اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢١ نيسان ٢٠٢٥
تخطط لإعادة الإعمار ودعم الحوار الداخلي مع توسع سيطرة الجيش على الخرطوم ومناطق أخرى
مع تصاعد التقدم الميداني للجيش السوداني بمواجهة قوات 'الدعم السريع' والسيطرة على العاصمة الخرطوم، تتجه الأنظار إلى مرحلة ما بعد الحرب، بخاصة في مصر الجارة الشمالية التي طاولتها تبعات الحرب المستعرة منذ عامين، بعدما أدت المعارك إلى موجة نزوح وأزمة اقتصادية أضرت بالاقتصاد المصري، إضافة إلى اشتعال الجوار الإقليمي لمصر بالصراعات.
الارتباط التاريخي والجغرافي والشعبي بين مصر والسودان، وضع القاهرة في قلب الصراع السوداني الداخلي منذ اندلاعه، وتبنت مصر مقاربة داعمة للجيش السوداني باعتباره 'إحدى مؤسسات الدولة الوطنية'، مع تأكيد دعم وحدة وسلامة الأراضي السودانية، وتطور الموقف المصري إلى العمل على وضع تصور لإعادة إعمار السودان إثر انتهاء الحرب، بعدما قدمت القاهرة 'دعماً تاريخياً غير محدود' للمؤسسات السودانية خلال فترة الحرب، بحسب تعبير المتحدث باسم الحكومة السودانية خالد الإعيسر، في تصريحات تلفزيونية.
إعادة الإعمار
وفي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، زار وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي بورتسودان، بعد وقت قصير من سيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني، وهو ما كان مؤشراً إلى النجاحات الميدانية التي توجت باستعادة العاصمة الخرطوم. وخلال تلك الزيارة طرح عبدالعاطي إمكانية مساعدة السلطات الانتقالية على إعادة إعمار السودان في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، منوهاً بـ'الإمكانات المتميزة للشركات المصرية في كثير من المجالات، والخبرة التي أصبحت تتمتع بها، والمشروعات التنموية الكثيرة التي قامت بتدشينها في أفريقيا'، وفق بيان للخارجية المصرية.
وعقب الزيارة شكلت الحكومتان المصرية والسودانية فريق عمل مشتركاً لبحث ملف إعادة الإعمار، على أن يقوم الجانب السوداني بتقييم الأوضاع وإيضاح ما تحتاج إليه السلطات هناك من الجانب المصري، وفق تصريحات صحافية لمساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان، السفير ياسر سرور.
لكن الدعم المصري من الممكن البدء فيه حالياً مع عودة أعداد كبيرة من اللاجئين من دول الجوار، خصوصاً مصر، إلى السودان، إثر سيطرة الجيش على معظم المدن الرئيسة وآخرها العاصمة الخرطوم، إذ يرى نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة، أن القاهرة قادرة على تقديم خدمات 'التعافي المبكر' للسودانيين بعد أعوام من الحرب والدمار، موضحاً لـ'اندبندنت عربية'، أن العائدين إلى المدن المدمرة في حاجة إلى خدمات أساسية مثل الكهرباء، فضلاً عن ترميم المنازل المدمرة، مشدداً على أن إعادة الإعمار بمعناه الشامل لن تتحقق إلا باستقرار كامل في جميع المناطق السودانية، كما أكد أهمية الاستعداد لذلك بوضع خطة واضحة محددة، بما يشمل إسهام الجاليات السودانية وكبار رجال الأعمال السودانيين.
وتشير مبادرات شعبية للسودانيين في مصر إلى عودة الآلاف منهم طواعية إلى بلادهم في الأسابيع الأخيرة، مما أدى لتكدس حافلات العائدين في المعابر الحدودية. واستقبلت مصر منذ اندلاع الحرب السودانية قبل عامين نحو 1.2 مليون سوداني، وفق تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في يناير الماضي.
كما أعلنت الحكومة السودانية الشهر الماضي، عن تسهيلات لمن يرغب في العودة إلى السودان من مصر، تضمنت إطلاق تخفيضات على تذاكر الطيران، إضافة لإعلان شركة 'مصر للطيران' تسيير أربع رحلات أسبوعياً من القاهرة إلى بورتسودان، بدءاً من 30 مارس (آذار) الماضي.
بحثاً عن تسوية
وبحسب الدبلوماسي المصري السابق، لن يقتصر الدور المصري في المرحلة المقبلة على إعمار السودان، بل سيرتكز بالأساس على محاولة إيجاد تسوية شاملة للأزمة، انطلاقاً من الرؤية التي قدمتها مصر في مؤتمر القوى الوطنية السودانية الذي استضافته القاهرة، يوليو (تموز) من العام الماضي، والتي تشمل أربعة محاور أساسية هي الجانب السياسي، والوضع الإنساني، والجانب الأمني، وإعادة الإعمار، مع تأكيد المبادئ الأساسية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، والحفاظ على وحدة البلاد والجيش السوداني، مشيراً إلى أن التحرك المصري تميز بالدعوة إلى حوار سوداني – سوداني من دون تدخل خارجي.
ونقل رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، رسالة شفهية من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، خلال زيارة إلى بورتسودان، الثلاثاء الماضي. وشمل اللقاء بحث 'سبل استعادة الاستقرار والعمل المشترك لإنهاء الحرب بما يحفظ سلامة ووحدة السودان'، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية المصرية.
