اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
مطالبات بحماية خصوصية المشاهير والأشخاص العاديين على السواء والعمل على التوعية بضوابط النشر على مواقع التواصل
في أي تجمع أو محفل عام وحتى في الشوارع أثناء وقوع أي حدث أصبح مألوفاً مشاهدة كثير من الناس رافعين هواتفهم للتصوير من دون أي اعتبار لانتهاك الخصوصية أو لمدى قانونية التصوير من عدمه في ظاهرة أصبحت مثيرة للجدل لم تعد تقتصر على المشاهير أو النجوم كما كانت الحال سابقاً.
السعي إلى اقتناص صورة غير نمطية أو بها جانب من الحياة الشخصية ليس بالأمر الجديد لكنه كان سابقاً يتركز على المشاهير، إذ يسعى المصورون إلى الحصول على صورة تحمل شيئاً مثيراً يخصهم لبيعها للصحف، ومن هنا ظهر مصطلح 'الباباراتزي' للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي على يد المخرج الإيطالي فيديريكو فلليني في فيلم 'الحياة حلوة' la dolce vita حين استوحاه من شخصية مصور صحافي يطلق عليه بابا راتزو كان دائم البحث عن لقطات حصرية.
عانى كثير من المشاهير الباباراتزي بصور مختلفة، كان أشهرها الأميرة ديانا التي لاحقها المصورون في كل مكان ولقيت حتفها عام 1997 أثناء هرب السائق من مطاردة المصورين لها وكانت هذه هي الحادثة الأشهر.
مع اختلاف الزمن وأدواته وتطور التكنولوجيا وظهور مواقع التواصل الاجتماعي ووجود كاميرا في هاتف كل شخص تغير مفهوم الباباراتزي ولم يعد مقتصراً على المصورين المتخصصين أو على المشاهير من النجوم والفنانين، فكل شخص أصبح بإمكانه التقاط صور أو مقاطع فيديو ونشرها على مواقع التواصل التي أصبحت تضج بالفوضى العارمة في هذا الشأن وأحياناً تتسبب في أزمات ومشكلات لأشخاص نتيجة هوس البعض بالتريند وبتحقيق المشاهدات بأي ثمن.
في مصر أخيراً اتخذ هذا الأمر منحى جديداً، إذ اتجه قطاع من الناس لتوثيق الأوضاع الخاطئة والحوادث والأشكال المختلفة للخروج عن القانون بهذه الصورة، فمنذ فترة وثق أحد قائدي السيارات حادثة لمجموعة من الشباب طاردوا فتيات في سيارة ونتج من هذا اصطدام الفتيات بشاحنة، ولقي هذا الفيديو تفاعلاً كبيراً باعتباره وثق الحادثة وكان دليلاً عليها، لاحقاً قام آخر بتصوير راكبي سيارة على الطريق مدعياً إتيانهم بأفعال فاضحة لتتدخل الشرطة ويواجه مصور الفيديو تهمة التشهير وإساءة استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما أثار جدلاً بين بعض المصريين حول هل كان مخطئاً أم مصيباً وعن مدى أحقية الشخص في تصوير آخرين حتى لو كانوا يرتكبون فعلاً خاطئاً؟
خصوصية الأشخاص بشكل عام هي حق يكفله القانون حتى لو كانوا مجرمين أو متهمين في وقائع محددة، فتظهرهم مواقع وصفحات الجهات المتخصصة مع التمويه على وجوههم باعتبار أن هذا حق من حقوقهم، أما ما يحدث حالياً بقيام أي شخص بدور الشرطي معطياً لنفسه حق ضبط المخالفات أو أن يكون رقيباً على الناس والأخلاق فهو أمر جديد على المجتمع.
من وجهة نظر المحامي، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عصام شيحة، فإن 'قانون العقوبات المصري ينص صراحة على حماية الخصوصية في أكثر من مادة، وما يحدث على السوشيال ميديا في مصر كانت بدايته شعور الناس في فترة من الفترات بفراغ أمني فبدأوا في توثيق حوادث الإجرام والبلطجة والعنف كوسيلة لإبلاغ الشرطة، واستمر الوضع لاحقاً بعدما لوحظ أن قطاعاً من المواطنين له اهتمام بهذا الأمر ويحقق نسب مشاهدة عالية، لاحقاً أصبح يساء استغلاله، ففي الخلافات الشخصية على سبيل المثال تنشر مقاطع فيديو كثيراً ما تُجتزأ من سياقها ولا توضح التفاصيل الكاملة للواقعة لتحقيق غرض معين ودفع الناس إلى تبني وجهة نظر بعينها فقد يتم استفزاز شخص وعرض رد فعله بينما من الأساس هو صاحب الحق'.
