السودان.. تحذيرات أممية من فظائع ميليشيا الدعم السريع في بارا والفاشر

دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة من التصعيد الدموي بعد إعلان الجيش السوداني انسحابه من مدينة الفاشر، آخر معاقله العسكرية في إقليم دارفور، وسيطرة ميليشيا الدعم السريع عليها بالكامل، ما جدد المخاوف من وقوع كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد أكثر من ربع مليون مدني نصفهم من الأطفال، وفق تقديرات الأمم المتحدة، وفقا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.

وقالت وكالة رويترز إن الانسحاب جرى مساء أمس الإثنين بعد سقوط القاعدة العسكرية الرئيسية في المدينة بيد قوات الدعم السريع، فيما أوضح الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، أن القرار اتُخذ 'لحماية المدنيين من مزيد من الدمار'، متهمًا الميليشيا بارتكاب 'قتل منهجي وتدمير واسع النطاق'.

الأمم المتحدة تحذر: خطر الإبادة يتصاعد يومًا بعد يوم

في بيان شديد اللهجة صدر عن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حذرت المنظمة من 'تصاعد خطر ارتكاب فظائع واسعة النطاق ذات دوافع عرقية في مدينة الفاشر'، مشيرة إلى تقارير موثقة عن إعدامات ميدانية بحق المدنيين الذين حاولوا الفرار، وهجمات على المستشفيات، واعتقالات تعسفية، بحسب موقع UN News الرسمي.

وأكد المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع 'قد ترقى إلى جرائم حرب'، محذرًا من تدهور الوضع بسرعة، ووجود مؤشرات على استهداف منهجي لجماعات عرقية محددة، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد الإبادة الجماعية التي شهدها إقليم دارفور مطلع الألفية.

الفاشر تحت الحصار... انهيار المرافق الطبية ونقص حاد في الغذاء

وسط هذا الانهيار الأمني، قالت تنسيقية مقاومة الفاشر إن المعارك ما زالت مستعرة في الجهة الغربية من المدينة، وإن المدنيين يعيشون أزمة خانقة في الغذاء والدواء والمياه، في ظل غياب الممرات الإنسانية. وأشارت إلى أن القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح فقدت عددًا من قادتها الميدانيين، بينهم العقيد أحمد حسين مصطفى والمراسلة الحربية آسيا خليفة، أثناء القتال.

وأكدت شبكة أطباء السودان ارتكاب الدعم السريع مجزرتين مروعتين في الفاشر وبارا خلال اليومين الماضيين، قُتل فيهما العشرات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، إلى جانب اختطاف ستة من الكوادر الطبية وابتزاز ذويهم مقابل فدية مالية. وأوضحت أن المستشفيات والمرافق الصحية في المدينة تعرضت للنهب الكامل، وأن الخدمات الصحية انهارت تمامًا.

نزوح جماعي وعمليات انتقامية واسعة

أوضحت وكالة رويترز أن أكثر من 250 ألف مدني أصبحوا محاصرين داخل الفاشر، نصفهم من الأطفال، في ظل توقف المساعدات الإنسانية كليًا.

ووفقًا لصحيفة ماليزيا صن، تفرض قوات الدعم السريع سيطرة أمنية مشددة على المدينة، وتمنع خروج السكان وتنفذ حملات تفتيش واعتقال بحثًا عن عناصر الجيش المنسحبين، في وقت تتحدث فيه منظمات إغاثية عن وضع إنساني كارثي داخل المدينة ومحيطها.

وفي المقابل، أعلنت قوات الدعم السريع أنها باشرت 'تمشيط وتأمين المدينة'، في حين تؤكد تقارير من هيئة محامو الطوارئ أن عمليات القتل الميداني ما زالت مستمرة وأن الفارين يتعرضون للملاحقة والاعتقال بدوافع عرقية وانتقامية.

امتداد المعارك إلى كردفان وسقوط بارا

وفي تطور ميداني آخر، أعلنت 'الدعم السريع' سيطرتها على مدينة بارا ومحلية أم دم حاج أحمد في شمال كردفان، بعد معارك عنيفة مع الجيش.

وتحدثت مصادر محلية عن عمليات نهب وتخريب واسعة، و'تصفية عشرات المدنيين داخل منازلهم'، إلى جانب اختفاء أكثر من خمسين شخصًا قسريًا.

وأدان حزب المؤتمر السوداني ما وصفه بـ'المجزرة في حق المدنيين العزل'، مطالبًا بفتح تحقيق دولي عاجل، فيما دعا التحالف المدني الديمقراطي (صمود) إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ووقف الانتهاكات فورًا.

صمت دولي وتحركات محدودة

رغم التحذيرات الأممية، لم تُسجل حتى الآن خطوات عملية من مجلس الأمن أو القوى الكبرى لوقف الانتهاكات أو فرض عقوبات على قادة الدعم السريع.

وذكرت الجزيرة الإنجليزية أن الانسحاب العسكري من الفاشر يمثل 'نقطة تحول في الصراع السوداني'، ويكشف عن عجز المجتمع الدولي عن حماية المدنيين في غياب أي مبادرة سياسية فاعلة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

في المقابل، أجرت الحكومة المصرية اتصالات مكثفة مع دول أوروبية وعربية، بينها فرنسا والسعودية والسويد واليونان والأردن، للتنسيق حول دعم جهود وقف إطلاق النار وإحياء مبادرة 'الرباعية' الخاصة بالسودان التي أُطلقت في واشنطن.

البرهان يتوعد بالقصاص

في كلمة نقلها التليفزيون الرسمي، قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان إن الانسحاب من الفاشر 'لا يعني الاستسلام بل إعادة تموضع لحماية المدنيين'، متعهدًا بالقصاص 'لكل من تورط في قتل وتشريد الأبرياء'، ومؤكدًا أن القوات المسلحة 'ستستعيد الأراضي وتعيد دارفور لأهلها'.

ويرى مراقبون أن ما يجري في الفاشر يعيد الإقليم إلى الواجهة الدولية بعد عقدين من مأساة الإبادة الجماعية، وسط تحذيرات من تكرار السيناريو نفسه في ظل صمت دولي مقلق وغياب أي مسار تفاوضي جاد قد يضع نهاية لفصول امأساة المستمرة في السودان.