اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
في قلب صحراء مصر الشرقية، حيث سُطّرت أولى فصول قصة الذهب منذ آلاف السنين، تقف مصر اليوم على أعتاب عصر جديد من الاكتشافات التعدينية والاستثمارات العالمية. وفي مشهد يعكس هذا التحول، جاءت كلمة جيلين دوران، المدير التنفيذي والمالي لشركة أنجلو جولد أشانتي، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى مصر الدولي للتعدين، لتؤكد أن مصر ليست مجرد وجهة جديدة للاستثمار، بل شريك أساسي في صياغة مستقبل صناعة التعدين العالمية.
افتتحت دوران كلمتها بتوجيه الشكر لوزير البترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي، مشيدة بالخطوات الجريئة التي اتخذتها الدولة المصرية لتحديث الإطار التشريعي لقطاع التعدين، وتهيئة بيئة استثمارية أكثر جذبًا. وأكدت أن ما يحدث في مصر اليوم هو أكثر من مجرد تطوير لقطاع، بل هو استعادة لدور محوري على خريطة التعدين العالمية.
كما نوهت بدور الهيئة المصرية للثروة المعدنية، الشريك الرئيسي في منجم السكري، وأشادت بروح التعاون المثمرة بين الأطراف، والتي تصب جميعها في صالح تحقيق قيمة مستدامة لمصر وشعبها.
قدّمت دوران لمحة عن شركتها، موضحة أن أنجلو جولد أشانتي هي من كبرى شركات إنتاج الذهب في العالم، مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة، وتعمل في أكثر من قارة، بخبرة تتجاوز 100 عام في التشغيل، وسجل متميز في السلامة والمسؤولية البيئية.
وفي نوفمبر الماضي، استحوذت الشركة على شركة سنتامين، في صفقة هي الأضخم منذ أكثر من عشرين عامًا، مؤكدة أن هذه الخطوة تمثل تصويت ثقة قوي في قدرات مصر الجيولوجية والبشرية، وفي دعم الدولة لبناء قطاع تعدين تنافسي على المستوى العالمي.
استحضرت دوران الإرث التعديني المصري، مشيرة إلى أن عمال المناجم في العصور القديمة استخرجوا الذهب من ذات المناطق التي تُستكشف اليوم، ومنها جاء الذهب الذي زين مقبرة توت عنخ آمون. وتابعت بأن منجم السكري يُجسد استمرار هذا الإرث، بعد أن أنتج أكثر من 6.2 مليون أوقية ذهب منذ 2010.
وأكدت أن مصر لا تُعد مجرد سوق، بل قاعدة استراتيجية أساسية لتوسيع أعمال التعدين على مستوى إفريقيا والعالم.
كشفت دوران عن امتلاك شركتها أكثر من 3000 كيلومتر مربع من المناطق المرخصة في مصر، لم تُستغل بعد وفقًا للمعايير الحديثة. وأضافت أن الدرع العربي النوبي في مصر يحتوي على ثروات جيولوجية هائلة، لم يُكتشف منها سوى القليل.
وأشارت إلى أن فريق الاستكشاف في أنجلو جولد يُعد من الأكثر كفاءة على مستوى العالم، مما يعزز قدرة الشركة على تحقيق اكتشافات كبرى خلال السنوات المقبلة.
أكدت دوران أن فلسفة الشركة لا تقوم على السعي وراء الأرباح قصيرة الأمد، بل على بناء منظومة تعدين مستدامة وطويلة الأجل، قائمة على الشفافية والمعايير الدولية. وأعربت عن التزام الشركة بتطوير المهارات المحلية، وخلق فرص عمل، والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعات التعدين.
وقالت إن الشركة تعتبر من مسؤوليتها أن تضمن تحقيق قيمة حقيقية للمجتمعات التي تعمل بها، من خلال التعاون الوثيق مع الحكومات، والانضباط المالي، والاحترام الكامل للبيئة.
من جانبه، يقول سمير عبد العزيز، الخبير في أسواق الذهب، إن منجم السكري أعاد رسم خريطة التعدين في مصر. ويضيف أن الدولة باتت تُدرك اليوم جيدًا القيمة الاستراتيجية لاحتياطاتها من الذهب، وتسير بخطى ثابتة نحو بناء قطاع تعدين قوي وجاذب للاستثمارات.
ويؤكد عبد العزيز أن نجاح مصر في استقطاب شركات كبرى يعود لتحديث التشريعات، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتوفير بنية تحتية قوية، وهي خطوات جعلت البلاد محط أنظار كبرى الشركات العالمية في مجال التعدين.
بحسب عبد العزيز، فإن منجم السكري ليس مجرد مشروع لاستخراج الذهب، بل مثال حي على التنمية المستدامة التي توازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويشير إلى أن وجود شركات عالمية كـ'أنجلو جولد أشانتي' ساهم في إدخال تقنيات متقدمة وأساليب استكشاف حديثة ساعدت في رفع كفاءة الإنتاج وتوسيع نطاق العمليات.
كما شدد على أهمية التوسع في مناطق الاستكشاف الجديدة في الصحراء الشرقية، والتي يرى أنها تمثل مستقبلًا واعدًا لصناعة التعدين المصرية، ومصدرًا محتملاً لدعم الاحتياطي النقدي للبلاد، وتحقيق استقرار اقتصادي على المدى الطويل.
يشدد عبد العزيز على ضرورة الاستمرار في تطوير البنية التحتية، وتدريب الكوادر المحلية، وضمان الشفافية في التعاقدات مع الشركات العالمية، بما يضمن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الثروات.
ويري أن الذهب يمكن أن يتحول إلى أحد أعمدة الاقتصاد المصري، ليس فقط من خلال عوائده المالية المباشرة، ولكن عبر مساهمته في خلق فرص عمل، وتنمية المجتمعات المحلية، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية.
كلمة جيلين دوران، وراي الخبير، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر تسير في الاتجاه الصحيح نحو استعادة دورها المحوري في صناعة الذهب العالمية. فمع وجود إرادة سياسية واضحة، وتشريعات حديثة، واستثمارات أجنبية قوية، تبدأ فصول جديدة من قصة ذهبية تُكتب الآن... في قلب الصحراء الشرقية، وبين أيدي علماء ومهندسين ومجتمعات تؤمن بأن الذهب الحقيقي هو التنمية المستدامة.