اخبار مصر
موقع كل يوم -جريدة الأخبار
نشر بتاريخ: ١٣ أيلول ٢٠٢٤
القاهرة | تصاعدت حدّة الخلافات حول مشروع قانون «الإجراءات الجنائية»، بعد موافقة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري، الأربعاء الماضي، على المشروع، لعرضه على المجلس في بداية دور الانعقاد الخامس عقب انتهاء الإجازة البرلمانية. ودفع ذلك البرلمان إلى التأكيد أنه ما زالت أبوابه مفتوحة لمناقشة أي تعديلات، في وقت ارتضت فيه نقابة المحامين النص المقترح على رغم أنه ينسف العديد من المبادئ القانونية العادلة، وظلّت نقابة الصحافيين في مواجهته، إلى جانب نادي القضاة. ومع أن نقابة المحامين اعترضت في البداية على مشروع القانون الذي يُعد الأول من نوعه منذ 74 عاماً (يجري العمل بقانون أُقرّ عام 1950 مع تعديلات أُدخلت عليه على مدار العقود الماضية)، إلا أن تعديلات محدودة استجابت لبعض مطالب المحامين الفئوية، دفعتها إلى الموافقة على النص الأخير الذي يبلغ عدد مواده الـ540. ورغم تصريحات نواب البرلمان بشأن الحوار المجتمعي خلال الجلسات التي عُقدت على مدار أكثر من عام ونصف عام للجنة الفرعية التي تشكّلت لإعداد القانون الجديد، يُعتبر أحد أوجه الخلل الرئيسية في تلك اللجنة أنها انعقدت سراً، وأنها تشكّلت بصورة منحازة إلى السلطة التنفيذية، من خلال ضم 7 أعضاء ممثلين للوزارات والجهات المختلفة إليها، مع تمثيل الجهات المعنية بالقانون بعضو واحد فيها، واقتصار الخبراء على خبيرَين فقط، أحدهما مدرّس قانون جنائي، ليجري التصويت على نصوص المواد بالأغلبية. ومن جهتها، وجّهت نقابة الصحافيين انتقادات إلى البرلمان لقيام اللجنة التشريعية بتمرير القانون في مناقشات علنية استمرت أقل من شهر، وإقرار أكثر من ثلاثة أرباع المواد من دون تعديل، علماً أن النقابة المذكورة شاركت مع محامين وأعضاء في« الحوار الوطني»، بالإضافة إلى عدّة منظمات حقوقية، في إعداد تصوّر بديل من المشروع المقترح، على اعتبار أن هذا الأخير يخالف النصوص الدستورية بـ«فجاجة».
ومن بين ملاحظات الصحافيين على القانون، يبرز عدم المساواة بين سلطة الاتهام وحقوقها، والدفاع وحقوقه وضماناته، وتغليب الأول على الثاني، مع عدم إتاحة التظلّم إلى القضاء في قرارات النيابة العامة بشأن سير التحقيق، وعدم منح المتهم والمدافع عنه الحق في المطالبة ببطلان الإجراءات إن تبيّن له بطلانها في مرحلة المحاكمة، وفاتَه أن يتمسك بها أو خشي أن يتمسك بها في مرحلة التحقيق الابتدائي. كما يجعل القانون من الحكم الغيابي التهديدي حكماً واجبَ النفاذ، بما يمنع المتهم من إدارة أمواله والتصرف فيها، في وقت لا يضمن فيه مدة إنهاء النيابة العامة للتحقيقات، الأمر الذي يؤدي إلى أن يظل سيف الاتهام مرفوعاً فوق رأس المتهم لمدة غير محددة، ما قد يخضعه لإجراءات تحفظية طويلة. أيضاً، يعزز القانون المقترح من تقنين الإجراءات الاستثنائية التي تطبقها الدولة اليوم من دون أساس قانوي، كونه يسمح بجعل المتهم تحت رحمة السلطة التنفيذية أثناء وقائع التحقيق والمحاكمة عن بعد، ولا يجعله قادراً على التأكد من أن ما تمّ تدوينه في التسجيل أو المحضر هو بالضبط ما صرّح به أثناء التحقيق أو المحاكمة، بما يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية التلاعب في أوراق التحقيق.
وفي المقابل، يدافع البرلمان عن مشروع القانون باعتباره قلّص مدة الحبس الاحتياطي، وسط السماح بالتظلّم على قرارات هذا الحبس بالطرق الإلكترونية، وعدم جواز استمراره أكثر من عامين في الجرائم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، مع التشديد على ضرورة أن يصدر الأمر بالمنع من السفر أو الإدراج على قوائم الوصول والتحفظ على الأموال، من قِبل سلطة تحقيق قضائية، بمناسبة قضية منظورة، تقتضي طبيعتها ذلك الإجراء، وأن يكون القرار مسبّباً ومُحدداً بمدة زمنية معقولة. وإزاء ما تقدّم، اعتبرت «نقابة الصحافيين» أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يخالف العديد من القواعد والمعايير والمبادئ الدستورية والقانونية والدولية المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة، ما يشكل خطراً على منظومة العدالة الجنائية وسيادة القانون وثقة المواطنين في اللجوء إلى إجراءات الإنصاف والحماية.
ورغم أن البرلمان وجّه انتقادات صريحة إلى نقيب الصحافيين، خالد البلشي، الرافض لمشروع القانون، فقد دفعت انتقادات نقابته المتصاعدة، مجلس النواب، إلى إصدار بيان، مساء أمس، يتضمّن تراجعاً ضمنياً عن تمرير القانون الشهر المقبل بنفس الصياغات المعتمدة من اللجنة التشريعية. وبحسب البيان، فإن هناك أموراً جرت مناقشتها «ستكون مُدرجة في قوانين أخرى، فضلاً عن فتح الباب أمام إمكانية التعديل خلال المناقشات التي ستُعقد في الجلسة العامة قبل طرح القانون للتصويت». وإذ يتمسك البرلمان بحقه في التشريع واعتبار أن المشروع المقترح «يهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية»، تجري تحركات حكومية واسعة من أجل تمريره بشكل عاجل ومن دون إدخال تعديلات كثيرة عليه، فيما يرتبط الجزء الرئيسي من الإشكاليات الموجودة فيه بالحاجة إلى مزيد من الضمانات التي تنزع عن السلطة استغلال الثغرات للتنكيل بالمعارضين. وعلى أي حال، من المؤكّد أن تمرير المشروع الجديد يأتي كجزء من محاولة تحسين صورة الدولة في الخارج، لكنّ ردود فعل الصحافيين وعدد من الحقوقيين تسبّبت في إزعاج النظام الذي يحاول احتواء غضبهم بالحد الأدنى من التنازلات التي ستناقش في الفترة المقبلة، وقد تصل إلى تجميد القانون مع الاكتفاء بالتعديلات الخاصة بمواد الحبس الاحتياطي فحسب، وفقاً لمراقبين.