اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ حزيران ٢٠٢٥
كثيراً ما استخدمت كموقع تصوير من دون سياق درامي والسينما العالمية قدمت صوراً نمطية لها لا تخلو من مغالطات
مشاهد سينمائية عديدة في الدراما العربية والأجنبية ظهرت فيها الآثار المصرية أحياناً كمجرد موقع تصوير مميز، وفي أوقات أخرى كجزء من السياق الدرامي للأحداث، والأمثلة عديدة، فالمواقع الأثرية المختلفة في مصر، التي تعود للحضارات المتعاقبة كانت جزءاً من التراث السينمائي المصري والعالمي.
لا يوجد دليل قطعي على أول فيلم يمكن أن يؤرخ كبداية للسينما في مصر، ولكن يذكر بعض المؤرخين أن فيلم 'في بلاد توت عنخ آمون' عام 1923 هو أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما المصرية، وهو ما يشير إلى أن المواقع الأثرية في مصر مثلت شغفاً ومصدر إلهام للسينمائيين منذ انطلاقة السينما الأولى، وعلى مدار تاريخ السينما ظهرت الآثار المصرية في أعمال متعددة وسياقات مختلفة، بعضها مستوحى من الواقع ويعكس أحداثاً معاصرة، وبعضها يمزج الواقع بالخيال، وقطاع منها يشطح في الخيال ويصور أحداثاً لا تمت للواقع بأية صلة.
رامي المتولي الناقد السينمائي، يقول إن 'الحضارات العريقة لها غموض وجاذبية وأجواء من السحر والأسرار تتوافق مع الأجواء السينمائية وتضيف للعمل الفني، فالميثولوجيا المصرية وأجواء الملوك والآلهة كانت دائماً جاذبة للسينمائيين، وهناك أعمال كانت معتمدة بصورة رئيسة على وجود الأثر مثل فيلم 'المومياء' للمخرج الراحل شادي عبدالسلام، وأعمال أخرى كان للأثر دلالة أو رمزية معينة، فعلى سبيل المثال كان الهرم حاضراً في أفلام مثل 'ليه يا هرم' من إنتاج عام 1993، وفيلم 'الحب فوق هضبة الهرم' من إنتاج عام 1986، والفيلم الأول كان يحمل إسقاطاً سياسياً، والثاني قضية اجتماعية لها علاقة بالماضي والحاضر.
ويضيف 'هناك حقب تاريخية في مصر لم تظهر آثارها بصورة كافية في الدراما مثل بعض الآثار الإسلامية على سبيل المثال، والتركيز غالباً يكون على مجموعة من المواقع الأثرية الشهيرة، وفي الفترة الأخيرة هناك اهتمام بهذا التوجه، وأتوقع مستقبلاً أن تظهر الآثار المصرية بصورة أكبر في الأعمال الدرامية'.
في السينما العالمية
حال من الإبهار كانت دائماً تصاحب المصريات لدى تجليها على الشاشة الفضية، فمنذ بداية ظهورها وحتى الآن لا يزال كل ما له علاقة بالحضارة المصرية القديمة مصدراً لإلهام السينمائيين والكتاب، وعلى رغم الأهمية الكبيرة لظهور الآثار المصرية في السينما العالمية، لما يمثله ذلك من تعريف بالتاريخ المصري والترويج السياحي للمواقع الأثرية المصرية، فإن واحدة من المشكلات هي أنه يخلق صورة ذهنية معينة غالباً ما تكون خاطئة عن كثير من الأشياء، فالآثار هنا غالباً تمزج مع أجواء من الخيال وترتبط بالسحر واللعنات والأجواء الخيالية لإضفاء حال من التشويق والإثارة على الفيلم.
مع اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في بداية العشرينيات مثَّل هذا حدثاً كبيراً على كافة المستويات، ليس فقط التاريخية والأثرية، بل وكانت مصدر إلهام لصناع السينما في ذلك الوقت، ولكن سيطرت تيمات بعينها أشهرها المومياوات التي تقدم في سياقات خيالية غالباً، تبدأ بقيام المومياء من الموت وفك أربطتها والانطلاق في مغامرات متعددة تدور حولها أحداث الفيلم.
