اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في عالمٍ تنقلب فيه الموازين بسرعة، وتُقاس القيمة بالمظاهر، والنجاح بالضجيج، أصبح من السهل أن يختلط على الناس معنى القوة، ومعنى الهيبة، ومعنى الحضور.
يظن البعض أن السلطة تمنح الهيبة، وأن المال يصنع المكانة، وأن ارتفاع الصوت دلالة على النفوذ. ولكن الحقيقة أن ما يُمنح يمكن أن يُسحب، وما يُرى يمكن أن يزول.
أما الأخلاق… فهي الشيء الوحيد الذي يبقى حين يسقط كل شيء آخر.
الهيبة ليست في الكرسي الذي نجلس عليه، ولا في الألقاب التي نُعرّف بها أنفسنا، ولا في ما نملك من مالٍ أو جاه.
فهي تُولد في اللحظة التي يعرف فيها الإنسان نفسه، ويقف ثابتًا أمام العالم دون حاجة لإثبات وجوده. هي سكينة داخلية قبل أن تكون حضورًا خارجيًا، ووقار في الروح قبل أن تكون مظهرًا.
وقوة الشخصية ليست في السيطرة على الآخرين، بل في السيطرة على الذات. في أن يعرف الإنسان متى يتكلم، ومتى يصمت، ومتى يقدم، ومتى يتراجع، أن يختار كرامته قبل لحظة انفعال، وهدوءه قبل ردٍ غاضب، ووعيه قبل أن يجرفه الموقف.
وهنا تتجلى الحقيقة بوضوح الهيبة هي الأخلاق، لا السلطة.
والقيمة هي الضمير، لا المال. والقوة هي الثبات، لا القسوة.
من كان قويًا بالأخلاق، ظل قويًا حتى إذا خسر كل شيء.
ومن كان قويًا بالمال أو النفوذ، تهشّم بمجرد أن تغيّرت الظروف.
لهذا، حين نربي طفلًا على الأخلاق، فنحن لا نعلّمه سلوكًا عابرًا، بل نؤسّس بداخله عمودًا من الضوء يستند عليه حين تشتد الحياة.
وحين نختار أن نعيش بكرامة وهدوء واتزان، فنحن لا نفعل ذلك لنبدو أفضل أمام أحد، بل لنكون أصدق أمام أنفسنا.
المجتمعات لا تبني بالسلطة فقط، ولا بالأنظمة وحدها، بل بأشخاص يعرفون أن السمعة لا تصنعها الثياب، بل المواقف،
وأن القيمة لا تُقاس بما نقوله، بل بما نفعله حين لا يرانا أحد.
وفي نهاية الأشياء، لا يبقى من الإنسان صوته ولا مظهره ولا ظله… يبقى أثره فقط.
يبقى كيف عبر القلوب، وكيف مشى في الطرقات دون أن يجرح أحدًا، يبقى صدقه حين كان الصدق مكلفًا، ويبقى نقاءه رغم الزحام.
فإن أردنا هيبة تدوم، فلنزرعها في أرواحنا لا في صورنا.
ولنجعل أخلاقنا دليلنا حين تختلط الطرق.
فمن كان نورُه من الداخل، لن يستطيع العالم كله أن يُطفئه.


































