اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تعمل مصر في السنوات الأخيرة على تنفيذ خطة استراتيجية شاملة لتحويل موانئها إلى مراكز بحرية ولوجستية عالمية، وهو مشروع يهدف إلى إعادة صياغة موقع البلاد على خريطة التجارة الدولية.
ووفقًا لتقرير منصة بورتسيورب الأوروبية المتخصصة في شؤون الموانئ، فإن القاهرة تستثمر مليارات الجنيهات في تحديث الموانئ الممتدة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، لتصبح بوابات رئيسية تربط بين القارات وتخدم سلاسل الإمداد العالمية.
البنية التحتية البحرية على أحدث طراز
بدأت مصر بالفعل في توسعة وتطوير ميناء شرق بورسعيد داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث دشنت محطات جديدة للحاويات والبضائع العامة، وزودت الميناء بأحدث الرافعات العملاقة وأنظمة التشغيل الرقمية. كما شملت الخطة تطوير ميناء الإسكندرية، الذي يُعد أقدم الموانئ المصرية وأكثرها نشاطًا، إلى جانب ميناء العين السخنة الذي يُعتبر بوابة رئيسية للتجارة مع آسيا.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة إنشاء خمسة موانئ جديدة على طول الساحل المصري، ما يعزز القدرة الاستيعابية لحركة التجارة العالمية.
شراكات مع شركات الشحن العالمية
لم تقتصر جهود مصر على البنية التحتية فقط، بل سعت أيضًا إلى عقد شراكات استراتيجية مع شركات شحن دولية كبرى مثل ميرسك لاين، وسي إم إيه سي جي إم، وكوسكو شيبنغ. هذه الشركات بدأت بالفعل في توسيع عملياتها داخل مصر، وهو ما يعزز مكانة البلاد كمحور رئيسي للتجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. وجود هذه الشركات يضمن تدفقًا مستمرًا للبضائع عبر الموانئ المصرية، ويمنحها ميزة تنافسية أمام مراكز بحرية إقليمية وعالمية.
دور قناة السويس
وتظل قناة السويس القلب النابض لهذه الاستراتيجية، فهي ليست مجرد ممر مائي استراتيجي، بل تتحول تدريجيًا إلى مركز لوجستي متكامل يقدم خدمات النقل والتخزين والتوزيع. الحكومة المصرية أعلنت عن خطط لتوسعة القناة وزيادة طاقتها الاستيعابية، إلى جانب إنشاء مناطق صناعية ولوجستية على جانبيها، ما يجعلها أكثر من مجرد طريق بحري، بل منصة اقتصادية متكاملة.
الأبعاد الاقتصادية
من الناحية الاقتصادية، تهدف مصر إلى مضاعفة حجم الحاويات المتداولة عبر موانئها خلال السنوات المقبلة، وهو ما سيزيد من عائدات الدولة ويعزز قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية. كما أن تطوير الموانئ يخلق فرص عمل جديدة في مجالات النقل واللوجستيات والتجارة، ويضع مصر في قلب حركة التجارة الدولية. الخبراء يرون أن هذه الخطوات ستجعل مصر لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد البحري العالمي، خاصة مع موقعها الجغرافي الفريد الذي يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط.
البعد الجيوسياسي
لا يمكن فصل هذا التحول عن البعد الجيوسياسي. فمصر تدرك أن السيطرة على الممرات البحرية العالمية يمنحها نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا. في ظل المنافسة الدولية على الموانئ والممرات البحرية، تسعى القاهرة إلى تعزيز موقعها كدولة محورية في التجارة العالمية، ما يمنحها أوراق ضغط إضافية في علاقاتها الدولية.
التحديات والفرص
رغم هذه الإنجازات، تواجه مصر تحديات عدة، أبرزها المنافسة الشديدة من موانئ إقليمية مثل جبل علي في دبي، وطنجة المتوسط في المغرب. لكن الخبراء يؤكدون أن مصر تمتلك ميزة لا يمكن تجاهلها، وهي موقعها الجغرافي الفريد الذي يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا عبر قناة السويس. إذا نجحت القاهرة في استغلال هذه الميزة وتطوير بنيتها التحتية بشكل كامل، فإنها ستتمكن من منافسة أكبر المراكز البحرية في العالم.
وتسعى مصر إلى أن تصبح خلال العقد المقبل مركزًا عالميًا للتجارة واللوجستيات، بحيث لا يقتصر دورها على نقل البضائع، بل يشمل أيضًا تقديم خدمات متكاملة مثل التخزين والتوزيع وإعادة التصدير. هذه الرؤية تتماشى مع خطط التنمية الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة، والتي تهدف إلى جعل مصر واحدة من أكبر الاقتصادات الناشئة في المنطقة.
التركيز على الاستدامة
من جانب آخر، تولي مصر اهتمامًا خاصًا بالاستدامة في تطوير موانئها. فقد أعلنت عن خطط لاستخدام الطاقة المتجددة في تشغيل بعض الموانئ، إلى جانب تطبيق أنظمة رقمية تقلل من الانبعاثات وتزيد من كفاءة التشغيل. هذا التوجه يعكس رغبة القاهرة في أن تكون جزءًا من التحول العالمي نحو اقتصاد أكثر استدامة وصديق للبيئة.
وأكدت منصة بورتسيورب أن تحول مصر إلى مركز بحري هو في جوهره إعادة صياغة لدور البلاد في النظام التجاري الدولي. من خلال تطوير الموانئ، وعقد الشراكات مع شركات الشحن العالمية، وتعزيز دور قناة السويس، تسعى القاهرة إلى أن تكون لاعبًا رئيسيًا في حركة التجارة العالمية. ورغم التحديات، فإن الموقع الجغرافي الفريد لمصر يمنحها فرصة تاريخية لتصبح مركزًا لا غنى عنه في الاقتصاد البحري العالمي.


































