اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تشهد تجارة الحبوب بين القاهرة وكييف تحولًا لافتًا هذا الموسم، بعدما سجلت مصر زيادة حادة في وارداتها من القمح الأوكراني، لتصل إلى ما يقرب من مليوني طن خلال الأشهر الأربعة الأولى من موسم 2025/26، وفق بيانات مجلة الشحن الأوكرانية (USM). ورغم أن إجمالي صادرات القمح الأوكراني تراجع بنحو 20% مقارنة بالعام الماضي، فإن مصر ظهرت كأبرز استثناء، بعدما وسّعت مشترياتها بمعدلات غير مسبوقة، في خطوة تعكس استراتيجية مصرية واضحة لتأمين الإمدادات الغذائية في ظل اضطرابات سلاسل التوريد العالمية.
وأوضحت البيانات الرسمية في كييف أن أوكرانيا صدّرت 6.2 مليون طن من القمح منذ بداية الموسم وحتى نهاية أكتوبر، وهو ما يمثل 37% من إجمالي الصادرات المتوقعة لهذا العام. ورغم الانخفاض الكلي في حجم الصادرات، فقد ارتفعت مشتريات القاهرة بشكل كبير، لتصبح السوق الأولى للقمح الأوكراني في 2025، متقدمة على أسواق آسيوية وشمال أفريقية تقليدية.
ووفقًا لتقرير منصة APK-Inform المتخصصة في تحليلات أسواق الحبوب، المنشور عبر المجلة، استوردت مصر أكثر من 1.8 مليون طن خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر، مقابل 659 ألف طن فقط في الفترة نفسها العام الماضي — أي ما يعادل ثلاثة أضعاف تقريبًا.
وتشير المجلة إلى أن هذا الارتفاع الحاد يعكس عودة مصر لسياسة “تنويع مصادر القمح”، بعد سنوات من الاعتماد الأكبر على روسيا. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتأثر شحنات البحر الأسود بتقلبات الحرب، يبدو أن القاهرة اتجهت لتعزيز علاقاتها التجارية مع كييف لضمان تدفق مستقر للحبوب، خاصة في ظل الارتفاع العالمي في أسعار الغذاء وتحديات الشحن البحري.
وتبرز إندونيسيا كثاني أكبر مستورد للقمح الأوكراني هذا الموسم بحجم 1.1 مليون طن، رغم انخفاض مشترياتها بنسبة 13% مقارنة بالعام السابق، بينما جاءت الجزائر في المركز الثالث بنحو 739 ألف طن بزيادة 63%. هذه الأرقام تعكس مدى تراجع الطلب في أسواق مهمة، مقابل زيادة ملحوظة من جانــب مصر التي أعادت رسم خريطة الطلب على القمح الأوكراني.
ويقدّر محللو المجلة أن الصادرات الأوكرانية في أكتوبر وحده بلغت 1.5 مليون طن، وسط توقعات بأن يصل إجمالي صادرات القمح خلال موسم 2025/26 إلى 16.7 مليون طن — بزيادة نسبتها 7% عن الموسم الماضي، رغم ظروف الحرب. كما تتوقع أوكرانيا تحقيق إنتاج إجمالي يبلغ 22.7 مليون طن من القمح هذا العام، بزيادة 1%.
ويؤكد التقرير أن زيادة واردات القاهرة من القمح الأوكراني تعكس قدرة مصر على المناورة التجارية وسط تقلبات الأسواق العالمية. فبينما تقلص تركيا مشترياتها في سوق دوّار الشمس - كما أشارت USM في تقرير منفصل - تمضي القاهرة في الاتجاه المعاكس، مستفيدة من الأسعار التنافسية ومرونة خطوط الشحن عبر موانئ رومانيا وبولندا والممرات اللوجستية البديلة التي نشأت بعد الهجمات المتكررة على موانئ جنوب أوكرانيا.
كما يشير محللو أسواق الحبوب إلى أن مصر -بوصفها أكبر مستورد للقمح في العالم - تعتمد سياسة “الشراء المبكر” لتقليل مخاطر اضطرابات الإمدادات. وهذه القفزة في الواردات تدعم المخزون الاستراتيجي للدولة، وتضمن تلبية احتياجات برنامج الخبز المدعم الذي يخدم عشرات الملايين من المواطنين.
وتبرز أهمية هذه الخطوة في لحظة تشهد فيها الأسواق العالمية تذبذبًا حادًا. فمع استمرار التوترات في البحر الأسود، وتزايد الهجمات على البنية التحتية للموانئ، وارتفاع تكاليف التأمين والشحن، تبدو القاهرة متجهة نحو ترسية عقود طويلة الأجل مع كييف، بما يضمن استقرار سلاسل التوريد خلال العامين المقبلين.
وتختتم مجلة الشحن الأوكرانية تقريرها بالتأكيد أن مصر لم تعد مجرد “مستورد كبير” للقمح الأوكراني، بل “الشريك التجاري الأكثر تأثيرًا” في توجيه صادرات كييف من الحبوب هذا الموسم، وهو تحول سيترك أثرًا مباشرًا على خريطة تجارة القمح عالميًا خلال السنوات المقبلة.


