ففي عام 1932 ظهر الفيلم الأميركي 'المومياء' المستوحى من اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وكتبه الصحافي جون بالدرستون الذي كان مرافقا للبعثة الأثرية، لاحقاً توالت الأعمال التي اعتمدت تيمة المومياوات ومن بينها 'يد المومياء' (1940)، و'المومياء' (1959)، و'كفن المومياء' (1967)، و' دماء من مقبرة المومياء' (1971)، ويعد الفيلم الأشهر في العصر الحديث هو 'المومياء' (1999)، الذي أعقبه إنتاج فيلم آخر عام 2001 بعنوان 'عودة المومياء'.
عن الآثار المصرية في السينما العالمية يقول بسام الشماع، عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية 'الأفلام التي تحوي آثار يمكن أن يتم تقسيمها تاريخياً إلى مرحلة السينما ما قبل الألوان وما بعدها، وهنا يمكن أن نجد مثالاً واضحاً هو فيلم (الوصايا العشر) الذي أخرجه الأميركي سيسيل دي ميل مرتين، الأولي عام 1923، والثانية عام 1956، حيث أعاد إخراجه ملوناً بصورة ملحمية، وهنا غالباً ما كانت تبنى ديكورات للمواقع الأثرية ولا يتم التصوير في مواقعها الأساسية، وفي هذا الفيلم طلب المخرج بناء طريق لتماثيل أبو الهول، وبعد التصوير دفنت في الرمال لعدم إمكان نقلها من الصحراء التي تم التصوير فيها، ومن المفارقات أن تم العثور عليها في كاليفورنيا عام 2017، واشتبه بعضهم في أنها قطع أثرية حقيقية حتى تبين أنها من ديكورات الفيلم الذي تم تصويره منذ عشرات السنوات'.
ويستكمل 'من النماذج الأشهر في هذا السياق هو فيلم (كليوباترا) من بطولة إليزابيث تايلور، وتم إنتاجه وقتها بموازنات ضخمة جداً كادت تؤدي لإفلاس الشركة المنتجة، ومن خطورة هذه الأفلام أنها ترسم صورة ذهنية عن الآثار والأشخاص غالباً لا تكون حقيقية وتهدف لخلق توجه معين'.
ويوضح الشماع 'في عصور لاحقة، ومع تطور التكنولوجيا والخدع السينمائية، انتشرت الأفلام التي تعتمد عليها بصورة كبيرة مثل مجموعة الأفلام التي اعتمدت تيمة المومياوات، وهي تقدم الآثار في سياقات خيالية بعيدة من الواقع تماماً، نجد أيضاً من الأفلام الشهيرة في هذا الإطار (ستار غيت) من إنتاج 1994، واعتمد أيضاً على تقديم قصة خيالية يطير فيها الهرم، وتظهر كائنات فضائية، ولكن يحسب له أنه قدم اللغة المصرية القديمة بصورة ونطق صحيحين'.
الآثار والسينما المصرية
المتأمل للسياقات التي يظهر فيها كثير من المواقع الأثرية في السينما المصرية يجد أن كثيراً منها إما يأتي كمجرد خلفية للمكان وموقع للتصوير من دون أن يكون له علاقة بالحدث الدرامي، وفي أحيان كثيرة يرتبط بممارسات سلبية مثل تجارة الآثار أو السحر والأعمال، وفي بعض الأحيان الجرائم أو الأعمال المنافية للقانون، بينما عدد قليل من الأفلام السينمائية استطاعت توظيف الموقع الأثري وربطه بسياق الأحداث أو تقديم معلومة عن المكان، وحينما نشاهد الأفلام القديمة في الوقت الحالي يجذب انتباهنا طبيعة شكل الناس والأماكن ونتأمل كيف تغيرت المدن المختلفة مع الزمن، يحدث الشيء نفسه حالياً مع الأفلام القديمة التي ظهرت فيها الآثار، فأصبح جديراً بالملاحظة كيف كان شكل الأثر، وكيف تغيرت المنطقة المحيطة به، وما هو السياق الذي ظهر فيه.