وتابع 'في الفترة الأخيرة أصدرت النيابة العامة بياناً مفاده أنها تهيب بالمواطنين في حال تصوير وقائع أو حوادث إرسالها للجهات المتخصصة وعدم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لما يترتب على ذلك من مسؤولية قانونية إضافة إلى إساءته للوطن والمجتمع والأفراد، فلا بد من أن يكون هناك توعية لكيفية التعامل في هذه المواقف وما يجوز وما لا يجوز، لأن الأمر أحياناً بات يستغل في ما يمكن أن نطلق عليه الثأر الإلكتروني، فالبعض يتم الانتقام منه بهذه الوسيلة وعبر استخدام السوشيال ميديا'.
يتفاقم الأمر في حال المشاهير مثل الممثلين أو لاعبي الكرة، فـ'صائدو التريند' جاهزون لاقتناص الهفوات واللحظات العفوية وحتى اللحظات العائلية الخاصة التي من المفترض أن يمارس فيها الشخص حياته الطبيعية من دون ضغوط، لكن شهوة التريند عند البعض تتعدى كل الحدود، على سبيل المثال انتشر مقطع فيديو أخيراً للفنانة حنان مطاوع بصحبة طفلتها التي تخفيها عن الإعلام خلال وجودهما بواحد من المولات، ارتفعت الهواتف لتصور الفنانة وطفلتها على رغم اعتراضها ليتم تداول الفيديو باعتباره الظهور الأول لابنة الفنانة في انتهاك صارخ لخصوصيتها وعلى رغم إعلانها الواضح رفضها التام للتصوير.
منذ أشهر عدة حدثت واقعة في سياق آخر حينما التقطت الكاميرات المرفوعة مشهداً للفنان أحمد عبدالعزيز وقيل إنه رفض مصافحة أحد المعجبين وتم تداول الفيديو مع انتقاد حاد للفنان، وأخيراً تم تداول مقطع فيديو للفنانة داليا البحيري منفعلة على أشخاص يصورونها أثناء دخولها أحد الاحتفالات والأمثلة كثيرة.
وأحياناً لا يكون الشخص الذي يقع في مرمى الكاميرات هو المشهور ذاته لكن أحد أفراد أسرته، مثلما حدث أخيراً مع ماجي زوجة اللاعب المصري محمد صلاح، حينما ظهرت في إحدى المباريات ليتم تداول فيديوهات تحلل تصرفاتها وتنتقد مظهرها وملابسها وطريقة تعاملها.
ولا تخلو أي أحداث يوجد فيها المشاهير مثل المهرجانات أو الأفراح وحتى الجنازات من الهواتف المرفوعة بواسطة أفراد يبحثون عن التريند، مما أثار جدلاً واسعاً مرات كثيرة حول كيف يمكن ضبط هذا الوضع والسيطرة عليه في ظل ترصد البعض لاقتناص أي لقطة تزيد المشاهدات وتتحول لتريند من دون أي ضابط أخلاقي مثل المنشورات التي تهدف إلى إثارة الجدل على شاكلة 'شاهد الفنانة من دون مكياج، وشاهد ماذا فعل الفنان على الشاطئ، وشاهد الفنان وهو ينفعل على من يقوم بتصويره وغيرها مما صارت تضج به صفحات السوشيال ميديا'.
أثارت هذه المشاهد المتكررة اهتمام أستاذ الصحافة والنشر الرقمي بجامعة السويس حسين ربيع، الذي أصدر مدونة سلوك في إطار بحث تحت عنوان 'التنظيم الذاتي للحق في الصورة كآلية لمواجهة انتهاك الخصوصية'، وعنها يقول 'استهدفت بهذه المدونة المصورين المنتمين لجهات غالباً سيكون لها معايير وأخلاقيات، لكن الأزمة حالياً أن الجميع أصبح مصوراً وهناك عدد غير محدود من المواقع والصفحات على السوشيال ميديا يقوم عليها أشخاص دخلاء على المهنة كل هدفهم المشاهدات والتريند من دون أي ضابط أخلاقي، ونتج من هذا تعرض كثير من الناس سواء من المشاهير أو المواطنين العاديين لمشكلات'.
يضيف ربيع 'الأزمة هنا أن المصور الصحافي يمكن محاسبته لو أخطأ، لكن في حال المواطنين العاديين الرافعين عشرات الهواتف في وجه شخص معروف يكون الوضع أصعب، فالشخص لن يرفع عشرات الدعاوى القضائية على كل هؤلاء وهذا يزيد من الأزمة ويجعل السيطرة عليها أصعب'، وتابع 'هناك مجموعة من المبادئ والمعايير المنظمة لاستخدام الصورة في جميع مراحلها بداية من التقاطها وحتى تحريرها ونشرها، تضمن عدم التلاعب بمحتوى الصور، وعدم الإفراط في استخدام الصور المعدلة أو المصطنعة، ومراعاة الحق في الخصوصية، واحترام حق الشخص في رفض تصويره، وعدم استغلال ضعف الفرد في أوقات الصدمة أو الحزن أو ضحايا الجريمة والمآسي، والتزام حقوق الملكية الفكرية عند الاستعانة بصور من مواقع الشبكات الاجتماعية أو أي مصادر أخرى، واحترام الذوق العام وعدم نشر صور تثير الفتنة أو تدعو للابتذال'.
