اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
في ظل التحضيرات الجارية لقمة بودابست المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تتكثف التحليلات السياسية والدبلوماسية حول أبعاد هذا اللقاء، الذي يُنظر إليه على أنه نقطة تحول محتملة في مسار الحرب الروسية على أوكرانيا.
وبينما تتباين المواقف الدولية بشأن القمة، فإن اختيار العاصمة المجرية كموقع للقاء أثار جدلًا واسعًا، خاصة في ظل تعقيدات قانونية ولوجستية تحيط بمشاركة بوتين، الذي يواجه مذكرة توقيف دولية من المحكمة الجنائية الدولية.
من جهة تحليلية أولى، سلط مزقع 'يورآسيا ريفيو'، المتخصص في رصد التطورات الجيوسياسية، الضوء على نتائج زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأخيرة إلى واشنطن، حيث كان يأمل في الحصول على صواريخ 'توماهوك' الأمريكية بعيدة المدى، إلا أن اللقاء مع ترامب كشف عن تحول في أولويات الإدارة الأمريكية نحو دفع عملية سلام شاملة.
ووفقًا لتحليل الصحفيين زورينا ستيبانينكو وريد ستاندش، فإن زيلينسكي غادر واشنطن دون الحصول على الأسلحة المطلوبة، لكنه وجد نفسه أمام مرحلة جديدة من الدبلوماسية تقودها الولايات المتحدة، وسط استعدادات لعقد قمة ثلاثية محتملة تجمعه مع ترامب وبوتين في بودابست.
وقد أشار التقرير إلى أن ترامب كتب على منصته الاجتماعية بعد لقائه مع زيلينسكي: 'دع الطرفين يعلنان النصر، ولتقرر التاريخ'، في إشارة إلى رغبته في التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين دون انتصار واضح لأي منهما.
هذا الموقف أثار قلقًا في كييف، حيث اعتبره بعض المسؤولين والمحللين مؤشرًا على تراجع الدعم الأمريكي، خاصة بعد أن أبدى ترامب ليونة غير مسبوقة في خطابه تجاه بوتين، مقارنة بتصريحاته السابقة التي هدّد فيها بفرض عقوبات إضافية وتقديم أسلحة متطورة لأوكرانيا.
من جهة ثانية، تناولت هيئة الإذاعة البريطانية 'بي بي سي' التحديات اللوجستية التي تواجه بوتين في الوصول إلى بودابست، مشيرة إلى أن طائرته الرئاسية المعدلة من طراز 'إليوشن Il-96'، المعروفة باسم 'الكرملين الطائر'، تحتاج إلى إذن خاص لعبور المجال الجوي الأوروبي، في ظل الحظر المفروض على الطيران الروسي منذ عام 2022.
ووفقًا لتقرير المحرر الرقمي بول كيربي، فإن المجر، رغم كونها دولة غير ساحلية، محاطة بدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ما يجعل الوصول إليها تحديًا دبلوماسيًا وأمنيًا.
وقد أوضح التقرير أن الدول المجاورة مثل رومانيا وبلغاريا لم تتلقَ حتى الآن أي طلب رسمي من روسيا للسماح بعبور الطائرة الرئاسية، بينما أشارت المفوضية الأوروبية إلى أن منح الإذن بعبور الطائرات الروسية يخضع لقرارات الدول الأعضاء بشكل فردي.
وفي حال قرر بوتين تجنب المجال الجوي الأوروبي، فقد يضطر إلى سلوك طريق أطول عبر تركيا واليونان وصربيا، وهو ما يزيد من تعقيدات الرحلة.
أما من الناحية السياسية، فقد تناولت شبكة 'إن بي سي نيوز' البعد الداخلي للقمة بالنسبة لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي وصفته بأنه 'الحليف الأقرب لبوتين داخل الاتحاد الأوروبي'.
ووفقًا لتقرير الصحفي هنري أوستن، فإن أوربان اعتبر اختيار بودابست كموقع للقمة بمثابة انتصار سياسي، مشيرًا إلى أن بلاده 'الجزيرة الوحيدة للسلام في أوروبا'، وأن موقفه المناهض لتسليح أوكرانيا من قبل الغرب كان أحد الأسباب التي دفعت لاختيار العاصمة المجرية كمكان للقاء.
وقد أشار التقرير إلى أن أوربان، الذي يحكم المجر منذ 15 عامًا بنزعة شعبوية يمينية، يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات الصحية والاقتصادية، وأن القمة تمثل له 'تشتيتًا سياسيًا داخليًا'، يمنحه دورًا غير معتاد في السياسة الخارجية الأوروبية.
كما أن استضافة بوتين، الذي يواجه مذكرة توقيف دولية، تطرح إشكالية قانونية، خاصة أن المجر وقّعت على نظام المحكمة الجنائية الدولية، ما يفرض عليها التزامات قانونية قد تتعارض مع رغبة أوربان في إنجاح القمة.
وأكد وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو أن بلاده ستستقبل بوتين 'باحترام'، وستوفر له الظروف المناسبة للتفاوض مع الرئيس الأمريكي، في موقف يعكس استعداد الحكومة المجرية لتجاوز العقبات القانونية والدبلوماسية من أجل إنجاح القمة.
ومع ذلك، حذرت الباحثة إميلي فيريس من أن هذا الانحياز قد يرتد سلبًا على أوربان، خاصة إذا اعتُبر أن المجر توفر منصة دعائية للكرملين في ملف أوكرانيا.
وفي سياق متصل، أشار تقرير 'إن بي سي نيوز' إلى أن ترامب دعا جميع دول الناتو، بما فيها المجر، إلى وقف شراء النفط الروسي، معتبرًا أن ذلك سيُسرّع من إنهاء الحرب.
وقد دافع المسؤولون المجريون عن موقفهم، مشيرين إلى أن القيود الجغرافية والبنية التحتية تجعل من الصعب التحول إلى مصادر غربية للطاقة، وهو ما يضعهم في موقف دفاعي أمام الانتقادات الغربية المتزايدة.
وأعرب عدد من الخبراء والمراقبين عن اعتقادهم بأن قمة بودابست تمثل لحظة مفصلية في مسار الحرب الأوكرانية، وقد تحدد مستقبل الصراع وشكل النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب. وبينما يروج أوربان للقمة كفرصة تاريخية، فإنها قد تتحول إلى عبء سياسي إذا فشلت في تحقيق نتائج ملموسة، أو إذا اعتُبرت محاولة لتبييض صورة بوتين على الساحة الغربية.
وبين تعقيدات الوصول، وتباين المواقف، وتضارب المصالح، تبقى القمة اختبارًا حقيقيًا لمصداقية الغرب، ولمدى قدرة ترامب على تحقيق السلام دون التفريط في القيم والحقوق الأوكرانية التي طالما دافع عنها الحلفاء.