وأضاف حليمة أن القوات المسلحة السودانية تعد حالياً وثيقة دستورية للحوار السياسي الشامل، وهو ما يتماشى مع التوجه المصري، موضحاً أن النصر العسكري وحده لن يحل الأزمة السودانية، بل يجب تحديد دور الجيش في المرحلة المقبلة، وكذلك دمج عناصر 'الدعم السريع'، لأنه حتى في حال التخلص من القيادات ستبقى مشكلة وجود أعداد كبيرة من مقاتلي تلك القوات. مضيفاً أن السودان يحتاج إلى إنهاء فكرة الميليشيات على أرضه، مع تشكيل حكومة مدنية مستقلة تضم كفاءات، وهو ما تضمنته المبادرة المصرية، مع اقتراح فترة انتقالية تمتد لعامين تمهد لإجراء انتخابات ديمقراطية. ومشيراً إلى أن مصر والسعودية يمكنهما قيادة مفاوضات تبنى على مخرجات 'اتفاق جدة'.
ويرى حليمة أن انتصارات القوات المسلحة السودانية اكتسبت أهمية مضاعفة بسحب البساط من دعوات تشكيل حكومة موازية موالية لـ'الدعم السريع'، وعزز ذلك عدم اعتراف المجتمع الدولي بتلك الدعوات.
في فبراير (شباط) الماضي، وقعت قوات 'الدعم السريع' وأكثر من 20 كياناً سياسياً وفصيلاً مسلحاً سودانياً على 'الميثاق التأسيسي' في العاصمة الكينية نيروبي، الذي يهدف إلى إنشاء حكومة انتقالية موازية تهدف إلى 'إنهاء الحرب، وتحقيق السلام الشامل، وحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية'، مع التركيز على إقامة دولة علمانية ديمقراطية. لكن تلك الدعوة واجهت رفضاً من جانب الأمم المتحدة ومصر والسعودية وقطر وغيرها من القوى الدولية.
الرهان على الدولة
وبينما كانت كينيا تستضيف الإعلان عن حكومة سودانية موازية، وتشاد متهمة من جانب الحكومة السودانية بدعم قوات 'الدعم السريع،' راهنت مصر منذ بداية الأزمة على الدولة والجيش السودانيين، بحسب تعبير المحلل السياسي السوداني خالد التيجاني الذي أوضح أن الدور المصري كان أساساً في تثبيت أركان الدولة السودانية خلال مرحلة الحرب، في ظل تقاعس دولي وإقليمي ملحوظ تجاه الأزمة. مضيفاً أن 'الرهان المصري أدى في النهاية إلى تمكن الجيش من استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم. واستعادة الدولة سيطرتها بدعم من القاهرة يعزز من دور مصر الإقليمي، خصوصاً مع عودة المجتمع الدولي للتعامل مع مؤسسات السودان الشرعية'.
ووفق تقدير التيجاني، فإن 'الحرب انتهت حالياً بعد استعادة الخرطوم، لكن الجيش لا يزال يواجه بؤر تمرد'، مشيراً إلى أن الدولة السودانية نجحت في القضاء عليهم إلى حد كبير، وتجاوزت المرحلة الأصعب من الصراع.
وأوضح لـ'اندبندنت عربية'، أن هناك تحولاً ملحوظاً في الموقف الدولي تجاه السودان بعد الحرب، لافتاً إلى أن القضية الأساسية الآن للسودانيين هي تحقيق الأمن والاستقرار، مما يجعل من الضروري منح الأولوية للمجلس السيادي الانتقالي في هذه المرحلة.
وشدد التيجاني على ضرورة الإسراع بإعادة إعمار المناطق المتضررة، وتوصيل الخدمات الأساسية للنازحين العائدين إلى الخرطوم، خصوصاً بعد الدمار الكبير الذي تسببت فيه قوات 'الدعم السريع' للبنية التحتية في البلاد، مؤكداً أن مصر قدمت بالفعل مقترحات عملية في هذا الصدد تركز على تأهيل البنى التحتية كجزء من خطة التعافي بعد الحرب.
وعن مستقبل السودان السياسي، قال إن ثمة حاجة ماسة لإطلاق عملية سياسية داخلية، لكنه ربط ذلك بتحقيق الاستقرار أولاً، مؤكداً أن 'أي حوار لن يكتب له النجاح من دون استقرار أمني'. ولافتاً إلى أهمية إطلاق وطني 'سوداني - سوداني' لوضع تصور شامل للمرحلة المقبلة بدلاً من تنظيم مؤتمرات دولية جديدة قد تعيد تدوير الأزمة.
وأشار إلى أن بعض الأطراف الخارجية كانت سبباً مباشراً في تفجير الأوضاع داخل السودان، وهو ما يحتم استخلاص الدروس من تجربة الحرب الأخيرة، وأهمها أن يكون الحل نابعاً من الداخل السوداني نفسه.
وقدرت دراسة في معهد واشنطن للدراسات بعنوان 'مراجعة مقاربة القاهرة تجاه الحرب الأهلية في السودان'، أن مصر يمكن أن تعمل على تقوية التنسيق مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لفرض عقوبات أكثر صرامة على الميليشيات المسلحة، مما يوفر نفوذاً أكبر لإنهاء النزاع.
وأضافت أن الدور المصري سيكون رئيساً في إعادة بناء السودان وضمان استقرار مؤسساته السياسية والأمنية، وهو ما يعد ضرورياً لحماية المصالح المصرية والإقليمية، خصوصاً في إطار الحفاظ على أمن مصر وجنوب البحر الأحمر، بحسب الدراسة.