اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
في الذكرى الثمانين لتأسيسها، التي حلت في نهاية الأسبوع الماضي، تقف منظمة الأمم المتحدة أمام مفترق طرق تاريخي، مثقلةً بإرث من الإخفاقات البنيوية والانقسامات السياسية، وسط عالم يزداد اضطرابًا وتعددًا في مراكز القوة. و
بينما تتوالى الأزمات من أوكرانيا إلى غزة، ومن السودان إلى بحر الصين الجنوبي، يتساءل كثيرون: هل لا تزال الأمم المتحدة قادرة على أداء دورها كحارس للسلم العالمي؟ أم أنها تسير على خطى عصبة الأمم، التي انهارت تحت وطأة العجز الدبلوماسي قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية؟
وتناولت صحيفة هيرالد أونلاين الأمريكية هذه الإشكالية من زاوية نقدية، مشيرة إلى أن 'المنظمة الدولية باتت عاجزة عن فرض أي توازن حقيقي في الملفات الكبرى، وأن قراراتها أصبحت رهينة لتجاذبات القوى الكبرى، لا تعكس إرادة الشعوب ولا مصالح الدول النامية'.
أزمة التوازن
منذ تأسيسها عام 1945، كان مجلس الأمن هو القلب النابض للأمم المتحدة، لكنه اليوم يبدو أقرب إلى غرفة مغلقة تتصارع فيها الدول الخمس دائمة العضوية بحق النقض (الفيتو)، ما يجعل أي توافق شبه مستحيل. فشل المجلس في وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، وعجزه عن اتخاذ موقف حاسم تجاه النزاعات في غزة والسودان، كشف عن خلل بنيوي في آلية اتخاذ القرار، حيث تُستخدم الفيتو كأداة لتعطيل لا لحماية السلم.
وفي هذا السياق، علّق ألكسندر بوبروف، رئيس قسم الدراسات الدبلوماسية في جامعة رودن الروسية ومؤلف كتاب 'الاستراتيجية الكبرى لروسيا'، بأن 'الأمم المتحدة لم تعد تعكس توازن القوى الحقيقي في العالم، بل تُدار وفق مصالح ضيقة لدول بعينها، ما يُضعف شرعيتها ويُهدد مستقبلها'.
انتخابات خلف الكواليس
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى اختيار رئيس جديد للجمعية العامة، برز اسم وزير خارجية الإكوادور السابق، الذي ترأس الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة، كأحد المرشحين البارزين. لكن كما تشير تقارير روسيا توداي، فإن 'لا أحد منهم يملك ضمانًا للفوز، فالمسألة لا تُحسم عبر تصويت شفاف أو علني، بل عبر رقصة دبلوماسية هادئة خلف الكواليس، حيث تُعقد الصفقات وتُوزع الوعود'.
هذا النموذج من 'دبلوماسية الظل' يعكس أزمة أعمق في بنية الأمم المتحدة، حيث تغيب الشفافية، وتُهيمن الحسابات السياسية على آليات الاختيار، ما يُضعف ثقة الشعوب في المنظمة ويُكرّس فكرة أنها باتت نادٍ مغلقًا للنخب الدبلوماسية.
الذكرى الثمانون: احتفال أم وقفة تأمل؟
بينما تحتفل الأمم المتحدة بمرور ثمانين عامًا على تأسيسها، لا يمكن تجاهل السياق الذي وُلدت فيه: كانت ردًا على تهديدات مشتركة تمثلت في النازية الألمانية، الفاشية الإيطالية، والعسكرة اليابانية. وقد جاءت لتحل محل عصبة الأمم، التي فشلت في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية.
ورغم كل الانتقادات التي تُوجَّه للمنظمة — من بيروقراطيتها، إلى جمودها، إلى انقساماتها السياسية — فإنها نجحت في تحقيق وعدها الأساسي: 'إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب'. فحقيقة أن العالم لم يشهد حربًا عالمية ثالثة خلال ثمانية عقود ليست إنجازًا يُستهان به.
الجائحة كشفت هشاشة النظام الدولي
أشار تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أن جائحة كوفيد-19 عمّقت اختلالات السلطة على جميع المستويات، من الفرد إلى الدولة. وقال التقرير إن 'الوباء أصبح ذريعة لتكريس السلطة المركزية، وتآكل الثقة في أنظمة الحكم، وتفكك العقود الاجتماعية'.
هذا التوصيف لا يقتصر على الدول النامية، بل يشمل أيضًا الديمقراطيات الغربية التي شهدت احتجاجات واسعة ضد إجراءات الإغلاق، وتراجعًا في الثقة بالمؤسسات الدولية، بما فيها منظمة الصحة العالمية.
هل يمكن استعادة التوازن؟ أم أن الانهيار قادم؟
استعادة توازن الأمم المتحدة يتطلب أكثر من إصلاحات إدارية أو تجميلية. المطلوب هو إعادة تعريف دور المنظمة في عالم متعدد الأقطاب، حيث لم تعد واشنطن وموسكو وحدهما تحددان المسار، بل دخلت قوى جديدة مثل الصين، الهند، البرازيل، ومعها شركات تكنولوجية عابرة للحدود، باتت تؤثر في السياسات أكثر من بعض الحكومات.
ورجحت الصحيفة في تحليلها أن 'التحول نحو نماذج إقليمية للتعاون قد يكون أحد مفاتيح الحل، لكن ذلك لا يُغني عن الحاجة إلى مظلة عالمية عادلة وفعالة'.
وأضافت أن 'المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي وSADC بدأت تملأ الفراغ الذي تركته الأمم المتحدة، لكن دون القدرة على معالجة الأزمات الكبرى'.
بين التحول والانهيار
في ظل هذا المشهد، تبدو الأمم المتحدة أمام مفترق طرق حاسم، بين إمكانية تجديد دورها في عالم يتغير بسرعة لافتة وضرورة المواكبة كضرورة بقاء أو مواجهة مصير مشابه لعصبة الأمم التي أغلقت أبوابها إلى الأبد عام 1946.
ومع غياب التحرك الفعّال، يتزايد خطر الفوضى وتضعف قدرة المجتمع الدولي على التصدي للتحديات المشتركة، من تغير المناخ إلى النزاعات المسلحة.


































