اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
في مايو من عام 1939، أصدرت الحكومة البريطانية ما عرف تاريخيًا باسم “الكتاب الأبيض”، وهو وثيقة سياسية رسمية حاولت من خلالها لندن إعادة ضبط سياساتها في فلسطين، التي كانت تحت الانتداب البريطاني منذ عام 1920. جاء هذا الكتاب في سياق بالغ التوتر، بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936–1939) احتجاجًا على تزايد الهجرة اليهودية بدعم بريطاني، وسياسات التهجير والتملك التي بدأت تغيّر ملامح الأرض والهوية الفلسطينية.
الوثيقة الجديدة مثلت تحولًا كبيرًا في الموقف البريطاني، إذ نصت صراحة على نية بريطانيا إقامة دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنوات، تكون مشتركة بين العرب واليهود.
كما نصت على تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بحيث لا تتجاوز 75 ألف مهاجر خلال خمس سنوات، مع اشتراط موافقة العرب على أي هجرة لاحقة. كذلك، فرض الكتاب قيودًا مشددة على بيع الأراضي لليهود، في محاولة لتهدئة غضب العرب الذين كانوا يشعرون بأن وطنهم يسلم تدريجيًا لحركة استعمارية منظمة.
ورغم أن الوثيقة حملت في ظاهرها اعترافًا بالحقوق العربية، فإنها قوبلت بردود فعل متباينة.
القيادة العربية رأت فيها خطوة متأخرة بعد سنوات من المقاومة والثورات، واستقبلتها بحذر نظرًا لعدم الثقة بالوعود البريطانية المتكررة.
أما الحركة الصهيونية، فقد اعتبرت الكتاب خيانة صريحة لوعد بلفور الصادر عام 1917، والذي تحدث عن “وطن قومي لليهود” في فلسطين. واندلعت احتجاجات واسعة بين صفوف اليهود، وصلت إلى حد تشكيل منظمات عسكرية لمواجهة الانتداب البريطاني.
في السياق الدولي، أثار الكتاب الأبيض جدلًا واسعًا، خاصة أنه صدر قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وقد اعتبره البعض محاولة من بريطانيا لكسب ود العالم العربي في مواجهة التهديد المتصاعد من ألمانيا النازية، بينما رآه آخرون تعبيرًا عن أزمة استعمارية عجزت فيها بريطانيا عن التوفيق بين التزاماتها المتناقضة تجاه العرب واليهود.