مقاطع الفيديو المنتشرة على الـسوشيال ميديا، فضلاً عن اختراقها الخصوصية، تتسبب أحياناً في أزمات للبعض لا تنتهي، وهي مادة غنية جداً لكل من يبحث عن المشاهدات من دون أي وازع أخلاقي، فمنذ فترة تم تداول مقطع فيديو لسيدة عادية ترقص في أحد الأفراح فانتشر انتشاراً واسعاً وتسبب في أزمة عائلية كبيرة للسيدة التي قيل وقتها إنها طلقت من زوجها.
مقطع آخر منذ نحو عام تم تداوله لفتاة تحتفل في حفل تخرجها تسبب لها في أزمة كبيرة، حتى إنها خرجت تبرر وتتحدث عن عائلتها وأخلاقها، وأحياناً لا يقتصر الأمر على مقاطع فيديو تتضمن سياقات قد يراها البعض سلبية وإنما يمكن أن يكون الفعل إيجابياً، مثل فيديو تم تداوله منذ فترة قصيرة لطفلة تتراجع عن الشراء من أحد المحال لتعطى نقودها القليلة لشخص محتاج واشتهر بعنوان 'فتاة الشيبسي'، لم تعارض أسرة الصغيرة نشر الفيديو بل خرجوا في لقاءات تلفزيونية عدة، لكن في حال أخرى يمكن ألا يفضل شخص أن يظهر هو أو أحد أفراد أسرته في مقطع يتم تداوله على السوشيال ميديا من دون إذنه حتى لو في سياق إيجابي.
البعض يرى أن الكاميرات المرفوعة دائماً في أي حدث أو مناسبة حتى ولو كانت عائلية أفقدت كثيراً من الناس تلقائيتها وجعلت الصورة منمقة ومفتعلة بصورة مبالغ فيها، خوفاً من أي هفوة قد تتحول لتريند أو من إساءة استخدام هذه الصور أو الفيديوهات، بخاصة لو كانت في تجمع يضم كثيراً من الناس مثل حفلات الزفاف على سبيل المثال.
تحكي أميرة السيد (29 سنة) وهي عروس تزوجت منذ أشهر عدة 'في حفل خطبتي كنت أشعر بكثير من التوتر، فالجميع أعرفه ولا أعرفه يرفع الهواتف للتصوير، وبعدها فوجئت بتداول كثير من مقاطع الصور والفيديو على هواتف العائلة والأصدقاء وعلى السوشيال ميديا، كان الأمر مزعجاً لي لأقصى درجة باعتباري لا أحب مشاركة حياتي الشخصية، في الزفاف تعاقدت مع منظم حفلات يوفر غطاءً للموبايل لمنع التصوير يضعه على هواتف المدعوين وقت دخولهم، وتلك خدمة بدأت في الظهور أخيراً حماية للخصوصية، بعض المدعوين انزعج وآخرون تفهموا لكن الوضع كان أقل توتراً وأكثر خصوصية، فالبعض يعطي نفسه هذا الحق من دون أي اعتبار لأي شيء'.
في ما يتعلق بالتصوير فبعض الدول تجرم أفعالاً معينة مثل تصوير ضحايا حوادث المرور على سبيل المثال باعتبار أنهم يكونون في وضع لا يفضلون الظهور عليه، والبعض يضع ضوابط صارمة على تصوير الأطفال، لكن حالياً يبرر البعض أهمية التصوير بأنه كان سبباً في التحرك السريع للجهات المتخصصة في مواقف بعينها.
وهنا يشير أستاذ الإعلام حسين ربيع إلى أن 'الأزمة هنا أن ضغط السوشيال ميديا والرأي العام أدى إلى نتائج ومن ثم بات دافعاً لآخرين إلى الاستمرار في هذا الوضع، فمع تحرك الجهات المتخصصة أكثر من مرة وجد البعض أن هذا هو السبيل الأقصر والأسرع لاتخاذ إجراء من السلطات التي من المفترض حالياً أن تقوم بحملة لتوجيه الناس لإرسال هذه المقاطع المصورة إليها مباشرة والإعلان عن الوسائل المتاحة بذلك، مع تعريف الناس بالقوانين والعقوبات المتعلقة بانتهاك الحياة الشخصية للناس، وأن يرى الناس أن العدالة تتحقق بالفعل من دون ضغط من السوشيال ميديا'.
يقول رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عصام شيحة إن 'التصوير أفاد بالفعل في كثير من الوقائع لكن الأمر حالياً تحول لفوضى ولم يعد له أي ضوابط وأحياناً أصبح يستخدم لأهداف انتقامية أو ثأر شخصي، ودائماً ما كانت القوانين والأعراف في مصر بصورة عامة ضد الفضائح والتجريس وانتهاك الخصوصية'.


