علاقة السينما بالآثار جذبت باحثتين مصريتين لدراستها وتقديم ورقة بحثية في مؤتمر دولي بالبرتغال عن علاقة السينما بالثقافة الشعبية، وكيف ظهرت الآثار فيها على مدار السنوات. تقول بسمة سليم، مديرة قصر البارون والباحثة في التراث 'أحياناً تصوير الآثار في السينما خلال زمن سابق يكون مرجعاً لنا حالياً في التعرف على شكل الأثر وتفاصيله في وقت معين، حدث هذا بالفعل مع قصر البارون، فعند بداية مشروع ترميمه منذ سنوات كان أحد المصادر التي تم الاستناد إليها في التعرف على الحال السابقة للقصر هو فيلم (الهارب) من بطولة حسين فهمي وشادية، إذ ظهرت به تفاصيل تم التعرف عليها ومحاولة الوصول إلى أقرب شكل لها، وأحياناً تعرفنا السينما بالإرث المندثر مثل بعض الأفلام التي صورت مصر الجديدة قديماً، وظهر فيها (شارع السبق) ومضمار السباق الذي كان موجوداً فيه سابقاً'.
وتضيف 'عرض الآثار في الدراما يؤثر في الوعي الشعبي للجمهور، فكثير من الناس تجسدت لديهم قناعات بأن ما يعرض على الشاشة هو الحقيقة، والأمثلة هنا كثيرة، من بينها فيلم (ثرثرة فوق النيل)، وتمثال ميت رهينة الذي زارته إحدى شخصيات الفيلم بهدف الإنجاب، وفيلم (عروس النيل) الذي قدم معلومات مغلوطة عن الحضارة المصرية القديمة، منها أنه كان يتم إلقاء فتاة في النيل، وهذه خرافات. كثير من الأفلام قدمت الآثار كمجرد خلفية للمشهد من دون الإشارة لأية معلومة تخصها في السياق الدرامي للأحداث، ومن الأفلام التي قدمت فيها الآثار بصورة جيدة فيلم (البحث عن توت عنخ آمون) من إنتاج عام 1997، بعض الأفلام تلقي الضوء على مدينة بأكملها، وتساعد في الترويج السياحي لها، ومن أشهر الأمثلة على ذلك فيلم (غرام في الكرنك)، لأنه قدم حالاً كاملة للمدينة كمواقع أثرية، على رأسها معبد الكرنك، وأغنيات، وسياق درامي'.
الآثار الإسلامية في السينما
عند الحديث عن ظهور الآثار في السينما فإن ما يطغى على السطح هو الآثار التي تعود إلى مصر القديمة، وبخاصة في السينما العالمية، ولكن في السينما المصرية كان هناك وجود لمواقع تاريخية إسلامية ظهر بعضها بصورة منفصلة عن الأحداث، وجانب منها في صميم الدراما مثل فيلم 'بين القصرين'، عندما توجه الطفل الصغير كمال إلى ضريح الحسين ليتبرك به ويسأله أن يساعده في عودة أمه إلى المنزل بعدما أصيبت وهي في طريقها لزيارته وغضب أبوه وأرسلها إلى منزل أهلها، وفيلم 'قنديل أم هاشم'، المرتبط بمنطقة السيدة زينب وضريحها الشهير، وفي مثال حديث فيلم 'صاحب المقام' الذي ناقش علاقة المصريين بالأضرحة، وتحديداً ضريح الإمام الشافعي، فالموقع الأثري هنا هو في صلب الأحداث، ومن المفارقات أن العمل تم تصويره في ضريح الليث بن سعد، نتيجة لترميم ضريح الشافعي وقت التصوير.
ظهرت أيضاً بعض الآثار الإسلامية في السينما العالمية، ومن بينها 'بيت الكريتلية' المعروف بمتحف جاير أندرسون في فيلم 'الجاسوس الذي أحبني' عام 1977، وهو من ضمن سلسلة أفلام جيمس بوند، كما ظهر الأثر في أفلام عربية مثل 'الحرافيش' و'سعد اليتيم'.
