اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
في قلب الأزمة المشتعلة بالسودان، ووسط حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، تتكشف في كل يوم فصول من العنف الوحشي الذي يستهدف أضعف الفئات وأكثرها حصانة: النساء والأطفال. لم تعد ساحات المعارك هي وحدها مسرحًا للدمار، بل امتدت أيادي الوحشية لتطال أرواحًا بريئة، فترسم لوحة سوداء من الاغتصاب الممنهج، والاستعباد، واختطاف الرضع، في انتهاك صارخ لكافة الأعراف والقيم الإنسانية، وفقًا لصحيفة أفريكا ريبورت.
جرائم تفوق الخيال: اغتصاب المسنات وخطف الرضع
في سابقة صادمة وغير مسبوقة، لم تعد جرائم العنف الجنسي تقتصر على الفتيات والشابات، بل امتدت لتشمل المسنات اللاتي تجاوزن الثمانين من أعمارهن. تتوالى التقارير من مناطق الصراع الأكثر سخونة، وخاصة في كردفان ودارفور، لتكشف عن مأساة حقيقية: نساء تجاوزت ملامحهن تجاعيد الزمن وكفاح الحياة يجدن أنفسهن ضحايا لاغتصاب جماعي وحشي، يمزق ما تبقى لهن من كرامة وعزة.
وتقول صحيفة الإندبندنت البريطانية: 'لكن المأساة لا تتوقف عند هذا الحد، فبشاعة الحرب امتدت لتسرق الطفولة من مهدها. تُوثق التقارير حالات مروعة لاختطاف رضع لم يكملوا أيامهم الأولى، ينتزعون من أحضان أمهاتهم المنهكات. هذه الجرائم لا تكتفي بتمزيق قلوب الأسر، بل تترك ندوبًا نفسية عميقة للأمهات، قد تصل إلى الاكتئاب المزمن واضطرابات ما بعد الصدمة. كما تشمل الانتهاكات العنف الجنسي والاغتصاب ضد اليافعين، في جريمة لا تغتفر بحق جيل كامل.
شهادة حية من قلب الجحيم
تروي 'مريم حسين' (70 عامًا) شهادتها المؤلمة، التي تعكس حجم الخذلان والوحشية التي تتعرض لها النساء. تقول مريم إنها 'تعرضت للاغتصاب من ثلاثة جنود يرتدون زي قوات الدعم السريع، بينما كانت في طريق عودتها. توسلت إليهم، وذكّرتهم بأنها في مقام أمهم، لكن توسلاتها قوبلت بالرفض التام، وتناوبوا على اغتصابها حتى فقدت الوعي'. هذه الشهادة ليست حالة فردية، بل هي صدى لآلاف القصص التي لا تُروى، وتوضح كيف أصبحت أجساد النساء ساحة لمعارك القوى المتصارعة.
إحصاءات مفزعة
وسلطت الصحيفة البريطانية الضوء على مبادرة 'صيحة' المعنية بمساعدة النساء، ووفقًا للمبادرة، فإن سجلات الانتهاكات في السودان تتزايد بشكل يومي. وقد وثقت المبادرة مئات الحالات من العنف الجنسي، تتراوح أعمار ضحاياها من سنة واحدة إلى ثمانين عامًا. وتشمل هذه الانتهاكات الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، والاستعباد الجنسي، وحتى خطف الأطفال بعمر ستة أشهر. هذه الأرقام، التي تزيد عن 400 حالة موثقة منذ اندلاع الصراع، لا تمثل سوى غيض من فيض، فكثير من الضحايا يلتزمن الصمت خوفًا من وصمة العار أو التهديد.
وكان خبراء من الأمم المتحدة أكدوا أن العنف الجنسي يُستخدم كسلاح منهجي في هذه الحرب، مُشيرين إلى وجود حملة وحشية ضد الفئات الأكثر ضعفًا. وأوضحت منظمة 'اليونيسف' أنها وثقت حالات اغتصاب وإساءات جنسية بحق 23 طفلًا، إضافة إلى عمليات خطف وتجنيد قسري.
انهيار القيم الإنسانية
تُعرب الناشطة الحقوقية 'أشواق إدريس' عن قلقها الشديد إزاء هذه الجرائم، وتعتبرها مؤشرًا على انهيار شامل للقيم الإنسانية. تتساءل: 'كيف يُستباح جسد امرأة مسنة لا حول لها ولا قوة؟ وكيف تتحول رموز الحكمة والأمومة إلى أهداف للوحشية؟'.
وفي ظل هذا الجحيم، يكشف الناشط الحقوقي 'الشافعي حمدان' عن وجه آخر للمأساة: كثير من الضحايا يتعرضن للابتزاز بتصوير الاعتداء عليهن، مما يمنعهن من طلب المساعدة. وفي بعض الأحيان، تختار الأسر 'معالجة الأمر سرًا'، مما يضيع حق الضحية في العدالة.
ويبقى السودان في آتون حرب لا ترحم، حيث يُستهدف الأبرياء، ويُغتصب الأمل. وبينما تستمر المآسي، تظل صرخات الضحايا بلا صدى، في انتظار تدخل دولي حقيقي يضع حدًا لهذه الانتهاكات التي تدمي قلوب الإنسانية وتثير باستمرار تساؤلات حول ما إذا كان هناك ضوء في نهاية النفق المظلم، أم أن المجتمع الدولي سيبقى شاهدًا على هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة دون أن يحرك ساكنًا.


































