إحياء الماضي

مما لا شك فيه أن الماضي هو أساس تكوين كل إنسان من بداية ولادته يمر بأحداث زمنية وتعصف به مجموعة من الذكريات في الماضي، فيتأثر بها وتعيش بداخله أحداث الطفولة (المدرسة والأسرة والمجتمع المحيط به والأصدقاء والزملاء في العمل)، ولكن من المهم أن ندرك كيف نجيد قراءة الماضي لكى نستطيع أن نستمتع بالحاضر.

يُعتبر الماضى جزءًا أساسيًّا من حياة كل إنسان، ولكنه الجزء الخفي الذي لا يدركه الآخرون، فهناك أنواع من البشر في الحياة يشكل الماضي محورًا أساسيًّا في تكوينهم الداخلي ويؤثر في علاقتهم بالآخرين، فيتحول الماضي عند هؤلاء الأشخاص إلى كابوس يطارد أحلامهم وطموحاتهم وتقديرهم الذاتي لأنفسهم ليصبح المسيطر الوحيد عليهم، وتكون السيطرة سلبية مثل الغريق الذي يشدُّه الموج ولم يتمكن من النجاة. والنوع الآخر من البشر يتحول الماضي لديهم إلى دروس مستفادة وخبرات عظيمة تنمي عقولهم وقدراتهم على التحدي ومواجهة كافة الصعوبات لكي يستطيعوا العيش في تلك الحياة بكل قوة وأمل وصبر وتقبُّل أي فشل وتحويله إلى نجاح مبهر. ولكن عملية تقبُّل أخطاء الماضي وتغيير مواطن الضعف الكامنة داخل عقولنا وحياتنا بسبب الماضي الذي كان يحمل بين طياته العديدَ من الإخفاقات والأوجاع التي ترسخت بسبب العادات أو التربية، تتطلب منا الاعتراف أن الماضي جزء أصيل من حياتك ويلعب دورًا هامًّا فيها.

ولكن أنت الوحيد المتحكم فيه لكي تحوِّله إلى ذكريات صنعت منك الأفضل، وركز على ما يمكنك التحكم به في حياتك، ولا تهتم بالأشياء الخارجة عن سيطرتك فهي مضيعة كبيرة لوقتك وطاقاتك، فركز على ما يمكنك التأثير عليه مثل أفعالك وسلوكك وعاداتك، التركيز على الأشياء الهامة في حياتك وتغييرها للأفضل هو السبب الرئيسي للنجاح وتقبُّل الذات، واهتم بالتمهل والفكر حتى لو كنا في عصر سريع الوتيرة فغالبًا تتحول فيه القرارات التي تأخذها بسرعة إلى جحيم ودمار في الحياة العملية أو الأسرية، اهتم بتغذية روحك وعقلك بالتعلم المستمر المتواصل فنجد العلماء والمفكرين والمبدعين في عطش مستمر للمعرفة والتطور العقلي والتعلم.

اعتنقِ البساطة ودرِّبْ قلبك وعقلك على المرونة وتقبُّل أخطاء الغير، واجعلِ التسامح سمةً في شخصيتك لكي تنجح وتنعم بالعيش بسلام وتستطيع الإنجاز في كل مناحي الحياة الذي يجعلك للأمام دائمًا ويجعلك القدوة الحسنة لمَن حولك. ابتعد عن الحياة المادية البحتة والمنافسة الشرسة المتواصلة التي تهوي بك إلى دمار صحتك وبُعدك عن الأمان الحقيقي وهو القرب من المولى عز وجل، ولنتذكر جميعًا قول الله تعالى ﴿ومَن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ (الآية 124 من سورة طه).

وفي الختام.. هناك اختياران إما أن تعيش حبيسَ الماضي فاقدَ الأمل في التغيير للأفضل، أو تختار أن تتحكم في حياتك وتقودها بحكمة وتغيِّر نظرتك إلى الماضي فتنظر له على أنه مجموعة من الدروس التي تعلمتها والتي ساهمت في تكوينك ونضجك وتطورك، فالماضي للتعلم وليس للتذمر، فلا تكن سجينًا لماضيك بلِ اجعله الجزء المضيء في قلبك.