تقول بسمة سليم 'الآثار الإسلامية غالباً لا تأتي في سياق معماري أو تاريخي أو ديني مرتبط بالأحداث، ولكنها ترتبط بالممارسات الشعبية مثل زيارة الأضرحة بغرض التبرك وفك الكرب، وهذا هو الإطار الشائع في كثير من أفلام السينما على مر العصور، وفي سياق آخر قد تظهر بعض الممارسات الشعبية المرتبطة بالتراث غير المادي مثل الموالد على سبيل المثال، فهي من أفضل الأمثلة التي قدمت على الشاشة، والأمثلة هنا كثيرة'.
صورة عالم الآثار
من الأشياء الجديرة بالملاحظة هنا عند الحديث عن ظهور الآثار في السينما هو كيف ظهرت شخصية عالم الآثار، فعلى رغم قلة الأعمال التي كان البطل فيها عالم آثار فإن معظمها أظهره بصورة نمطية وأحياناً هزلية في بعض الأعمال.
في عام 1981 بدأ ظهور سلسلة أفلام أنديانا جونز، وحققت نجاحاً كبيراً، وأصبح بطلها رمزاً لعالم الآثار في مخيلة الناس لوقت طويل، وربما حتى الآن. أخيراً وبعد فترة طويلة يعرض في مصر حالياً فيلم 'المشروع x' من بطولة كريم عبدالعزيز، الذي يقوم بدور عالم آثار يكشف أسراراً ترتبط بالهرم.
تقول نجوى بكر، الباحثة في المتاحف والتراث 'هناك أعمال درامية محدودة جداً كان عالم الآثار بطلاً لها، ودائماً ما كان يرتبط بمواقع بها إثارة وغموض وكنوز، ويظهر غالباً بصورة نمطية أو بالصورة الذهنية التي رسخها الأجانب لعالم الآثار ربما في مراحل سابقة وفي الأفلام القديمة، وهذا يرجع إلى أن غالب علماء الآثار كانوا أجانب بالفعل، وعلى رغم أن الوضع بات مختلفاً حالياً فإنه لا يزال هناك تأثر بهذه الصورة في الملابس والقبعة التي يرتديها، والصورة الأشهر لعالم الآثار هنا هي أفلام إنديانا جونز، وعلى رغم ثراء شخصية عالم الآثار فإنها لم تستغل بصورة كبيرة في السينما والدراما'.
وتضيف 'في أحيان كثيرة كان الأثر يظهر فقط كمجرد موقع تصوير، وأحياناً تكون الإشارة لموقع تصوير وتدور الأحداث في مكان آخر، فمثلاً من المشاهد الشهيرة فيلم (إنت حبيبي) لشادية وفريد الأطرش، فعلى رغم أن الأحداث تدور في معابد الجنوب، فإن التصوير تم في سقارة بالجيزة. وفي فيلم (طير إنت) لأحمد مكي صورت مشاهد في مدخل سقارة ولم تتم الإشارة إلى المكان من الأساس، وفي كثير من الأفلام كان الأثر يظهر كمجرد إشارة لمصر، مثل صورة طائرة يتبعها لقطة للهرم على سبيل المثال للدلالة على الوصول إلى مصر، وكثيراً ما ظهرت الآثار في قالب رومانسي، مثل تنزه الأبطال أمام الهرم وكان مشهداً شائعاً في كثير من الأفلام، ويعكس جانباً من ثقافة المصريين في النزهات'.
وتستكمل 'بعض الأعمال بنيت لها ديكورات تماثل الأثر ولم يتم التصوير في الموقع الحقيقي، وهنا تظهر الحاجة الماسة للاستعانة بالمتخصصين حتى تظهر الصورة النهائية بصورة لا تحتوي على أخطاء تاريخية، سواء في شكل البناء أو الملابس والأكسسوار، لأنه للأسف تنطبع هذه الصورة في ذهن الناس نتيجة تأثرهم بالدراما، وتتكون في مخيلتهم صورة مغلوطة عن الحضارة المصرية القديمة'.