بعد ارتفاع حالات الطلاق والعقوق وتعاطي المخدرات.. من يتآمر على المصريين؟

- د.منال عمران: «خريطة طريق واضحة للتشخيص والحد من الجرائم»

- د.علي الله الجمال: «هذه أسباب الفجوة مع الأبناء وتراجع الدفء الأسري»

- د.قياتي عاشور: «الإهانة والإساءة النفسية تتسبب في سلوكيات عدوانية»

حدد خبراء ومختصون خريطة طريق لمواجهة حالات الانفلات الأخلاقي والسلوكي في مصر، والتصدي للظواهر الكارثية التي تستهدف تفكيك المجتمع، وتكشف عن حجم التآمر عليه، على خلفية ما تتعرض له القيم والثوابت من مخططات متعددة الأشكال، ومجهولة المصادر!

وشدد أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، د.منال عمران على أنه «لابد من سرعة تحصين الشباب، في ظل تعدد عمليات الاستهداف التي يتعرض لها، والتي صنعت لديه ثقافة استهلاكية، ورغبة في الكسب السريع، والثراء، غير محسوب العواقب».

ونبهت الخبيرة الاجتماعية إلى «ضرورة عودة ثقافة الإنتاج، وربط الدراسة بحاجة سوق العمل، كونها الخطوة الأولى في الحد من البطالة، والتصدي للظواهر السلبية التي تؤثر في توجهات الشباب، لاسيما ظاهرة التقليد التي تقود للتغييب، وتعاطي المخدرات، والعنف المجتمعي».

وفي مواجهة بعض الجرائم التي يرتكبها البعض وقد يسجلونها علي الهواء مباشرة، نصحت الخبيرة الاجتماعية بـ«استراتيجية متكاملة تشارك فيها كافة المؤسسات البحثية لدراسة المتغيرات علي المجتمع المصري للحفاظ علي منظومة القيم».

وقالت: «من شأن هذه الاستراتيجية، أن تتطلب العمل علي أرض الواقع للتعرف علي ما يحاك ضد المجتمع، والتعرف علي المتغيرات التي لحقت بالشخصية المصرية، ودور وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدامها بدون وعي أو رقابة».

وأشارت إلى أن «تحصين الشباب وإعداده ليكون عنصرا بناء في المجتمع، يعني الحد من الجرائم والميول العنيفة والعدوانية، ويقطع الطريق على تفكك الأسرة ويحد من معدلات الطلاق، من خلال مشروع قومي لعلاج الخلل الاجتماعي في مصر».

وأكدت «أهمية تجديد الخطاب الديني، حسب طبيعية المناطق، والخطاب الذي يناسبها، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية، ووضع خطط تربوية وتعليمية وإعلامية واضحة المعالم، وتقديم نماذج تكون قدوة حقيقية للشباب بمشاركة الفنانين والرياضيين والشخصيات العامة».

مخاطر مجتمعية

وحذرت أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، د.سوسن فايد، من «مخاطر تستهدف المجتمع المصري» لكنها أوضحت أن «الأسباب معروفة، والحلول موجودة، لكن موضوعة في الأدراج».

وأكد د.«سوسن فايد» أن «هناك تقصيرا من الأجهزة المعنية، رغم تراجع منظومة القيم، لحساب أجندات خارجية وتداعياتها السلبية علي سلامة المجتمع، الذي يحتاج للتحصين من مخاطر حروب الجيل الرابع، وهو ما يتطلب خطابا توعويا معتدلا وجاذبا لا منفرا».

وطالبت بأن يكون «مجلس الوزراء مظلة لتنفيذ عملية التحصين، ومراعاة التنسيق بين الجهات المعنية لوضع مشروع قومي يحمي قيم المجتمع، بمشاركة المختصين، لتعزيز نشر القيم والتعرف علي ما يجري في المناطق العشوائية، وحماية الفئات الاجتماعية المختلفة».

وطالبت بـ«إعادة النظر في برامج التنشئة الأسرية والتعليمة، لغرس القيم الإيجابية المعبرة عن الشخصية المصرية، وإعادة الاعتبار لقيمة العمل الجاد والمتقن، وتفعيل الميثاق الأخلاقي لوسائل الإعلام المختلفة، وتقديم أعمال فنية تحافظ على الهوية المصرية».

