اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
في مقال مطوّل نشره الكاتب ديفيد إي. سانجر في صحيفة نيويورك تايمز، تناول المحلل الأمريكي المخضرم ملامح السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الثانية، مسلطًا الضوء على مفارقة لافتة: رئيس يحقق نجاحات ملموسة في ملفات دولية معقّدة، لكنه يفعل ذلك وسط فوضى قرارات وانفعالات شخصية تطيح بأي تصور عن وجود “عقيدة ترامب” المتماسكة.
نجاحات “غير متوقعة” في عامه الأول
يقول سانجر إن ترامب، رغم أسلوبه غير التقليدي، استطاع خلال عامه الأول من الولاية الثانية تحقيق نتائج لم ينجح فيها رؤساء سابقون؛ إذ أجبر الحلفاء الأوروبيين على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى مستويات غير مسبوقة، ونجح في انتزاع وقف هش لإطلاق النار بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، ما أتاح تحرير عشرين رهينة محتجزين في غزة — خطوة اعتبرها الكاتب ثمرة مزيج من الجرأة والحساب النفسي أكثر منها رؤية استراتيجية.
ورغم ذلك، يتساءل سانجر: هل يمكن لترامب أن يبني على هذه المكاسب ليصوغ سياسة خارجية متماسكة، أم أن طباعه الانفعالية ستقوده مجددًا إلى دوامة من التناقضات والارتباك؟
نزعة فردية وقرارات مفاجئة
يؤكد سانجر أن ترامب لم يتحوّل إلى “رجل دولة عالمي” كما كان يأمل أنصاره، بل تزايدت نزعاته الفردية وتوتر قراراته. فالرئيس الذي كان يُنتقد سابقًا بسبب تغريداته، أصبح اليوم يُنتقد بسبب قرارات مفاجئة تغيّر مسارات دولية في ساعات.
ويشير الكاتب إلى أن ترامب بات أكثر تقلبًا في تعامله مع العالم، خصوصًا خلال جولته الآسيوية الأخيرة، حيث بدا واضحًا ارتباك الحلفاء أمام صين تتحدى وواشنطن تتأرجح بين الحزم والمساومة.
انفجارات غضب تكلف الاقتصاد مليارات
ومن الأمثلة التي أوردها سانجر، الأزمة مع كندا حين أوقف ترامب مفاوضات تجارية ناجحة بسبب إعلان تلفزيوني استعان بصوت الرئيس الراحل رونالد ريغان للتحذير من الرسوم الجمركية.
ردّ ترامب حينها بفرض رسوم إضافية بنسبة 10٪ على السلع الكندية، ما كبّد المستهلك الأمريكي خسائر ضخمة، فقط لأن الإعلان أثار غضبه.
وفي مواجهة الصين، يكرر ترامب النمط ذاته: يصعّد التهديدات التجارية ثم يتراجع فجأة ليعلن استعداده لتسوية مع الرئيس الصيني شي جينبينغ — سلوك يعكس تناقضًا دائمًا بين التصعيد والتهدئة.
حضور عسكري بلا رؤية
ويمتد هذا الاضطراب إلى الملفات العسكرية. فبعد وعوده بالابتعاد عن الصراعات الخارجية، أرسل ترامب أسطولًا بحريًا إلى الكاريبي للضغط على فنزويلا دون توضيح الهدف الاستراتيجي، مبررًا الخطوة بمكافحة تهريب المخدرات. لكن، وفقًا لسانجر، اعترف مسؤولون أمريكيون سرًا بأنها جزء من خطة لإضعاف نظام مادورو، ما يثير تساؤلات حول شفافية الإدارة الأمريكية ونواياها الحقيقية.
الملف الأوكراني... تقلب بين موسكو وكييف
في الأزمة الأوكرانية، يرسم سانجر مشهدًا من الارتباك المزدوج: ترامب يتنقل بين خطاب متعاطف مع الموقف الروسي ودعم غير مسبوق لتسليح أوكرانيا بصواريخ “توماهوك”، قبل أن يتراجع بعد مكالمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي لقاء مع فولوديمير زيلينسكي، دعا ترامب إلى “تجميد القتال عند خطوط التماس الحالية”، في تناقض صارخ مع مواقفه السابقة.
أوروبا المرتبكة و”البيت الأبيض المتقلب”
يشير سانجر إلى أن حلفاء واشنطن الأوروبيين يعيشون في حالة ترقب دائم بعد كل تصريح أو اجتماع رئاسي. فكل مرة يظن فيها الدبلوماسيون أن واشنطن استقرت على سياسة ما، يظهر ترامب بتوجه جديد أو صفقة مفاجئة مع موسكو أو بكين، ما جعل الثقة بالحليف الأمريكي موضع شك مستمر.
سانجر: ترامب يسعى إلى نوبل... عبر الفوضى
في ختام المقال، يصف سانجر طريقة ترامب في الحكم بأنها “سياسة الحدس ورد الفعل”، مدفوعة أكثر بـ”الرغبة في الظهور الإعلامي” من أي منطق استراتيجي متماسك. وينقل عن أحد السفراء الأجانب قوله: “الاجتماع مع ترامب يشبه دخول غرفة مليئة بالقنابل التي لم تنفجر بعد.”
ويرى الكاتب أن الرئيس الأمريكي يسعى إلى أن يُذكر كـ”صانع سلام” وربما كـ”مرشح لجائزة نوبل”، لكن طريقه إلى ذلك، كما يخلص سانجر، مفروش بالفوضى والغموض والمواقف المتناقضة التي تجعل إرثه في السياسة الخارجية أحد أكثر الفصول إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث.


































