اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٢٦ أب ٢٠٢٥
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان سيدنا رسول الله ﷺ كان له منهجٌ خاص، وبرنامجٌ تربويٌّ كان يطبِّقه بين أصحابه من أجل إقامتهم على القيم الأخلاقية المثالية. وقد اتَّبع فيه النبي ﷺ خيرَ الطرائق وأحسنَها لتحقيق الأهداف، التي ظهرت بشكل جليٍّ في حياة الرسول ﷺ، وبعد انتقاله في عهد خلفائه الراشدين. فقد كان أصحاب النبي ﷺ، ومن تربَّوا على يديه، خيرَ الخلق خُلُقًا، مع أنفسهم ومع الأمم الأخرى، وكانوا نموذجًا للفضيلة والعفَّة والعدالة والصدق والتسامح والمحبة.
واوضح جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن وجود هذا البرنامج التربوي، أو المنهاج الأخلاقي الشامل في الإسلام، أمرٌ بيِّن واضح، تدل عليه شواهد كثيرة من الأحاديث والمواقف النبوية، يصعب حصرها وجلاء أمرها. فقد كانت الأخلاق أساسًا قام عليه هذا الدين، وفيها تمَّ وكَمُل.
وقد كان رسول الله ﷺ في هذه المواقف التربوية مُبلِّغًا ومربِّيًا ووالِدًا وصاحبًا وناصحًا، وكان لكل ذلك أثرٌ غير مباشر في المربَّى، ظهر في حوار النبي ﷺ وإشارته ونظرته وبسمته، فترك في نفوسهم أبلغ الأثر.
لقد دعا الرسول الكريم ﷺ إلى التحلِّي بمكارم الأخلاق والتخلِّي عن رذائلها، وبيَّن أهميتها وفضلها وشرفها في عدد كبير من النصوص والأحاديث. وقد تكررت هذه الدعوة في مواقف متعددة، وجاءت بصيغ مختلفة، واتخذت بُعدين:
- أحدهما عام: بيَّن فيه رسولُ الله ﷺ ضرورةَ الامتثال للأخلاق الكريمة بشكل مباشر فيه تعميم، أتاح للعقل والنفس أن تجتهد في امتثال كل خلق كريم يُتصوَّر وجودُهُ في أي موقف إنساني. كما بيَّن النبي ﷺ أهمية الالتزام الخُلقي في حياة المسلم، المنقطعة في الدنيا والدائمة في الآخرة، وربط محبة الخالق ومحبة رسوله بالالتزام الخُلقي. بل قصر ﷺ بعثته على إتمام مكارم الأخلاق حيث قال: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخْلَاقِ».
ورغَّب النبي ﷺ في امتثال الأخلاق الكريمة ببيان أهميتها وعظيم ثوابها، فقال: «أَكْمَلُ المؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
وقال ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا». ولما سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ».
كما رفع قيمة حسن الخلق فجعل ثوابه عند الله أعظم، فقال ﷺ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ». وجعل حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة العابد الصائم القائم، فقال ﷺ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».
- وأما البعد الخاص: فقد خصَّص فيه النبي ﷺ لكل قيمة على حدة دعوةً وبيانًا، كالسلام والمحبة والاحترام والتسامح؛ فبيَّن أهميتها وفضلها وكيفية تحصيلها ومستويات الالتزام بها.
كما نهى عن قيم سلبية محددة كالاعتداء والكذب والغش.
وقد جاءت دعوته ﷺ للأخلاق بأشكال شتى؛ منها ما كان مباشرًا، ومنها ما كان بالقدوة والممارسة العملية.
وهذه الأحاديث والمواقف ترسم صورة واضحة لأساليب التربية النبوية، وتؤكد وجود منهجٍ متكاملٍ للتربية الأخلاقية تعكسه نصوصه ﷺ وأفعاله.
لقد قدَّم النبي ﷺ لهذه الأمة أنموذجًا للخلق البشري الكامل، قال عنه ربه سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. فجاء في صورة الكمال الخُلقي، ولم يكن دوره بين أصحابه مقصورًا على إصدار الأوامر ومراقبة التنفيذ، بل عاش بينهم، وشاركهم أعمالهم وهمومهم؛ فشاركهم بناء المسجد، وحفر الخندق، والهجرة إلى المدينة، والجهاد، والصبر على الجوع والآلام. ولم يكن ﷺ يستأثر بشيء دونهم، بل كان يعاني كما يعاني أقلهم، ويؤثرهم على نفسه في كثير من الأحيان.