اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
في مشهد دموي غير مسبوق، تصدّر اسم الفاتح عبد الله إدريس، المعروف بلقب 'أبو لولو'، واجهة الأحداث في مدينة الفاشر، شمال دارفور، بعدما نشر سلسلة من المقاطع المصورة على منصة تيك توك، يظهر فيها وهو ينفذ عمليات قتل ميدانية بحق مدنيين وأسرى، في مشاهد أثارت الذعر والغضب على نطاق واسع.
لم يكتف 'أبو لولو' بتنفيذ الإعدامات، بل تعمّد توثيقها بالصوت والصورة، حيث ظهر وهو يجبر ضحاياه على ترديد شعارات تمجّد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو 'حميدتي'، قبل أن يطلق النار عليهم أمام الكاميرا. في أحد التسجيلات، أعلن بشكل صريح أنه أقسم على مواصلة القتل حتى يبلغ هدفه المعلن: 'ألفين قتيل'، وهو ما اعتبره مراقبون تصعيدًا خطيرًا في نمط العنف الرمزي الذي بات يُستخدم كسلاح نفسي في النزاع السوداني.
وأكدت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن هذه المقاطع تمثل دليلًا مباشرًا على تحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى أدوات توثيق للفظائع، وتكشف عن مستوى غير مسبوق من التوحش العلني في ساحات القتال.
من ساحة المعركة إلى البث المباشر: القتل كعرض رمزي
ما يميّز هذه القضية عن غيرها من جرائم الحرب في السودان، هو توثيقها بالصوت والصورة من داخل ساحات القتال، وبأسلوب استعراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لم تعد الجرائم تُرتكب في الظل، بل أصبحت تُعرض على الملأ، في بثوث مباشرة يتفاخر فيها القاتل بعدد ضحاياه، ويهدد بالمزيد.
وتحوّل القتل إلى عرض رمزي يهدف إلى بث الرعب وكسر إرادة الخصوم وتكريس صورة 'المنتصر المتوحش'. هذا النمط الجديد من العنف لا يستهدف فقط الضحية المباشرة، بل يوجّه رسائل نفسية إلى المجتمع بأكمله، ويعيد تشكيل الوعي الجمعي في مناطق النزاع. خبراء القانون الدولي وصفوا هذه الظاهرة بأنها 'تطبيع للفظائع'، واعتبروا أن استخدام المنصات الرقمية في بث القتل يمثل تحديًا جديدًا للعدالة الدولية، ويكشف عن فجوة خطيرة في آليات الرقابة والمساءلة.
الدعم السريع تتبرأ... والشارع لا يصدق
وفي ظل تصاعد الاتهامات، سارعت قوات الدعم السريع إلى إصدار بيان تنفي فيه علاقتها بـ'أبو لولو'، ووصفت تصرفاته بأنها 'فردية ولا تمثل المؤسسة'. لكن هذا التنصل لم يقنع كثيرين، خاصة أن المقاطع تُظهر عناصر يرتدون زي الدعم السريع، ويشاركون في عمليات القتل أو يقفون متفرجين دون تدخل.
الشارع السوداني، الذي يعيش تحت وطأة الحرب والانهيار، يرى في هذا التبرؤ محاولة مكشوفة للتنصل من المسؤولية، خصوصًا أن 'أبو لولو' لم يكن مجهولًا، بل شخصية معروفة في أوساط الدعم السريع، وسبق أن ظهر في مقاطع سابقة وهو يتلقى أوامر من قيادات ميدانية. هذا التناقض بين الصورة الرسمية والواقع الميداني يعمّق أزمة الثقة، ويطرح تساؤلات حول مدى السيطرة الفعلية للقيادة على عناصرها، وحول طبيعة العقيدة القتالية التي تحكم سلوك هذه القوات.
الفاشر تنهار تحت القصف
منذ اقتحام قوات الدعم السريع لمدينة الفاشر، تعيش المدينة تحت حصار خانق، مع انقطاع شبه كامل للإمدادات الطبية والغذائية، وتوقف الخدمات الأساسية. آلاف المدنيين فرّوا من منازلهم، فيما تتحدث تقارير محلية عن مقابر جماعية بدأت تظهر في أطراف المدينة، تضم ضحايا الإعدامات التي نفذها 'أبو لولو' ومجموعات أخرى.
وأصبحت المستشفيات عاجزة عن استقبال الجرحى، والمراكز الطبية أُغلقت أو دُمّرت، فيما تُرك السكان لمصيرهم في ظل غياب أي تدخل دولي فعّال. المنظمات الإنسانية تواجه صعوبة في الوصول إلى المدينة، وسط تهديدات أمنية متزايدة، وتضييق من قبل القوات المسيطرة على الأرض. الوضع الإنساني في الفاشر بات كارثيًا، مع تفاقم حالات الجوع والمرض، وتزايد أعداد الأطفال والنساء الذين فقدوا المأوى والرعاية.
المحكمة الجنائية الدولية تتحرك... ولكن ببطء
في تطور لافت، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بجمع الأدلة حول جرائم الفاشر، وسط مطالبات من منظمات دولية بإدراج 'أبو لولو' على قائمة المطلوبين دوليًا. ورغم أن السودان ليس طرفًا في نظام روما الأساسي، إلا أن حجم الجرائم الموثقة دفع جهات قانونية إلى المطالبة بتدخل أممي، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة.
لكن التحرك الدولي لا يزال بطيئًا، ويواجه عقبات سياسية وقانونية، في ظل تعقيدات المشهد السوداني، وتداخل المصالح الإقليمية والدولية. وبينما تتزايد الدعوات لمحاسبة الجناة، لا تزال الجرائم تُرتكب، والضحايا يُدفنون بصمت، دون عدالة أو مساءلة. هذا البطء في الاستجابة الدولية يعكس هشاشة النظام القانوني العالمي، ويطرح تساؤلات حول جدوى المؤسسات الأممية في مواجهة الجرائم الفورية والموثقة.
تيك توك كمنصة لتوثيق القتل: تحديات جديدة أمام العدالة والسوشيال ميديا
ما يثير القلق في هذه القضية، ليس فقط حجم الجرائم، بل الطريقة التي تُعرض بها. استخدام تيك توك كمنصة لتوثيق القتل، يطرح تحديات قانونية وأخلاقية جديدة، حول دور شركات التكنولوجيا في مراقبة المحتوى، ومسؤوليتها عن منع استخدام منصاتها في الترويج للعنف.
وتتحول المنصات الرقمية، التي لطالما وُصفت بأنها أدوات تواصل، تدريجيًا إلى ساحات حرب رمزية، حيث تُبث الفظائع، وتُصنع الأساطير، ويُعاد تشكيل الوعي الجمعي. وهو ما يستدعي مراجعة شاملة لدور هذه المنصات ومسؤولية الشركات التي تديرها في النزاعات المسلحة، وآليات الرقابة والمساءلة، خاصة في ظل تزايد استخدام البث المباشر كأداة دعائية في الحروب الأهلية.


