وثمنت «جهود الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتنفيذها مبادرة أخلاقنا جميلة، ومحاولاتها معالجة السلوكيات السلبية عبر أفلام فيديو قصيرة ورسائل نصية تحوي حكما ومعاني عميقة وقيما إيجابية مثل أهمية إتقان العمل والمثابرة والإخلاص والصدق وحب الوطن وغيرها».

من المسئول؟

وحدد مدرس علم الاجتماع السياسي بجامعة بني سويف، د.قياتي عاشور، أبعاد التحولات التي يعيشها المجتمع المصري وهي «تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة على مدى العقود القليلة الماضية، التي تسببت في تغير المنظومة الاجتماعية والقيمية».

وأوضح أن «مرجع ذلك إلى أسباب عدة، منها تأثير الثقافة الغربية على الشباب المصري عبر وسائل الإعلام الجديد، والتعليم، والعمل، وهذه الثقافة تهتم بالفردية والحرية الشخصية على حساب الأخلاق، مع غياب التنشئة الأسرية السليمة، بسبب انشغال الأسر أو عدم وعيهم».

وأشار إلى «تأثير الأوضاع الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة الفقر والبطالة بين أفراد المجتمع، في بعض حوادث العنف الجديدة على المجتمع، خاصة مع تراجع قيم التضامن والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع».

ونبه د.«عاشور» إلى مخاطر «التعرض للعنف أو الإهانة أو الإساءة النفسية، ودروها في تشكيل سلوكيات عدوانية» موضحا أن «تزايد معدلات الطلاق ونشر الفضائح، يعود إلى تغيرات في المنظومة الاجتماعية والثقافية، والعلاقات الاجتماعية ومفاهيم الزواج والعائلة».

وقال: «إن التغير السريع في القيم والممارسات الاجتماعية يؤدي إلى عدم الاستقرار العاطفي والاجتماعي والنفسي للأفراد، ويتسبب في تفكك العلاقات الزوجية والأسرية، وهي مسئوليات الأسر، والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني، وكذلك الدولة عبر التشريعات الرادعة».

مسئولية جماعية

وأوضح د.علي الله الجمال (من علماء الأوقاف) لـ«الأسبوع»: أن «الحفاظ علي منظومة القيم الاجتماعية، مسؤوليتنا جميعا لمواجهة التغيرات والمستجدات وموجات التغريب والتشريق والغزو الفكري والثقافي، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي».

وحذر «الجمال» من غياب الرقابة الأسرية خلال متابعة الأبناء لمواقع التواصل الاجتماعي «التي تؤثر سلبا على العلاقات الأسرية، حيث تتسع دائرة التباعد وغاب الحوار ونشأت فجوة في الأفكار بين الآباء والأبناء، مما أضعف الصلة والتقارب ودفء العلاقات الأسرية».

ولفت النظر إلى «علاقات الصداقة الافتراضية، حيث تحاول استراتيجية الأزهر ووزارة الأوقاف وكل المؤسسات الدينية، التعامل مع هذه المتغيرات ومواجهة المخاطر التي تحاك ضد المجتمع والوطن، من خلال تكثيف الحملات التوعوية المباشرة للوعاظ والواعظات».

خلاصات مهمة

إذن، تتضح من واقع الآراء المتخصصة التي تحدثت لـ«الأسبوع» ملامح الاستراتيجية الوطنية المطلوبة، التي يجب أن يتم تنفذها تحت مظلة الحكومة، والإسراع بها، حفاظا على منظومة القيم الاجتماعية، والمساهمة في تعزيز الشخصية المصرية.

ترد التفاصيل التي طرحها الخبراء على تساؤلات عدة في الشارع المصري، مفادها: ماذا حدث لمنظومة القيم في مصر؟.. لماذا يتمدد العنف النسبي في المجتمع؟.. ما أسباب وقائع العقوق، التي تصل حد الاعتداء على الوالدين في بعض الحالات؟

تتواصل التساؤلات (والإجابات) حول أسباب تفسح العلاقات الأسرية، وتزايد حالات الطلاق، والمبادرة بنشر الفضائح، التي لم تعد مقصورة على المناطق العشوائية، بل تمتد للتجمعات السكنية الراقية (الكمبوندات) ودور حروب الجيل الرابع والخامس في محاولات طمس الهوية.