اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في خطوة غير مسبوقة، فاز المرشح الاشتراكي الديمقراطي المسلم زهران مامداني بمنصب عمدة نيويورك، في حدث وصفته صحيفة دايلي صباح التركية بأنه 'أشد رد علني على الصهيونية حتى الآن'، ويُنظر إلى هذا الفوز ليس فقط كحدث انتخابي محلي، بل كمؤشر على تغيّر المزاج السياسي الأمريكي تجاه النفوذ الصهيوني على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، خصوصًا بعد التصعيد العسكري الأخير في غزة في 7 أكتوبر، الذي أثار احتجاجات عالمية واسعة وأعاد إلى الواجهة قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
وشهدت الجامعات الأمريكية الكبرى مثل هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة نيويورك احتجاجات واسعة على العدوان الإسرائيلي، رغم القمع الذي مارسته السلطات، مما يعكس تصاعد وعي الشباب الأميركي تجاه قضايا فلسطين ورفضهم للرواية التقليدية التي تسيطر عليها المصالح الصهيونية المتشعبة كما وصفتها نيويورك تايمز.
وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أساسي في نقل هذه الاحتجاجات إلى جمهور عالمي، مما جعل كل فرد قادرًا على أن يصبح منصة إعلامية مستقلة، قادرة على مواجهة الإعلام التقليدي وإبراز الانتهاكات الإنسانية.
ويرتبط فوز مامداني بسياق أوسع من الحركات اليسارية في الولايات المتحدة. ففي تاريخ أميركا، لعبت الجماعات اليسارية اليهودية دورًا حيويًا في تشكيل معالم السياسة الاجتماعية والاقتصادية. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، كانت الأحزاب الاشتراكية والجماعات العمالية اليهودية، تمثل قوة اجتماعية كبيرة، ليس فقط في العمل النقابي ولكن في الثقافة والسياسة الحضرية بشكل عام وفقا لمجلة جاكوبين البريطانية.
وقد أثرت هذه الحركات في الفكر السياسي الأمريكي من خلال ربط المواقف العمالية بالعدالة الاجتماعية، ودعم حقوق الأقليات والمهمشين، مع الحفاظ على هوية يهودية نشطة في المجتمع.
وفي تلك الفترة، كانت الأحزاب الشيوعية واليسارية الأمريكية تضم نسبة كبيرة من اليهود، وقد ساهمت في بناء شبكات ثقافية ونقابية شاملة، مؤسِّسة بذلك قاعدة متينة للتحالف بين اليهود الأمريكيين والأفارقة الأمريكيين والفئات المهمشة الأخرى، وهو ما أعاد تعريف معنى اليسار الأميركي كحركة متعددة الأعراق والجماعات.
اليوم، يظهر هذا التراث التاريخي من جديد في سياق الانتخابات الأميركية والاحتجاجات الراهنة. فقد أعادت أحداث غزة وإبراز المذابح والانتهاكات الإسرائيلية إلى الواجهة قضية الصهيونية كهيمنة سياسية وثقافية، وهو ما انعكس في دعم الطلاب والناشطين للجماعات التي تربط بين الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية داخليًا وخارجيًا وفقًا لصحيفة واشنطن بوست.
ويعتبر خطاب مامداني بعد فوزه رمزًا لهذه العودة. فقد أعلن أنه 'مسلم، اشتراكي ديمقراطي، ولن أعتذر عن أي من ذلك'، مؤكدًا على أن الهوية الدينية أو العرقية لا تتعارض مع الالتزام بالعدالة الاجتماعية والمشاركة النشطة في السياسة.
ويأتي هذا في سياق تصاعد النقد داخل الولايات المتحدة تجاه النفوذ الصهيوني، ومطالبة فئات واسعة من المجتمع الأميركي بإعادة تقييم الأولويات السياسية والاقتصادية للدولة وفقا لتغطية الجارديان البريطانية.
وعلى المستوى العالمي، يمثل فوز مامداني نقطة مفصلية لكشف العلاقة بين السياسة الأميركية والقضية الفلسطينية. فالتغطية الإعلامية للمذابح والانتهاكات في غزة، والاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في أوروبا والولايات المتحدة، فضحت كيف أن سياسات الدول الغربية الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، تخضع بشكل مباشر لمصالح صهيونية تتجاوز السيادة الوطنية.
كما أن هذا الانتصار يوضح أن التحول الحقيقي نحو العدالة الاجتماعية والسياسية لا يأتي فقط من تغييرات على مستوى السياسات، بل من انخراط جماعات المجتمع المدني والطلاب والناشطين في مساءلة السياسات القمعية داخليًا وخارجيًا.
ويعكس فوز مامداني وإعادة تنشيط الجماعات اليسارية اليهودية في الولايات المتحدة استمرارية تاريخ طويل من النضال من أجل العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية، لكنه يعكس أيضًا قدرة الجيل الجديد على توظيف الوسائل الحديثة، من شبكات التواصل الاجتماعي إلى التحركات الشعبية، لكشف الحقائق ومواجهة النفوذ الصهيوني، مؤكدًا أن التحولات الاجتماعية والسياسية في أميركا اليوم لا يمكن فصلها عن التراث التاريخي للنضال اليساري اليهودي، بل هي امتداد له في زمن جديد من الاحتجاجات والمساءلة السياسية.


































