الأعباء المالية لتطوير التعليم وتحويل بعض الكتاتيب الكبيرة الصالحة إلى مدارس ابتدائية.
كما يشرح هيكل أن من ضمن خطة الإصلاح، كان تلقي شيخ الكُتاب تدريباً 'حيث كان يذهب إلى مكان تُخصصه له نِظارة المعارف للتدريب مدة يومين في الأسبوع، وعادةً ما يكونا يومي الخميس والجمعة، وينقطع الشيخ خلالهما عن الكُتاب وتُغلق أبوابه'
ليس هذا فحسب، 'كما أنه يحصل على راتب ويُؤهل لتدريس علوم أخرى كالخط العربي أو مذكرة بسيطة لتعليم الحساب'.
دستور 1923 ومجانية التعليم
يعتبر الدكتور عبد الباسط هيكل دستور 1923 في عهد الملك فؤاد الأول والذي تنص المادة 19 منه على أن التعليم الأولي أصبح إلزامياً ومجانياً في مؤسسات الدولة التعليمية 'حدثاً سياسياً مهماً للغاية في مسار التعليم في مصر'.
ويوضح هيكل أنه بناءً عليه تم التفكير في إنشاء المدارس الأولية، بمبانيها الحديثة والتي تختلف اختلافاً تاماً عن الكتاتيب.
ويرى مؤرخون أنه بعد هذه الفترة تراجعت الكتاتيب في مصر تدريجياً إلى أن وصلت ذروة التراجع بحلول حقبة الخمسينيات.
غير أن الدكتور عبد الباسط هيكل يقول ' في ظني لم يحدث تراجع للكتاتيب ولكن لم يحدث نمو. ففي هذا التوقيت كانت هناك تغييرات داخل المجتمع المصري مع ظهور طبقة جديدة تتشكل وهي الطبقة العُمالية'.
ووفقاً لهيكل، فإن هذه الطبقة الجديدة كانت لها متطلبات تعليمية مختلفة والمجتمع كان يُغذي هذه المتطلبات، 'وبدأت تظهر أنواع جديدة من التعليم المهني. كما بدأ يظهر ما عُرف باسم المدارس المُلحقة بالمصانع، فتم تصوير الأمر على أنه ركود أو تراجع '.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال حتى الآن هناك بعض الكتاتيب في قرى مصر، حيث يتعلم الأطفال مبادىء القراءة والكتابة وحفظ القرآن، لكنها لا تشكل القاعدة الأساسية للتعليم في البلاد، ولا يُعتد بها كمرحلة تعليمية، للالتحاق بالمدارس الابتدائية.