"الآن نحن هنا".. شهادات أطفال حرمتهم سياسة ترامب من أحضان والديهم

صدر كتاب جديد يُعد بمثابة وثيقة دامغة على واحدة من أحلك فصول سياسات الهجرة في التاريخ الأمريكي الحديث، بعنوان 'الآن نحن هنا: هجرة العائلات، تعليم الأطفال، وأحلام حياة أفضل'، للباحثة البرازيلية-الأمريكية جابرييلا أوليفيرا.

ووفقًا لصحيفة راو ستوري الأمريكية، يكشف الكتاب، الصادر بعد سنوات من البحث الميداني، تفاصيل مأساوية عن سياسة 'عدم التسامح مطلقًا' (Zero Tolerance) التي تبنّتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018، إبان ولايته الأولى والتي أدت إلى فصل آلاف الأطفال المهاجرين عن ذويهم عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، فيما تحوّلت مراكز الاحتجاز إلى مسارح للألم والارتباك الإنساني.

دموع على الحدود: شهادات من قلب المأساة

من بين القصص المروعة التي وثّقها الكتاب قصة الطفلة لوز، ذات الخمس سنوات، التي فُصلت عن والدها خوليو رودريجيز لمدة 72 يومًا بعد فرارهما من جواتيمالا هربًا من عنف العصابات. نُقلت لوز إلى مركز رعاية في نيويورك، فيما ظل والدها محتجزًا في تكساس، ولم يُسمح لهما بالالتقاء مجددًا إلا بعد معاناة بيروقراطية طويلة انتهت بلقاء مؤثر في أتلانتا، حيث حاولا لاحقًا بناء حياة جديدة في ماساتشوستس.

كما تروي ميلاني هيرنانديز من جواتيمالا كيف اضطرت للهروب من زوجٍ عنيف مع ابنها المراهق، قبل أن يتم فصلهما 'لأسباب تنظيمية' على الحدود. وتصف ميلاني تلك التجربة بأنها 'جعلتها تشعر وكأنها فقدت روحها مرتين، مرة في وطنها ومرة في أرض الحلم'.

رحلة محفوفة بالموت

لا يتوقف الكتاب عند مأساة الفصل، بل يتناول أيضًا رحلة الهجرة نفسها وما يرافقها من أخطار ومهانة. تروي الأم الجواتيمالية ديانا لوبيز كيف كادت تفقد طفلتها أثناء عبور نهر ريو غراندي، بعدما تعرضت لصعق كهربائي متعمّد من عناصر حرس الحدود أثناء محاولتها النجاة. كما يكشف الكتاب أن كثيرًا من العائلات دفعت ما بين 5 و7 آلاف دولار للمهربين (Coyotes)، ليتم نقلهم في شاحنات مكتظة وغير إنسانية، ضمّت نساءً حوامل وأطفالًا رُضّعًا.

الأطفال كـ 'بوصلة أخلاقية': دراسات الصدمة وآثارها

كرّست جابرييلا أوليفيرا أكثر من 2500 ساعة من البحث والمراقبة في منازل العائلات ومدارس الأطفال وجلسات المحامين، لتوثّق بعمق الآثار النفسية طويلة الأمد الناتجة عن الصدمة.

تقول الباحثة: “إذا جعلنا الأطفال نجمنا القطبي وهادينا في صناعة القرار، فسيتغير كل شيء نحو الأفضل في سياسات الهجرة.”

ورصدت أعراضًا مقلقة لدى الأطفال، منها الكوابيس، ضعف التركيز، الانعزال الاجتماعي، وتراجع الأداء الدراسي، فيما أُصيب العديد من الآباء باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) لكنهم اضطروا لمواصلة الحياة خوفًا من الترحيل وفقدان مصدر رزقهم.

أمل ممزوج بالذنب: بين حلم التعليم وكابوس القوانين

يصف الأب خوليو رودريجيز مشاعره بعد لمّ شمله بابنته قائلًا: “كنت أقول لها إن المدارس هنا أجمل وستمنحها مستقبلًا أفضل، لكني في داخلي كنت أتساءل: هل أخطأت بجلبها إلى هذا الجحيم؟”

وترى جابرييلا أوليفيرا أن التعليم كان المحرك الأعمق وراء هذه الهجرات الخطرة. فالأهالي لم يهربوا فقط من الفقر والعنف، بل سعوا إلى مدارس آمنة ومستقبل كريم لأطفالهم. وتنقل الكاتبة عن أم برازيلية قولها: “إما أن نبقى في بلادنا ونخسر أبناءنا في الشوارع، أو نسافر شمالًا ونخاطر بالترحيل. كنا نختار أهون الشرّين.”

إرث الجراح والتحذير الأخلاقي

تحذر جابرييلا أوليفيرا من أن جروح الانفصال لن تُشفى بسهولة، مشيرةً إلى أن الأطفال الذين مرّوا بهذه التجربة سيحملون ندوبها النفسية مدى الحياة، إذ أصبح الخوف والقلق جزءًا من تكوينهم العاطفي.

ورغم ذلك، تذكر الكاتبة أن بعض المراهقين الذين تابعتهم تمكنوا من إكمال دراستهم الثانوية ودخول الجامعات، في ما اعتبرته دليلًا على قوة الإرادة رغم الألم.

سياسة بلا قلب: وصمة على جبين الأمة

في ختام الكتاب، تصف جابرييلا أوليفيرا تلك الحقبة بأنها 'ندبة أخلاقية في جبين الأمة الأمريكية'، مؤكدة أن فصل الأطفال عن ذويهم لم يكن 'إجراءً أمنيًا'، بل انتهاكًا صارخًا للضمير الإنساني.

ووفقًا لتحقيقات صحفية لاحقة، لا يزال أكثر من ألف طفل مجهولي المصير حتى عام 2024 رغم الجهود التي بذلتها إدارة بايدن لمّ شملهم. وتختتم الكاتبة بعبارة مؤثرة تقول فيها: “هؤلاء الأطفال هم المرآة التي تعكس ما يحدث حين تُنتزع الإنسانية من السياسات، ويُستخدم القانون كأداة عقابية ربنا حتى ضد أضعف فئات البشر.”